الدكتور عدنان إبراهيم عندما تختل البوصلة

تعقيباً على السلسلة التي نشرتها في هذه الصفحة تحت عنوان (الآبقون) وصلتني رسائل عديدة من أصدقاء وصديقات هذه الصفحة تلح علي بإدراج "الدكتورعدنان إبراهيم" ضمن شخصيات هذه السلسلة، إذ يرى أصحاب هذه الرسائل أن عدنان إبراهيم، واحداً من هؤلاء الآبقين الذين تنكروا لدينهم وأمتهم، بل وصل بعضهم إلى اتهام الرجل بالجهل والزندقة والكفر الصريح ..

غير أني – مع احترامي لكل الأصدقاء والصديقات – فإنني لا أرى في الأخ عدنان ما يرون، فهو يختلف كثيراً عن الشخصيات الآبقة التي عرضتها في هذه السلسلة؛ فهو رجل علم واسع الاطلاع على العلوم النقلية والعقلية، وهذه صفة وميزة فيه لا يجحدها إلا حاسد أو شانئ، ومن هذه الجهة يختلف عدنان اختلافات واسعة عن الآبقين الذين كشفنا جهلهم الفاضح وبخاصة في العلوم الشرعية التي برع عدنان فيها براعة تحسب له، ونهنئه عليها !

ومن هنا وجدت أن أفرد هذه المساحة اليوم للحديث عن الرجل بعيداً عن سلسلة ( الآبقون ) إنصافاً للرجل والعلم والحقيقة، وإبراء للذمة، مع اعتقادي - في الوقت نفسه - أن الرجل غير معصوم، وأنه تجري عليه سنة الخطأ والصواب كما تجري على سائر البشر، عدا الأنبياء المعصومين عليهم السلام .

تعريف "

عدنان إبراهيم : مفكر إسلامي فلسطيني من مواليد مدينة غزة في عام 1966، وهو اليوم من الخطباء المسلمين البارزين في أوروبا، وهو داعية مثقف وفيلسوف ولهُ دراية بعلوم التربية والأدب، ويجيد عدة لغات بجانب اللغة العربية .

وهو حالياً خطيب وإمام مسجد الشورى في العاصمة النمساوية فيينا، ورئيس جمعية لقاء الحضارات فيها ، وهو يلقي الدروس الدينية والعلمية في المسجد، وهو يرى أن التقارب والحوار والنقاش بين المذاهب والطوائف الإسلامية هو الحل الأمثل لوحدة الأمة، لكنه طرح العديد من الأفكار والنظريات المثيرة للجدل !

تلقّى عدنان تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس الأونُروا في مخيم النصيرات في غزة، ثم غادر إلى يوغسلافيا فدرس الطب في جامعاتها، وبسبب ظروف الحرب الأهليّة في البلقان انتقل إلى العاصمة النمساوية فيينا أوائل التسعينيات وواصل دراسة الطب هناك . 

وكان عدنان منذ صغره من رواد المساجد وحلقات ودروس الذكر، فحفظ القرآن الكريم صغيراً، فتعلق بالقراءة والمطالعة، واهتم إلى جانب اهتمامهِ بالعلوم الشرعية بالفلسفة وعلوم الاجتماع وعلم النفس والفيزياء والتاريخ وعلم الأديان المقارن .

مـآخــذ :

أخذ على عدنان إبراهيم العديد من الأخطاء والمغالطات بشأن التراث الإسلامي فجلب على نفسه الكثير من النقد واللوم، وعادت عليه هذه الأخطاء والمغالطات بنتائج سلبية، فصرفت عنه الكثيرين، حتى ظن بعضهم أن دوره الدعوي قد انتهى .. فما هي هذه المواقف والأخطاء التي أخذت عليه ؟ وكيف اختلت بوصلة هذا الربان مع ما يتمتع به من علم وثقافة واجتهاد ؟! هذا ما سوف نجيب عنه فيما يأتي :

موقفه من بعض الصحابة :

مما أخذ على عدنان إبراهيم اندفاعه في انتقاد عدد من الصحابة الكبار الذين كانت لهم مكانة خاصة في تاريخ الإسلام، وفي نفوس المسلمين، فقد جارى عدنان بهذا الاندفاع بعض المغرضين الذين دأبوا على النيل من تراث الإسلام وثوابته، وقد فعل عدنان إبراهيم ذلك دونما أسباب تلجئه لذلك، ودونما فائدة تذكر، ودونما ملاحظة للحاقدين الذين يتربصون اليوم الدوائر بالإسلام، وهكذا وجدناه يشن حملة شديدة في حلقات عديد متلفزة ضد الصحابي الجليل "معاوية بن أبي سفيان" متهماً إياه بتهم شتى؛ متجاهلاً ما كان لمعاوية من حسنات في الجانب الإداري والسياسي والديني، ودور حاسم في حماية الدولة الإسلامية من الانهيار نتيجة "الفتنة الكبرى" كادت تعصف بكل شيء !

ونحن في دفاعنا عن الصحابي الجليل معاوية لا ندعي عصمته، ولا ندعي تبرئته من مواقف قد يكون غيرها أفضل منها، لكننا نعتقد - في الوقت نفسه – أن لكل عصر منطقه، وإذا ما كانت محاكمة معاوية ضرورية كما يرى عدنان وأضرابه، فينبغي أن تجري المحاكمة في إطار عصر معاوية وإشكاليات ذلك العصر وظروفه، أما أن نحاكمه بمنطق عصر يفصلنا عنه أربعة عشر قرن، دون حساب لتلك الظروف والإشكاليات، فهذه محاكمة ظالمة بلا جدال !

وليت عدنان توقف في نقده عند معاوية، لكنه بدأ انتقاد صحابة أجلاء آخرين، منهم "عبد الله بن عمر" رضي الله عنهما، ويبدو أن عدنان كان ينوي إكمال الشوط حتى يشمل آخرين من ذلك الجيل الذي أثنى عليه الله عز وجل في آيات كثيرة، منها قوله تعالى : "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" سورة الفتح 29

نقده للسنة النبوية :

من أبرز المآخذ التي أخذت كذلك على عدنان إبراهيم تشكيكه بالسُّنَّة النبوية، وحجِّيَّتها، وتشكيكه لأحاديث كثيرة وردت في "الصحاح" لاسيما صحيحي البخاري ومسلم، وهما الكتابان اللذان يعتبران من أصح الكتب بعد كتاب الله الكريم !

وقد أسرف عدنان إبراهيم في التهوين من مكانة السنة التي تعد المصدر الثاني في التشريع بعد القرآن الكريم؛ وتكرر منه قوله : "يكفينا كتاب الله" مقترباً بهذا الموقف من موقف "القرآنيين" الذين ينكرون السنة جملة وتفصيلاً !

وكانت نتيجة هذا الموقف من عدنان تجاه السنة نفور الكثيرين من حوله لما للسنة من مكانة عالية في النفوس !

والخلاصة :

أن عدنان إبراهيم استطاع في زمن قياسي كسب شرائح واسعة من المسلمين وبخاصة منهم الشباب الذين وجدوا فيه صورة معاصرة محببة تختلف عن صور المشايخ التقليديين، وقد ساعده في هذا النجاح الباهر ما وهبه الله عز وجل من مواهب متعددة نادرة، أضاف إليها عدنان الكثير من البحث والجهد، فعكف على العلوم المختلفة العقلية والنقلية، حتى توافر له زاد فريد من المعلومات والمعارف التي جعلت منه شخصية متميزة لا نكاد نجد نظيرها في أيامنا .

وقد ساعد عدنان إبراهيم في تحقيق هذا النجاح الباهر أنه أوتي قدرة بيانية تأخذ بالألباب، مع بديهة حاضرة، وحافظة قاطعة نادرة، واطلاع عميق على التراث الاسلامي والعالمي ! ما جعله يمتلك زاداً غنياً من علوم العصر – إلى جانب علوم الشريعة - من فيزياء وفلك وبيولوجيا، حتى شهد أهل الاختصاص بعلو كعبه في هذه العلوم التي يتحدث فيها حديث الخبير المتمكن، فكان أفضل من يتحدث في هذه العلوم مع عدم تخصصه فيها !

لكن .. ( الحلو ما يكملش) كما يقول إخواننا المصريون، فالظاهر أن أضواء الإعلام خلبت لب الرجل، فتطلع إلى الشهرة التي رآها تذهب إلى آخرين من أدعياء العلم، فانطلق وراء الشهرة وانساق برهة في السوق الرائجة لأدعياء التجديد، فاختلت بوصلته، وانطلق في ما ذكرنا من هجوم غير موفق ضد التراث الإسلامي ومصادره ورجالاته الكبار !

لكنه بفضل الله تعالى، ثم بفضل النَصَحة من محبيه أصلح البوصلة وعاد إلى الطريق عودة طيبة ندعو الله له فيها التوفيق والقبول .

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين