إلى العلماء وإلى العامة (5)

بعض السلبيات في أوساط العلماء والدعاة:

 

- (1) الضعف العلمي وعدم الرسوخ والتحقيق عند بعض الدعاة والمفكرين، والضعف الفكري والسياسي والحركي عند الشيوخ والعلماء المحققين، فنجد كثيراً من الدعاة والمفكرين ينطلق من المصلحة الآنية، ومن المعنى الفضفاض الذي يفهمونه من (مقاصد الشريعة) دون مراعاة لثوابت الأحكام الشرعية وحدود المحافظة على الهوية الثقافية والمراعاة لخصائص الأمة التاريخية. وقد استجلب ذلك إلى ساحة الدين كثيرين من البعيدين عنه من أبنائه لكن فهمهم للدين بقي مضطرباً هجيناً وربما ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.... 

وبالمقابل نجد جموداً في التعامل مع بعض الأمور عند العلماء الذين يوسمون بالتقليد، وعدمِ التمييز أحياناً بين الأحكام المستقر ثبوتها بنصوص الكتاب والسنة فلا مجال للاجتهاد فيها، وبين الأحكام التي اجتهد فيها الأئمة والعلماء ويمكن تجدد الاجتهاد فيها تبعاً لتغير الزمان والمكان وتغير علة الحكم وتحقيق مناطه. 

وفقه السياسة الشرعية من أقل أبواب الفقه الإسلامي نصوصاً من الكتاب ومن السنة ، وجل ما فيه من التفريع اجتهادي وليس منصوصاً عليه، ومع ذلك يصر بعض الناس على التعامل معه كما لو كان نصوصاً قطعية ! 

- (2) الانفصام عن الواقع: ببحث الأمور بطريقة علمية مجردة عن فهم ظروف الحياة المعاصرة وطرق تفكير الأجيال الحاضرة ودقة الإسقاط. فيتم التعامل مع المستجدات إما بتجاهلها، أو الرضوخ لها دون أي ممانعة أو نقاش، فالأنظمة السياسية الحاكمة اليوم ليست أنظمة إسلامية والقائمون على تلك الأنظمة يعلنون عَلمانيتهم، وبناءً على هذا فهم ليسوا ولاة أمور شرعاً. لكن فئة من العلماء حتى من الفئة التي لا تسمى (علماء السلاطين) تبحث قضايا المظاهرات وإسقاط الأنظمة تحت باب (الخروج على الحاكم) وتستدل بالنصوص الشرعية على حرمة الخروج على الحاكم لكنها تسقط قيد (إسلامه) من المعادلة، وهو قيد مهم يقلب المعادلة رأساً على عقب. 

ولو بحثتها تحت أبواب (المصالح والمفاسد) لكان ذلك أقرب إلى التحقيق في العلم.

- (3) الخوض في الجزئيات دون تأسيس فهم الكليات: كثير من جزئيات الفقه الإسلامي ينبني فهمها على فهم كليات الأبواب المتعلقة بها، فمعرفة تفاصيل أحكام القتال والحرب والأسرى والتعامل مع الأعداء وإسقاطها على الأحوال الحاضرة يفتقر إلى الفهم الكلي لمفهوم الجهاد في الإسلام، وهو مفهوم مشوه غير واضح في أذهان كثير من العلماء والدعاة على حد سواء. ويوجد في باب الجهاد مفاهيم كلية يتعامل معها بعض المفتين بالنظر الجزئي والحدود الضيقة، فمثلاً: ضرورة وجود أمير للجهاد مسألة كلية يتعلق بها مصير أمة في دمائها وأموالها وأعراضها ، ولا ينظر إليها بطريقة نظر بعض الفقهاء الجزئية : هل يشترط إذن الأمير في الجهاد أم لا ، فقال بعضهم يشترط وقال بعضهم لا يشترط !!! 

- (4) شـــيوع ضعف الثـقة: لقد أدت سنوات القمع إلى شيوع عدم ثقة العلماء ببعضهم وصعوبة ثقة العالم بمن يتصل به من الجماهير مالم يكن من المقربين إليه، وأسوأ من ذلك انعدام الثقة ببعض العلماء من بعض أوساط المجتمع. وفي البيئات التي تنعدم فيها الثقة: تنشأ (الأنا) الفردية وتنشأ (الأنا) الجماعية، وهذا يؤدي إلى ضعف تأثير العالِـم في غير جماعته الخاصة التي تراه كل شيء علماً وفقهاً ودعوة وجهاداً ولا تعتبر غيره.

- (5) عدم الوضوح والهروب من مواجهة الحقيقة: فالحديث عن الفرق الإسلامية مثلاً كان من الممنوعات في ظل الأنظمة القمعية، فجعله ذلك من الممنوعات عند بعض المدارس والجماعات العلمية بحيث يخفى على طلاب العلم بعض الضروريات من المعلومات. وفي مثل ذلك المناخ يتأثر الجماهير (بالضلال) في فهم تلك القضايا من قبل (علماء السلطة).... 

أو يتأثرون بنظرة معاكسة قد تكون هي الصواب نظرياً لكن في تطبيق معطياتها على المجتمع دقة وتدافع مفاسد لا يتقن فقهها العملي أصحاب تلك النظرة. 

ومثل ذلك الفروق بين المدارس الإسلامية لا يوجد وضوح في بيانها وربما كانت ملتبسة على بعض العلماء والدعاة أنفسهم، ففي الأوساط (السلفية) تشيع فكرة نبذ (التصوف) جملة وتفصيلاً دون إدراك لحقيقته، وفي الأوساط (الصوفية) تشيع فكرة اتهام (السلفية) جملة وتفصيلاً دون إدراك لشعبها ومعانيها. ولا يستطيع العلماء المحققون المغيَّبون في زحمة تلك الاختلافات أن يبينوا للناس أن هؤلاء قد أصابوا في أشياء وأخطؤوا في أشياء، وأن أولئك قد أصابوا في أشياء وأخطؤوا في أشياء. فقد اعتادت تلك الأوساط على التصنيف الفوري للأشخاص دون تأمل وتدبر.

- (6) ليس عند العلماء مشروع سياسي أو رؤية لنظام الدولة: وهذه معضلة كبرى، فكثير من العلماء يظهر اعتراضات على الحركات الإسلامية السياسية، لعدم انضباطها عنده بما يرى من الفقه، دون أن يكون لديه مشروع سياسي بديل أو تصور واضح لنظام الدولة في المستقبل مما يجعل الفرصة سانحة لتأثر الشباب المسلم بالمشاريع التي تحقق للمسلمين نشوة آنية وسروراً عارماً ووعوداً خادعة، لكنها في الحقيقة تساهم في إضعاف المسلمين مستقبلاً، وتفتح الذرائع للأعداء في الانقضاض على المسلمين، وتوسع جبهات الحرب، وتجعل البلاد في حالة لا استقرار معها ولا أمن ولا أمان.

 

كل هذه النقاط وغيرها تستدعي هبَّة من العلماء لتداركها وإعادة الأمور إلى نصابها، خاصة وأن الشعوب الآن قامت تنادي باسم الإسلام ولا غنى لها في ذلك عن علمائها شاءت هذا أم لم تشأ اعترفت بهذا أم لم تعترف.

 

فما هو واجب العلماء تجاه الأمة في هذه الظروف ؟

لقراءة المقالة الرابعة الرجاء اضغط هنا

لقراءة المقالة الثالثة الرجاء اضغط هنا

لقراءة المقالة الثانية الرجاء اضغط هنا

لقراءة المقالة الأولى الرجاء اضغط هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين