الاحتفاء
بمولد الحبيب ﷺ والاحتفال به لا ينبغي
النظر إليه كشأن ديني، بل دنيوي، والشأن في أمر الدنيا واسع لا توقيفي...
يخطئ
من يرى الاحتفال شانا دينيا من الطرفين:
الطرف
الذي يبدّع لأنه رآه تجاوزا لكمال الدين، والطرف الذي يحتفل به على نية التقرّب،
فيقرؤه ولو في غير أوانه من كتاب مخصوص تعبدا وزلفى يتقرب بها إلى مولاه طلبا
لحاجة أو دفعا لبلاء أو شفاعة لمرجو أو استجلابا لرزق أو طمعا بأجر!
وما
هو إلا رواء قلب مفعم بالحب، والحب لا ينتظر التعليل، ولا يحتاج لدليل..
الاحتفاء
بمولده ﷺ أثر لأصل نتفق عليه،
ولا يمكننا أن نختلف عليه..
الاحتفاء
به أثر لمشاعر الحب التي لا يستوي إيمان دون اكتمالها في القلب حدّ الجريان في
العروق والشغاف والمهج حد الامتلاء والتضلّع، وهو برهان الإيمان (لا يؤمن أحدكم
حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)،
والاحتفاء
أثر لأصل الفرح بمن أرسله ربه فضلا ورحمة للعالمين (قل
بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون)، والحديث في سيرته
في ذلك اليوم أقرب للتحدث بفضل الله ونعمته وهدايته (وأما
بنعمة ربك فحدث)، وتخصيص الوقت للحديث في المناسبة أقرب لأصل: (وذكّرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).
فالاحتفاء
والاحتفال بمولده الشريف فرع عن أصول الحب، والفرح بفضل الله ورحمته، والتحدّث
بنعمة ربنا، والتذكير بأيام الله.
وكل
ما في هذه المجامع التي تجتمع لتعزيز هذه الأصول مما يشاققها، أو يحتوي على ما
يخالفها، من عدوان على جناب التوحيد، أو غلو بمقامات المخلوقين، أو عدم تعظيم
لشعائر الله -وتعظيمها من تقوى القلوب- باقتفاء أثر الجاهلين في الميوعة والرقص،
ومحاكاة أغاني أهل الطرب والأهواء بالألحان والحركات والأزياء، والتشويش بذلك على
العاكفين العابدين في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ولا يدعى فيها مع
الله أحد، مع طعن وغمز ولمز لمن لا يعجبه انتحال المبطلين، وتحريف الغالين، وتأويل
الجاهلين، وخطاب الرويبضة التافهين، وهم يتصدرون باسم مولده الشريف لطرح صورة
هزيلة من التدين السطحي، يدعى له أكابر المجرمين، وأراذل الساقطين، يزعمون به أنهم
من خالص المحبين، ومن أنكر عليهم شطحاتهم يعدّونه من الشانئين، ويخرجونه من روضة
المحبين إن لم يخرجوه من حياض الدين!
كل
ذلك لا يغيّر من أصل الحب الذي قد يثمر هذا الأثر حفاوة واحتفالا..
وفي
عصرنا هذا قد نحتاج لإعلان هذا الاحتفاء فرحا وعرفانا وتحدثا بنعمة الله، وتذكيرا
بأيام الله لتعريف أجيال يراد شغلها بالتافهين عن الأعظمين، فكيف بأعظمهم سيد
الأولين والآخرين ﷺ من أرسله ربه
رحمة للعالمين..
نريد
أن تعرف البشرية أعظم إنسان وبيان القرآن..
من
كان للخلق العظيم العنوان، وللحق والوسطية الميزان..
فصلوات
ربي وسلامه عليه ما أذّن للفلاح أذان، وأشرق سراجه المنير في صدور تحشرجت
بالأحزان، وقلوب قست وأيست لما طال عليها بالجور والتيه زمان.. والله المستعان.
وصلاة
ربي وسلامه عليه ما شدّ مشتاق لمسجده الرحل ولزيارته نوى، وجاءه مسلّما ومعظّما
يحمله الشوق والعرفان والهوى..
وبذكره
والصلاة عليه وتملّي جماله كان زاده والدوا، ومن معين سيرته وسنّنه وأحواله غرف
وارتوى..
فسلام
عليك سيدي يوم ولدت، وسلام عليك يوم هاجرت وجاهدت، وأديت وبلّغت، وسلام عليك يوم
متّ وإلى الرفيق الأعلى رحلت، وتركتنا على محجتك البيضاء وما تركت، والسلام عليك
يوم تبعث حيا مقامك المحمود الذي وُعِدت، وسلام عليك يوم بالوسيلة لأمتك شفعت، لا
يدانيك مقام الفضيلة يومها ملك مقرّب ولا نبي مرسل..
اللهم
صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آل بيته الطاهرين، وصحابته والتابعين بإحسان إلى يوم
الدين..
اللهم
فرّج عن أمة نبيك وحبيبك شفيعنا محمد ﷺ..
اللهم
غزة العزّة.
والحمد
لله ربّ العالمين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول