خدعة حسابية لتقريب الملة الاثنا عشرية

حاولت جاهداً أن أحل المعادلة الرياضية التي طرحها الدكتور عدنان إبراهيم في لقائه الخاص مع قناة الحرة الفضائية، فلم أفلح رغم أني مهندس أمضيت عقوداً من عمري بين الحسابات والأرقام. 

والمعادلة يطرحها عدنان في هذا المقطع: 

وتلك المعادلة هي قوله حرفياً: "إذا كانت نسبة الخلافات بين المذهب الشافعي والمذهب المالكي افرض هي 10%، 15%، فهي لا تزيد عن هذا بين المذهب الشافعي من جهة والمذهب الإمامي الإثنا عشري من جهة أخرى". 

إن هذه العبارة القصيرة تحوي من المغالطات والتلفيق والمقارنة الخادعة والتعميم الخاطئ ما لا يمكن السكوت عنه، ولا يقره منطق ولا واقع ولا حقيقة، ولا الرياضيات التي يستعين بأرقامها في برهان رأيه، ويستحق الدكتور عدنان التهنئة على بلاغته وتمكنه من جعل تلك العبارة تحتمل كل هذه الأمور السلبية، علماً أنه قد بنى هذه العبارة وهذه النسبة على كذبة كبيرة، حيث زعم قبل أن يأتي بتلك العبارة، أن عددا من علماء الأزهر قد أجروا دراسة استغرقت معهم عددا من السنين توصلوا بعدها إلى نتيجة مفادها: أن الخلاف بين المذاهب السنية الأربعة المعروفة، وبين المذهب الإمامي الجعفري الإثنا عشري ليست بأكثر من الخلاف بين أي مذهبين سنيين.

أما زعمه أن علماء من الأزهر الشريف قد توصلوا إلى هذه النتيجة، فهو كذبة فجة لا أصل لها، ونحن نسأله: من هم هؤلاء العلماء؟ وأين ومتى نشروا دراستهم هذه؟

أما بالنسبة لرأي الأزهر في الملة الإثنا عشرية، فقد وزعت مجلة الأزهر الشريف هدية مع عدد شهر ذي الحجة من عام 1433، وهذه الهدية هي كتاب (الخطوط العريضة لدين الشيعة)، من تصنيف المؤرخ العلامة محب الدين الخطيب، وقد كتب مقدمة هذا الكتاب الدكتور محمد عمارة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، وفي تلك المقدمة يشرح الدكتور عمارة لماذا استخدم محب الدين الخطيب مصطلح، (دين الشيعة) ولم يستخدم مصطلح (مذهب الشيعة) أو (فرقة الشيعة).

وتفصيل ذلك أن المصنف رحمه الله أراد كتابة بحث للتقريب بين المذهب الإثنا عشري والمذهب السني، فلما اطلع على عقائدهم الباطلة، كانت نتيجة بحثه أن المذهب الإثنا عشري ليس مذهباً إسلاميا بل هو دين مستقل، لذلك سمى كتابه (الخطوط العريضة لدين الشيعة)، وليس (لمذهب الشيعة)، وقد وثق ما توصل إليه في كتابه بنقول من كتبهم المعتمدة، والتي ألفها أئمتهم الكبار، أمثال الكليني والخميني والمدرسي وغيرهم، فكيف يزعم عدنان أن الأزهر يرى المذهب الإثنا عشري هو مجرد مذهب فقهي مثل الشافعي والمالكي؟ أليس هذا كذباً صريحاً على الأزهر الشريف؟ 

ونعود للنقول التي جاء بها العلام محب الدين الخطيب لبيان خروج الشيعة الإثنا عشرية عن ملة الإسلام الذي نؤمن به.

من هذه النقول قول نعمة الله الجزائري شيخ الطائفة الشيعية في كتابه (الأنوار النعمانية) عن أهل السنة والجماعة: "لم نجتمع معهم على إله ولا نبي ولا إمام، ذلك أنهم يقولون إن ربهم الذي كان محمد نبيه وخليفته أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول إن الرب الذي خليفته أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا".

ومنها قول الخميني في كتاب (مصباح الهداية إلى الولاية والخلافة): "الإمام قائم على كل نفس بما كسبت"، وقوله: "إن للإمام درجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون".

ومنها أن الكليني، الذي هو عندهم بمنزلة البخاري عندنا، قد سجل لأئمتهم في كتابه الكافي، نعوتاً وأوصافاً للأئمة الإثني عشر، ترفعهم من منزلة البشر إلى منازل معبودات اليونان في العصور الوثنية.

ومنها حكمهم على جمهور الصحابة بالكفر والنفاق والردة والضلال.

ومنها قذفهم لأمنا الطاهرة العفيفة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.

ومنها ما نقله عن تعظيمهم وتقديسهم لأبي لؤلؤة المجوسي قاتل سيدنا عمر رضي الله عنه.

ومنها أن الطبرسي، وهو من كبار أئمتهم، قد ألف كتاباً سماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"، نقل فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم بأن القرآن قد زيد فيه ونقص.

زد على ذلك ما نقله عنهم من خرافات تتعلق بإمامهم المسردب، خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يثبتها عقل ولا نقل.

وبناء على هذه الحقائق الفاضحة، والنقول الواضحة، يخلص الدكتور محمد عمارة في مقدمته إلى القول: "تلك هي حقيقة دعوة الشيعة إلى الوحدة وإلى التقريب، (بين السنة والشيعة)، وعلى المخدوعين من الجهلاء والبلهاء وأيضا العملاء أن يسألوا أنفسهم: هل هناك مصداقية لأي دعوة للوحدة والتقريب بعد هذه الحقائق عن تكفير الشيعة لأهل السنة وإقصائهم لهم وإخراجهم من دين الإسلام". 

هذه خلاصة رأي عضو في هيئة كبار علماء الأزهر، وهو رأي الأزهر، وليس ما نسبه عدنان لعلماء الأزهر دون دليل.

ونعود لعدنان ومزاعمه المفضوحة، ونسأله: على أي أساس تزعم أن المذهب الإثنا عشري هو مذهب فقهي وليس ملة مستقلة؟ وعلى أي أساس تخدع الناس وتقول إن الفرق بين الإثنا عشرية والمذهب المالكي هو مثل الفرق بين المذهب الشافعي والمالكي؟ وهذه النسبة، 15% التي زعمت أنها هي الفرق بين الإثنا عشرية والمذاهب السنية، هل يدخل فيها تكفيرهم للصحابة؟ وهل يدخل فيها قولهم إن رب نبينا ليس ربهم، وإن رب أبي بكر وعمر ليس ربهم؟ وهل يدخل فيها تأليههم لأئمتهم؟ وهل يدخل فيها إنكارهم لصحة كتاب الله وادعاؤهم تحريفه؟ وهل يدخل فيها قذفهم لأمنا عائشة وتقديسهم لأبي للؤلؤة المجوسي؟ وهل.. وهل.. وهل… وهل...هل هذه كلها لا تعادل إلا 15% بالمئة من الفرق بين المذهب الإثنا عشري ومذاهب السنة؟ 

إن كلام عدنان هذا، ليس كذبا صريحا فحسب، بل هو كذب ممزوج بمخادعة قد تنطلي على من لم يطلع على عقائد الشيعة الإثنا عشرية، ذلك أن قوله إن هذه النسبة في الخلاف وقدرها 10 إلى 15% بين الإثنا عشرية والمذهب الشافعي من جهة، وبين المذهب الشافعي والمذهب المالكي من جهة أخرى، توهم المستمع أن الخلافات ليس سوى في أحكام فقهية فرعية في العبادات والمعاملات، مثل أحكام الطهارة الصلاة والصيام والبيع والشراء وغيره، فالخلافات بين المذاهب السنية لا تتعدى هذه الأمور الفرعية، في حين أن الخلاف بين أهل السنة الجماعة، وبين ملة الشيعة الإثنا عشرية، هو خلافات في أصول العقيدة، وهي خلافات كافية لإخراج أصحاب تلك الملة من ملة أهل السنة والجماعة.

إن من أخطر نتائج تلك المخادعة على من قد تنطلي عليه، أن يهون عليه أمر التشيع، وأن يحسب أن انتقاله للمذهب الإثنا عشري مثل انتقاله من المذهب المالكي إلى الشافعي، وأن أصحاب هذا المذهب هم إخواننا في العقيدة، مع أنهم يعتبروننا نحن أهل السنة كفاراً، ويعتبروننا من ألد أعدائهم.

أبشر عدنان، بأن محاولته الفاضحة، لبث تلك الخديعة الواضحة، ستبوء بالفشل إن شاء الله تعالى، وعسى أن يكون فضحها سبباً لأن يصحو بعض من ما زال مفتوناً بعدنان وأفكاره، وما زال يظن أنه ما يأتي به عدنان هو تجديد وتنوير، لا فتنة وتضليل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين