نظرات في خطبة عدنان إبراهيم الأخيرة : (جحيم هوكينغ)

يقوم عدنان إبراهيم باستغلال أي فرصة ليصور نفسه على أنه المسلم المتحضر الذي يفهم الإسلام على حقيقته، دين سلام ووئام، وغيره من العلماء لا يعرفون من الإسلام إلا التكفير والتطرف، وآخر هذه المناسبات كان وفاة العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ.

بعد وفاته ترحم عدنان عليه في منشور قصير، فاعترض الكثيرون عليه، وأنا منهم، وحقّ لنا أن نعترض، لأن الترحم على من مات كافراً لا يصح بنص القرآن، وفيه مخالفة صريحة لحكم شرعي واضح لا خلاف عليه بين الفقهاء، فوعد بأن يرد على معارضيه في خطبة الجمعة فلما خطب، انطبق عليه المثل (أراد أن يكحلها فعماها)، ذلك أن الخطبة حفلت بالكثير من المتناقضات والأخطاء، الشرعية والعلمية والمنطقية، وكان تركيزه على أن يحرك عواطف المستمعين، ويستميل قلوبهم، وهاكم بإيجاز عرض وتفنيد لأهمّ ما جاء فيها:

أولاً: استغرق عدنان معظم الخطبة في الحديث عن سعة رحمة الله تعالى، وأنها وسعت كل شيء، وأنه لم يخلق البشر ليعذبهم، وهذه حقائق لا يناقش بها أي مسلم، ولكن لا يمكن أن نستنتج منها أنه تعالى يغفر لمن مات كافراً فلا يعذبه.

ثانياً: ذكر أن بناتنا وأبناءنا يُحرجون من قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وقوله تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) لأن غير المسلمين يقولون لهم: وأين رحمة الله إذن؟ وزعم أن هذا الأمر يؤدي لخروج العديد من أبنائنا وبناتنا من الإسلام، لأنهم يجدون هذه الاعتراضات مقبولة!!

نقول لعدنان: هل تريدنا أن نغير كلام الله حتى لا نحرج بعض أبنائنا وبناتنا؟ وما هو وجه الإحراج في ذلك؟ لم نسمع قبل الآن أن أحداً خرج من الإسلام بسبب هذه الآيات، هذا زعم غير صحيح إطلاقاً، وعليك أن تثبته بالدليل.

ثالثاً: من أكبر التناقضات التي وقع فيها، أنه من جهة يقر بأن من مات كافراً خالد في النار، ومن جهة أخرى يزعم أن الله يمكن أن يغفر لمن مات على الشرك وعلى عبادة الأصنام، فيأتي بقول سيدنا عيسى يوم القيامة: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)، ثم يعلق على ذلك بقوله: "يا الله، يغفر لهم وقد أشركوا وعبدوا معه سواه؟ لا توجد مشكلة، الأمر واسع لأن، الله عنده معاذير الخلائق". فيلبس بذلك على السامعين، لأن هذه الآية فيها دعاء سيدنا عيسى عليه السلام، وليس فيها ما يفيد أن الله تعالى يمكن أن يغفر لمن مات مشركا أو كافرا، أما إرادة الله وقضاؤه في تحريم الجنة على المشركين والكفار فهي في آيات أخرى صريحة.

رابعاً: يكرر الأمر نفسه عندما يأتي بقوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم، يقول عدنان في الخطبة: "إبراهيم عليه السلام ماذا قال: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني) أي بمجافاة الأصنام وعبادتها وتمحيص الله العبودية والتفريد، وبعد ذلك ماذا قال: (ومن عصاني)، وهذا يعني أنه ماذا،؟ أقام على عبادة الأصنام (فإنك غفور رحيم)." اهـ قول عدنان، وهذه الآية أيضا ليس فيها ما يفيد أن الله تعالى يمكن أن يغفر لمن مات مشركا أو كافرا، هذا دعاء إبراهيم، أما إرادة الله وقضاؤه في تحريم الجنة على المشركين والكفار فهي ككما أسلفنا في آيات أخرى صريحة.

خامساً: والطامة الكبرى حين يروي قصة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت عبد الله بن أبي، فيروي الحديث والقصة مبتورة، ولا يكملها، لإن في إكمالها نقضا لكل ما جاء في خطبته!

وخلاصتها: أن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلب قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكفن به أباه المنافق، فأعطاه عليه الصلاة والسلام القميص، ثم لما همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، اعترض سيدنا عمر على ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام " يا عمر إني خيرت فاخترت، قيل لي (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ولو علمت أني لو استغفرت فوق السبعين غفر له لاستغفرت له"، ويقف عدنان إبراهيم هنا ولا يكمل القصة، وبقيتها كما جاء في الحديث: فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ( ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) فما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله ، عز وجل .

لقد روى عدنان القصة بحذافيرها، كما جاءت في الصحاح، ثم سكت عن السطرين الموجودين في الصحاح نفسها، وهما كفيلان بنقض كل ما جاء في خطبته، فهي صريحة واضحة لا تقبل النقاش أو ا لخلاف، ولكنه لم يذكرها في كل خطبته وتجاوزها، فماذا نصف هذا التصرف من عدنان؟ أترك التسمية للقراء الكرام، وصف من يأتي بقصة كاملة بحذافيرها ودقائقها، ثم يحذف منها سطرين لأن فيهما ما يثبت خطأه الواضح ويقلب ما يريد أن يقوله ويوصله لمستمعيه رأساً على عقب.

سادساً: الحوار المسرحي الذي تخيله عدنان بين الله سبحانه وتعالى، وبين ستيف هوكينغ في الآخرة، هو مسرحية عاطفية غايتها استدرار عطف الجمهور، لن أعلق عليها من ناحية الجواز من عدمه أترك ذلك للسادة الفقهاء، ولكن أعلق على ما جاء فيها من كلام، عدنان يقول إن هوكينغ سيدافع عن نفسه أمام خالقه بأمرين: الأول أن الله الذي أخبروه عنه عندما كان طفلاً، هو ثالوث المسيحية، فكفر به، ولا ندري كيف عرف عدنان أن هذا ما قيل لهوكينغ عندما كان طفلاً، ولم يسمع ما قال هوكينغ نفسه في تصريحاته ومقابلاته وكتبه، بعد أن كبر وأصبح عالماً مشهوراً، من إنكار صريح لوجود خالق للكون.

سابعاً: والأمر الثاني الذي سيدافع به هوكينغ عن نفسه أمام الله حسب ما جاء في الحوار الخيالي، هو مواقفه الإنسانية، وخاصة في قضايا تهمنا، مثل قضية فلسطين وسورية والعراق، نعم، يستحق هوكينغ شكرنا على مواقفه ولكنها لن تغني عنه من الله شيئاً، لأن قبولها عند الله يتوقف على كونه مؤمناً بالله، أما من مات على كفر أو شرك فإن أعماله لا قيمة لها عند الله بنص القرآن الكريم، يقول سبحانه في سورة الأنبياء: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه)، ويقول سبحانه في سورة النساء: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)، ويقول سبحانه الذين لا يرجون لقاءه، أي لا يؤمنون بالآخرة في سورة الفرقان: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، وكأنَّ عدنان لم يقرأ هذه الآيات الواضحات في القرآن الكريم، ولم يعلم أن شرط قبول أي عمل هو أن يكون من قام به مؤمناً، وأن عمل غير المؤمن هباء منثور.

ثامناً: من التناقضات أيضاً، أنه يقول عن هوكينغ بأنه صاحب موهبة رياضية هائلة، وعنده عقل جبار، ثم يقول: إن عقله المشوش قاده إلى استنتاج أن الكون خلق نفسه بنفسه،!!! فهل هو صاحب عقل جبار أو عقل مشوش؟؟

تاسعاً: يقول عدنان: "إن العلم المجرد لا يثبت وجود الله ولا ينفي وجود الله"، من قال هذا؟ ألم يقل الله تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"؟

أليس القرآن طافحاً بحثّ الناس على التأمل في الكون ومخلوقاته ونظامه ودقته ومعجزاته، من مرة ورد قوله تعالى بعد ذكر آياته في السموات والأرض: (إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون)، (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) وغيرها وغيرها… هل تصل رغبتنا بالتماس الأعذار لهوكينغ، وتملق الغرب، أن نزعم أن العلم لا يؤدي لوجود الله؟ لماذا وصل نيوتن وأينشتاين وكوبرنيكوس وغيرهم إلى وجود الله تعالى بعلمهم المجرد ولم يصل إليه هوكينغ؟ هل علمهم غير علمه؟

أكتفي بهذه ردود على أهم ما جاء في الخطبة والدرس الذي بعدها، وقد استغرقا حوالي ساعتين، فإن أصبت فبفضل من الله، وإن أخطأت فبتقصيري، ورحم الله امرأ وجد في منشوري هذا خطأ فصحح لي.

وهذا رابط خطبته هــــنا:

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين