نظرة الشيخ مصطفى الزرقا إلى الفكر الغربي

نظرة الشيخ مصطفى الزرقا إلى الفكر الغربي

كما تبدو في مراجعته وتقويمه لكتاب عن

(حقوق الإنسان الشرعية  دراسة مقارنة)

تقريــر تقويــم كتــاب

 

النتيجة العامة للتقويم :

لا يرتقى الكتاب في رأيي إلى مستوى استحقاق جائزة المكتب لأنه لا يتعمق في موضوعه إلى الحد الكافي الذي يتلاقى مع تطلعات المثقف المعاصر ويجيب عن أسئلته، وتكثر في الكتاب وبخاصة عند نقده للفكر الغربي في موضوعه التأكيدات العاطفية غير الدقيقة والأحكام المتسرعة.

وفي الكتاب بعض فصول جيدة إلى جيدة جدا.

 

تفصيــلات

مدى التزام الباحث بالمنهج العلمي

إن من جملة المقومات الأساسية للمنهج العلمي في المجال الفكري غير التجريبي  : عرض وجهات النظر المختلفة بإنصاف والترجيح بينها بصورة مقنعة ، والترابط المنطقي .

والانطباع العام الذي خرجت به هو أن عرض الكتاب لوجهات النظر المختلفة، هو في مواطن عديدة غير منصف.

(مثلاً ص 36 عما هو مشروع في زعم الكاتب في المجتمعات الرأسمالية ).

 

ويلاحظ من الناحية المنهجية تركيز الكتاب على تجاهل وجود قاسم مشترك بين كثير مما ينادي به الفكر الغربي اليوم باسم حقوق الإنسان وبين ما أتت به الشريعة الإسلامية . ولاسيما أن الكتاب يقول في عنوانه :  دراسة مقارنة  .

بينما إبراز هذا الجانب المشترك هو أمر يقره الإسلام دون ريب،  حيث أرشدنا القرآن الكريم في شأن مجادلة أهل الكتاب  :

{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} {العنكبوت/46}

وهذا لا ينفي بالطبع التنبيه على جوانب الاختلاف ونقدها بتعمق .   لكن لابد أن يكون هناك توازن بين الجوانب ، مع التزام الإنصاف في النقد في كل الاحوال .

 

الأصالة والابتكار

إذا قصدنا بالأصالة الارتباط بالأصل وهو الشريعة الإسلامية والتراث الفكري الإسلامي عموماً، فإن الكتاب تتحقق فيه الأصالة بهذا المعنى، وبخاصة في الفصل الرابع.

أما جانب الابتكار فلا أراه متوافراً فيه بصورة واضحة إلا فى بعض الجزئيات، فقد سبقته كتابات أوسع كثيراً فى الموضوع ومقارنة.

 أهمية الدراسة ومستواها:

لا ريب أن موضوع الدراسة مهم جداً وهو من الموضوعات التي لم تلق نصيبها الكافي من العناية في الكتابات الإسلامية المعاصرة.  لكن موضوعها دقيق وفيه رصيد كبير من تراث الفكر الإنساني يختلط فيه المقبول شرعاً بالمرفوض.  فمن يريد القيام بدراسة مقارنة في الموضوع،  وهذا ما قصده الكتاب وصرح به في عنوانه،  لا بد له من التعمق فيه إلى قدر أكبر مما يظهر في الكتاب الحاضر.

 

- التقرير التحليلي :

أولاً : هناك من الناحية المنهجية خلط متكرر بين النظرية والممارسة وبخاصة عندما ينقد الكتاب الفكر الغربي في الموضوع . ( انظر مثلاً انتقاداته في ص 36 ، 39   للرأسمالية ، حيث يخلط وينتقد نظرية الفكر الغربي بممارسات الغربيين .

وإذا أبحنا هذا الخلط في نقدنا للغربيين أفلا يتوجه مثله إلينا نحن المسلمين. فكم في تاريخنا وحاضرنا من أمثله ووقائع للتفاوت الصارخ بين ما يأمر به الدين وممارسات الحكام وواقع فعائلهم ، ولا يزال يفعله المسلمون في بلاد إسلامية ؟

ثانيا : لم يحدد الكتاب نطاق موضوعه وهو حقوق الإنسان ماذا يشمل بدقة وماذا يخرج عنه .

ونلاحظ من الثغرات التي لم يشملها الكتاب وهي من صميم موضوعه فيما أحسب مثل :

أ- عدم الإشارة للحق الشرعي للمسلمين في اختيار الحاكم .

ب- عدم الإشارة للبيان الإسلامي قبل بضع سنين.

جـ- عدم الإشارة إلى بعض الانتقادات التي وجهها الغربيون إلى الإسلام حول حقوق الإنسان والإجابات عنها.

وقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي كتاباً في هذا الشأن بعنوان : ندوات علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام ) . وقد عولجت فى هذا الكتاب جوانب عديدة من انتقادات الغربيين ، وأجيب عنها في ندوات دولية فى عواصم أوروبية ،  وشارك فيها وفد من المملكة العربية السعودية . وقد طبع هذا الكتاب مرتين.

د- عدم الانتباه إلى الشريعة الإسلامية بمعنى نصوصها من الوحي والسنة النبوية الثابتة وما يستفاد منهما بالاستنتاج الجلي فنصوص الشريعة أعطت الخطوط العريضة والقواعد الأساسية في التشريع وتركت للاجتهاد البشري في نطاق الفقه مهمة التفصيل وتنزيل الواقع على تلك المبادئ.

ومن المعلوم أن الفقه قد ركد لقرون عديدة أغلق فيها باب الاجتهاد وشاع فيها التقليد ، وازدادت الفجوة بين  ما تضمه كتب الفقه وما يحتاج إلى نظر فقهي جديد يعالج الواقع المتغير.

لهذا لا نستغرب أن توجد قضايا معاصرة في مجال حقوق الإنسان لم تعاجل فقهياً لبيان أحكامها وحلولها . وكان من واجب الكتاب أن يذكر بعض هذه القضايا ويطرحها للنقاش وإن لم يبد فيها رأياً نهائياً .

لكن الملاحظ أن الكتاب تجاهل مثل هذه القضايا ، وأعطى القارئ انطباعاً غير واقعي بأن لدينا جواباً فقهياً واضحاً لكل قضايا حقوق الإنسان في العصر الحاضر بينما العديد منها في الواقع يحتاج إلى اجتهاد . ومن أمثلة تلك القضايا المستجدة : حرية تكوين النقابات العمالية والمهنية ، وتكوين الاحزاب والتجمعات المنظمة .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين