إلى العلماء ..........وإلى العامة (4)

ماذا يُراد من العلماء

 

بعضٌ من الناس يريد من العلماء عصا سحرية تقلب الموازين وتمحو الباطل وتنصر الحق وتعلي لواءه، تزيل الظالمين عن عروشهم وتؤدي للمستضعفين حقوقهم، وتقيم للمسلمين دولتهم ... يحمِّلونهم ما لا يحسنون من مسؤوليات القيادة السياسية والفكرية، ويطمحون أن يروهم في أول صفوف المقاتلين ... 

وأقتبس من كلام الناس شيئاً مما يطالبون به العلماء، 

قال أحدهم : « وبقطع النظر عن رأي العلماء الشرعيين في هذه الثورات ومن قام بها: فقد أصبحت واقعاً نقوم وننام عليه، ولم يعد مقبولاً ممن خصه الله بفضله وجعله أميناً على دينه في الأرض أن لا يتبوأ مكان القيادة الفكرية للشعوب، هذه الشعوب التي كان لها قصب السبق في رفض الظلم، وكان الأصل أن يقود العلماء الشعوب لرفع الظلم لا أن يبادر عامة الناس لهذا ويدفعوا من دمائهم وأموالهم وأعراضهم ثمن حريتهم، ولا زالت الفرصة سانحة أمام علماء الأمة قبل أن يستبدلوا، ولا زال بإمكانهم أن يقودوا الأمة لما فيه خيرها وصلاحها، والشعوب بحاجة للقيادة والتوجيه، الشعوب بحاجة لأن تعقد لها راية، والعلماء أحق الناس بها وأهلها، وسلطتهم الشرعية هي أعلى السلطات فالأجدر بهم أن لا يخيبوا رجاء الشعوب فيهم؛ فما فائدة أن يعيشوا يتدارسون كتاب الله ويؤلفون الكتب وينشرون الأبحاث ثم لا يقوموا بتفعيل هذا العلم في واقع أمة أحوج ما تكون لهم في هذا الوقت، فإن أبى علماء المسلمين إلا التولي: تحققت النذارة الرهيبة كما يسميها سيد قطب وتحقق بيان الاستغناء كما أطلق عليه الرازي، واستبدل الله قوماً غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم والله بالغ أمره ولو كره المشركون ».

رغم أن هذه المطالبة كانت تعي أن العلماء لم يصنعوا تلك الثورات إلا أنها تصرُّ على أن يكونوا هم قادتها.

لكن مطالبة أخرى من شباب التغيير في اليمن لا تريد من العلماء أن يكونوا قادة بل تكتفي أن ينحازوا إلى جانب الثائرين فمما جاء في بيانهم 28 فبراير 2011 : « وإننا من ميادين الحرية حيث نفترش الأرض ونلتحف السماء ننتظر أن نراكم إلى جوارنا نصرة للحق. لقد سجل التاريخ انحياز العلماء للشعوب المقهورة ومقارعة الظلم والاستبداد وإننا على ثقة أنكم لن تخذلوا ثورتنا المباركة فأنتم ورثة الأنبياء، والعلم الذي تحملونه في صدوركم يحضكم على نصرة المظلوم وعدم الركون إلى الظالم، كما أن اليمنيين الذين أجمعوا ضد هذا النظام لم تجتمع على ضلالة فقد شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان والحكمة. علماءنا الأجلاء إننا نناشد ضمائركم الحية بالانضمام إلى ميادين الحرية والكرامة حتى يسقط هذا النظام... ».

والفرق بين المطالبتين واضح يعكس الآمال الإسلامية في الأولى، والآمال الوطنية المجردة في الثانية.

تلك المطالبات تستند غالباً إلى الرصيد التاريخي للعلماء ومكانتهم في المجتمع، لكن المقايسة بين العلماء في ظل الدول الظالمة والمتغيرات المعاصرة وبين العلماء وما كانوا يقومون به في المراحل السابقة من التاريخ مقايسة مع الفارق، إن كان فيها القليل من الصواب ففيها الكثير من الخطأ.

لقد حفظ لنا التاريخ موقف سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام الشافعي رحمه الله من أحد الملوك الأيوبيين وكيف كان أثره وكيف عاقب الملكُ العزَّ بن عبد السلام.

وأنا أعلم في سورية من كانت كلماته أقوى من كلمات العز بن عبد السلام لكن لم يكن لها أثرها لا على الدولة ولا في المجتمع، وكانت العقوبة لمن يقول مثلها أشد من عقوبة العز بن عبد السلام ولكن لا بواكي لمن تقع به.

والفرق شاسع بين مجتمع اليوم ومجتمع الدولة الأيوبية، ولا يمكن المقارنة بوجه بين الظالمين في عصرنا وملوك الدول الإسلامية حتى الظالمين منهم.

وكذلك حفظ لنا التاريخ موقف شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية الحنبلي رحمه الله وقيادته جيش المسلمين في معركة شقحب في مرج الصُّفَّر ضد التتار بقيادة غازان، يوم أن كان المجتمع مسلماً، وكانت القيادة واحدة، وكانت السيوف تصنع بأيدي المسلمين، ولا توجد قوى ولا تجاذبات دولية وسياسية ولا وسائل اتصال وتجسس ولا أجهزة مخابرات. 

 

فأنى للعالِـم اليوم إن لم يقم بعمل دعوي تربوي طويل المدى ... أنَّى له بين عشية وضحاها بعد أن تفجرت الثورات بغتة أن يوحِّد مجتمعاً فيه المسلم والكافر، فيه العَلماني والشيوعي واليساري والليبرالي، بل فيه السلفية بتقسماتها، والصوفية بجماعاتها، والإخوان بولاآتهم، والتحرير بتعاليهم، والقاعدة بمجاهيلها وانقساماتها، وكل من يدعي الوصل بليلى....، وفوق ذلك كله إنما يُصنع السلاح بأيدي الأعداء ، ويستجدى ثمنه ممن يتحكمون في حركته ولا يرقبون في البلاد والعباد إلا ولا ذمة !!، والقوى الدولية والتجاذبات السياسية عندها من المكر والدهاء بما لا قِبل للعالِم بدفعه أو النجاة من الوقوع في شباكه !!

 

كثير من الجماهير لا تستوعب هذه المفارقات وتطالب العلماء بما لا قِبل لهم به اعتماداً على المقايسات الخاطئة مع التاريخ !.

 

العلماء الآن أضعف في تكوينهم الشخصي والعلمي من العز بن عبد السلام وابن تيمية وأمثالهما، والتحديات في عصرنا تفوق التحديات في عصرهما بمئة ضعف ناهيك عن وجود قيادة عسكرية أو سياسية للمسلمين في عصرهم وانعدامها بالمعنى الذي أقصده الآن ، والأخطر من ذلك أن المجتمع في عصرهم كان إسلامياً صرفاً ، والمجتمع اليوم يعيش جاهلية القرن الحادي والعشرين ... 

 

لقد كشفت هذه الثورات لعامة الناس ما كان العالِـمون به قبلاً لايستطيعون البوح به. لقد كشفت أن مستوى ما يقوم به العلماء أو يستطيعون القيام به هو دون مستوى الأحداث بكثير جداً. 

 

وذلك يتجلَّى في نقاط عدة منها:

 

(لطفاً : اقرأ المنشور بعده ، ولا تنس قراءة ما سبقه المقالة الأولى ، الثانية ، الثالثة  )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين