الدكتور عدنان إبراهيم: البوصلة ما زالت مختلة

نشر الأستاذ أحمد محمد كنعان في موقع رابطة العلماء السوريين، مقالاً بعنوان "الدكتور عدنان إبراهيم: عندما تختل البوصلة"[1]، ذكر فيه بعض مايراه اختلالاً في بوصلة الدكتور عدنان، وختم مقاله بقوله: "لكنه بفضل الله تعالى، ثم بفضل النَصَحة من محبيه أصلح البوصلة وعاد إلى الطريق عودة طيبة ندعو الله له فيها التوفيق والقبول".

وليس لنا إلا أن نختلف مع الأستاذ كنعان في أمرين أساسيين: الأول: أن ما ذكره الأستاذ كنعان من اختلال في بوصلة الدكتور عدنان إبراهيم هو غيض من فيض، والثاني: أن الدكتور عدنان إبراهيم لم يصلح البوصلة ولم يعد إلى الطريق عودة طيبة كما يقول الأستاذ كنعان، وهاكم التفاصيل.

ذكر الأستاذ كنعان أن بوصلة الدكتور عدنان قد اختلت في أمرين: الأول: موقفه من بعض الصحابة، والثانية: نقده للسنة.

موقفه من الصحابة

أما موقفه من الصحابة، فلم يتغير ولم يتبدل، وله فيهم من الأقاويل ما لا يمكن قبوله، وخاصة في سيدنا معاوية رضي الله عنه، وهذا موقعه الرسمي ما زال موجوداً، وما زالت محاضراته عن سيدنا معاوية موجودة فيه كلها دون حذف، وعنوانها (معاوية في الميزان)، لم يسحبها أو يلغها، وكذلك محاضراته التي يتكلم فيها عن الصحابة، وقد وصف سيدنا معاوية وبعض الصحابة الآخرين بأبشع الأوصاف، وصل بعضها إلى اتهامهم بالفسق، فكيف نقول إنه تراجع؟ إن تراجع حقاً فليقم أولا بحذف تلك المحاضرات المتاحة لكل الناس، وليعلن اعتذاره وتراجعه على الملأ، وخاصة في موقعه الذي نشر فيه تلك الأباطيل والأقاويل.

موقفه من السنة

وأما ما سماه الدكتور كنعان (نقده للسنة)، فإن ما قام به عدنان إبراهيم هو أكثر بكثير من أن يكون نقداً، هو يصل إلى حد إنكار الاحتجاج بالسنة في تقرير الأحكام الشرعية، نعم هو يستشهد أحياناً بالأحاديث الشريفة، ولكن موقفه المعلن على رؤوس الأشهاد هو ما جاء في خطبة معروفة له، يجد القراء الكرام رابطها أسفل هذا المقال[2]، يشبه فيها دور رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقل أحكام الله تعالى، بدور السكرتير الذي ينقل أوامر الملك، ويقول، إذا أعطى الملك أمرا لسكرتيره ليبلغه للناس، فلا يحق للسكرتير أن يزيد عليه، فإن زاد عليه لا نقبله منه ولا نعمل به، هذا موقف الدكتور عدنان من السنة، وهو أن كل ما زاده رسول الله صلى الله عليه وسلم على القرآن الكريم لا نأخذ به ولا نعمل به، وهذا إنكار واضح لكون السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، ومخالفة واضحة لإجماع علماء الأمة على مر العصور، وماذا يريد أعداء الإسلام أكثر من تهميش السنة بهذه الطريقة؟ لم نسمع أن الدكتور عدنان قد تراجع عن ذلك.

ونأتي الآن إلى نقاط اخرى اختلت فيها البوصلة عند الدكتور عدنان، ولم يذكرها الأستاذ كنعان في مقاله.

تبني الدكتور عدنان إبراهيم بقوة لنظرية دارون

من ذلك تدليسه الذي قام به في إحدى خطبه، في تفسير بعض آيات من القرآن الكريم ليثبت أن كتاب الله يؤيد نظرية دارون في التطور، فاقتطع الآيات من سياقها، وفسرها بعيدا عن معانيها، وقد تناولت ذلك بالتفصيل في مقال سابق تم نشره في هذا الموقع الموقر: تحت عنوان"عدنان إبراهيم يدعي أن القرآن يؤيد نظرية دارون"[3].

وليته اكتفى بذلك، بل سخر نفسه ووقته في محاولة لإقناع الناس بهذه النظرية، وهي نظرية باطلة علمياً من جهة، ومطية للإلحاد من جهة أخرى، فقام بإنتاج سلسلة من ثلاثين محاضرة متلفزة، بثها في موقعه الشخصي، وعلى اليوتيوب، فيها من التدليس وتشويه الحقائق العلمية ما يضيق المقام عن تفصيله، وقد أعانني الله ورددت عليه بالتفصيل في كتابي: "تنوع الكائنات: خلق أم تطور أم تطوير"، ولكن أوجز هنا باختصار بعض الطامات التي حوتها تلك السلسلة.

فمن ذلك أنه أسرف إسرافاً شديدا في مديح شخصية دارون إلى درجة قاربت حد التقديس، بل إنه زعم أن الله لن يعذب دارون، ذاك الملحد، لأنه برايه بذل جهده في الوصول إلى الحقيقة فلم يصل ومات ملحداً، هكذا ببساطة منح صك غفران لدارون، وفي الوقت نفسه، في السلسلة نفسها، أشبع علماء المسلمين وكل من يخالفه الرأي سخرية وتهكماً، وبلسان سليط، لأنهم لا يوافقونه في اعتماد هذه النظرية.

ومن ذلك، أن الأدلة العلمية التي جاء بها في تلك السلسة على نظرية التطور، معظمها مجرد قص ولصق من كتب الملحد الشهير ريتشارد داوكنز، وهي أدلة متهافتة تماما من الناحية العلمية وقد فندها العلماء وردوا عليها، وأصبحت من التاريخ، وطبعاً قد نال هذا الملحد نصيبه من مديح الدكتور عدنان، لأنه برأيه عالم كبير مشهور، مع أن كتبه أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى العلم.

ومن ذلك زعمه أن مخلوقات الله تعالى، وبالذات الإنسان، فيها عيوب في الخلق، تعالى الله عما يقول علواً كبيراً، وياتي بأمثلة قديمة أكل الدهر عليها وشرب،بيّن العلماء منذ زمن طويل أنها ليست بعيوب بل كلها من حكمة الله وإعجازه في الخلق، وغايته من زعم وجود عيوب في الخلق، أن يبرهن، أن الخلق تم بواسطة التطور الداروني، وإلا لخلت المخلوقات من العيوب المزعومة، أي منطق هذا؟ وفي تلك السلسلة طامات أخرى يضيق المقام عن ذكرها.

الترحم على من مات كافراً:

يصر عدنان إبراهيم على أنه يجوز الترحم على من مات كافراً، مخالفاً بذلك محكم الكتاب وصحيح السنة، وعندما مات الملحد الشهير ستيفن هوكينغ، نعاه عدنان إبراهيم وترحم عليه، فلما واجهته اعتراضات شديدة على ذلك، ألقى خطبة طويلة لتبرير موقفه هذا، وكانت خطبة مليئة بالكثير من الاختلال في البوصلة، وقد أعانني الله على كتابة مقال تم نشره في موقع رابطة العلماء السوريين،[4]، رداً على ما جاء في تلك الخطبة بالتفصيل، ومن أسوأ ما في تلك الخطبة، تدليسه الواضح حين يروي قصة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت عبد الله بن أبي، فيروي الحديث والقصة مبتورة، ولا يكملها، لأن في إكمالها نقضا لكل ما جاء في خطبته! وخلاصتها : أن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلب قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكفن به أباه المنافق، فأعطاه عليه الصلاة والسلام القميص، ثم لما همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، اعترض سيدنا عمر على ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام " يا عمر إني خيرت فاخترت، قيل لي (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ولو علمت أني لو استغفرت فوق السبعين غفر له لاستغفرت له"، ويقف عدنان إبراهيم هنا ولا يكمل القصة، وبقيتها كما جاء في الحديث الصحيح: فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ( ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) فما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله، عز وجل.

موقفه من ملة الشيعة الإثنا عشرية

ومن المواقف التي اختلت فيها بوصلة الدكتور عدنان إبراهيم بشدة، ترويجه لخدعة كبيرة، وكذبة كبيرة، حول الملة الشيعية الإثنا عشرية، يقول في مقابلة تلفزيونية له مع قناة (الحرة): "إذا كانت نسبة الخلافات بين المذهب الشافعي والمذهب المالكي افرض هي 10% إلى 15%، فهي لا تزيد عن هذا بين المذهب الشافعي من جهة والمذهب الإمامي الإثنا عشري من جهة أخرى"، وهذا القول مرفوض تماماً، والخدعة الكبيرة فيه هي أنه يوهم سامعه ممن لم يطلع على الملة الإثنا عشرية، أن الخلاف بينها وبين السنة هو خلاف في أحكام الفقه الفرعية من طهارة وصلاة ومعاملات، في حين أن الخلاف هو خلاف في العقيدة وأصولها، وقد أعانني الله فقمت بالرد ردا تفصيلياً على هذا الزعم الباطل في مقال تكرم بنشره موقع رابطة العلماء السوريين[5]، لن أفصل فيه هنا، خلاصته، أن تلك الملة تلعن معظم الصحابة وتسبهم، وتقذف أمنا عائشة الطاهرة رضي الله عنها، وتمنح الأئمة صفات فوق الأنبياء، وتكاد تجعلهم في مقام الآلهة، لأنها تزعم أنهم يعلمون ما في النفوس، ويعلمون الغيب، وغير ذلك من الصفات التي لا تصح بحال، ويزعم أهل هذه الملة أيضاً أن الإله الذي نبيه محمد وخليفته أبو بكر ليس إلههم، ويزعمون أن القرآن الذي بين أيدينا ناقص ومحرف، وأن لديهم القرآن الصحيح الذي يزيد عن قرآننا بثلاثة أضعاف، ويعتبرون المجوسي أبو لؤلؤة الذي قتل سيدنا عمر وليا صالحاً ويحجون لمقامه، ويعتبرون أهل السنة كفاراً، ويعتبرون الحج لكربلاء أفضل وأعظم أجراً من الحج لبيت الله الحرام، وينكرون السنة النبوية، وملتهم كلها تقوم على خرافة الإمام المغيب المنتظر الذي دخل في السرداب قبل أكثر ألف ومائتي سنة ومازالوا بانتظار خروجه حتى الآن، وأمور أخرى هي في جوهر العقيدة

هذا عن الخدعة الكبرى التي جاءت في تصريح الدكتور عدنان إبراهيم.

أما الكذبة الكبرى فهي أن عدنان إبراهيم زعم كذباً أن ما قاله في هذا التصريح المضلل، هو رأي الأزهر الشريف، والأزهر من هذا الكلام براء، كما بينت بالتفصيل في المقال المذكور.

وبعد.. هل أصلح الدكتور عدنان البوصلة؟:

وهكذا نرى، أنه بخلاف ما ذكره الأستاذ كنعان في خاتمة مقاله، فإن بوصلة الدكتور عدنان إبراهيم ما زالت مختلة اختلالاً شديداً، و لم يصلح منها شيئاً، وجميع الاختلالات المذكورة أعلاه، وغيرها، كلها ما زالت موجودة في موقعه الرسمي، لم يحذفها ولم يتراجع عنها، وبانتظار حدوث ذلك، تبقى بوصلة الدكتور عدنان إبراهيم مختلة، نسأل الله لنا وله الهداية إلى الصواب.

=======-

[1] رابط مقال الأستاذ كنعان

[2] هذا رابط الخطبة المقصودة

[3] رابط مقال "عدنان إبراهيم يدعي أن القرآن يؤيد نظرية دارون،" والمقال فيه رابط لخطبة عدنان حول هذا الأمر

[4] رابط مقال "نظرات في خطبة جحيم هوكينغ لعدنان إبراهيم"، والمقال في نهايته رابط لتلك الخطبة

[5] المقال وعنوانه "خدعة حسابية لتقريب الملة الإثنا عشرية"، ويتضمن المقال رابط لتصريح عدنان إبراهيم

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين