حرب غزة يوميات ومشاهدات.. ولتستبين سبيل المجرمين

الناس في المحن والشدائد تخف عقولهم، ويقل اتزانهم. ومن شواهد ذلك تلقفهم الأخبار التي تحمل شيئا من البشرى، وتعلقهم بها، وترقب الفرج من خلالها.

والغريب في ذلك حقا أنهم يطردون هذا حتى فيما يأتيهم من قبل عدوهم الممعن في قتلهم وحصارهم، أو المتآمر معه عليهم. فتجدهم كلما سمعوا تصريحا من هنا أو هناك، أو عقد مجلس للخوف، أو للجمعية العامة، أو لمحكمة الظلم، أو لهيئات حقوق الإنسان، أو غير ذلك مما يتبجح ويستطيل به الغرب علينا= رفع الناس رؤوسهم، واشرأبت أعناقهم، واطمأنت قلوبهم، وهشوا لذلك وبشوا، ثم لا يكون من وراء ذلك إلا الخيبة، ويتكرر هذا لا مرة ولا مرتين، بل عشرات المرات، وهم يلدغون من نفس الحجر، ويخيبون من نفس تلك المؤسسات الخائنة.

واللافت أن هذا لا يقع للعامة والدهماء فحسب، بل لعقلاء الناس وفضلائهم.

يا قوم، هل وقفت معنا مؤسسة من هذه المؤسسات يوما من الدهر؟

وهل نفعتنا يوما بنافعة، أو عادت علينا بعائدة؟

هل أعادت إلينا حقا، أو رفعت عنا ظلما، أو منعت عدوانا؟

هل تشكون أنها أنشئت وأسست لاستعبادنا واضطهادنا وحرب ديننا وأمتنا؟

هل صدر عنها يوما قرار ملزم لعدونا، ثم لو كان فهل التزم اليهود به وانصاعوا له؟

هل حركت فيهم دماؤنا شعرة، أو رفت لهم بسببها عين؟

والذي لا يحلف إلا به لو استؤصلنا عن آخرنا، وأبيدت خضراؤنا ما بالى بنا هؤلاء.

ومن ظن أنه يأتيه من جهتهم شيء من الخير والفرج فهو أضل من بهيمة الأنعام، نعم قد يقع شيء من هذا من آحادهم وأفرادهم، والله يحب العدل والنصف، أما من الدول والأنظمة والمؤسسات التابعة لها فلا والله.

إنهم شركاء في الجريمة لكنهم يتبادلون الأدوار؛ بعضهم يفعل والآخر يؤيد أو يسكت.

  تفرق جمعهم إلا علينا  

                 فصرنا كالفريسة للكلاب

قال جل وعلا: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين).

ومن المقرر عند العقلاء أن معرفة العدو نصف النصر، ولا ينتصر على عدوه من خدع به أو انخدع له.

أيها الناس، لا والله لا يأتيكم النصر والخير والفرج إلا من عند الله، فعلقوا به قلوبهم، وأعظموا الرغبة إليه، والتوكل عليه، واليقين به، وأبشروا وأملوا، فإن الله لا يخيب من رجاه، واعتبروا بحال نبيكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بعد أُحد (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين