إضاءة حول شعر ونثر الشيخ محمود الشقفة رحمه الله تعالى

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى  آله وصحبه أجمعين وبعد :

فلا شك أن الشيخ محمود بن عبد الرحمن الشقفة رحمه الله تعالى - عالم جليل تعددت شمائله وكثرت مناقبه ، وتنوعت فنونه ، ،ولا شك أيضاً  أن جوانب كثيرة قد عرفها محبو الشيخ ومريدوه ، من نحو ولادته ونشأته وشيوخه  و زهده ز وورعه وطرق تربيته طلابه ، فرغبت في هذه العجالة أن ألفت الانتباه إلى  مَعلَمٍ من معالم هذا الشيخ يتمثل في أنه  كان أديباً ناثراً رفيعاً وشاعراً متألقاً،

- أما  شعره فهو شعر راق وظفه رحمه الله تعالى  - كغيره من العلماء الأولياء - في حب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، غير أنه لم يقصره على ذلك بل التفت إلى مجتمعه فصور ه أدق تصوير ، أي يعد الشيخ بذلك من أوائل الشعراء الذين شقوا طريق شعراء الدعوة  إلى الإصلاح ، لقد رأى رحمه الله  تلك المفاسد الاجتماعية التي انتشرت في عصره فصورها  ونبه إليها داعياً  إلى إصلاحها ، فحين رأى المرأة قد تركت الحجاب وأسفرت، و بدعوى الحرية قد تخنثت، راح شاكياً إلى الله هذه الحال بقوله في ميميته([1]):

رباه إنا طرقنا البابَ في خجـــ   *  لٍ  نسوق أحوالَ عصرٍ مظلم دامي

 

ثم أشار إلى ما ذكرناه بقوله:

أنثاهم سفرتْ شبانهم ركبتْ  *   متنَ الفجور بلا قيد ولا نظُم

 

وفصل هذا الإيجاز في بائيته، مشيراً إلى خروج المرأة من بيتها  متبرجة، والمخنثون يلاحقونها من مكان إلى مكان قال:

وجسمُ فتاتهِم أضحى مُعرَّى  *   ومن نسْجِ الفجور لها ثيابُ
وإن ذهبتْ لنزهتها نراها 
*   مزيَّنةً بكفيها الخضاب
يتابعها المخنثُ حيث سارتْ 
*   وإن جلستْ إلى الإقعاء  يضبو
إذا التفتِ الفتاةُ مَنْ نصابي 
*   من التجار وانجابَ الحجاب
فحدث ما تشاء فأنت حر 
*   زفاف لا يخالطه ارتياب

 

ثم التفت الشيخ رحمه الله إلى انتشار الاختلاط  في المعاهد والجامعات بين الرجال المتشبهين بالنساء، والنساء المتشبهات بالرجال، قال في همزيته([2]).

نفاقٌ معْ فجورٍ في سفورٍ  *   لدى وضح النهار ولا حياء
وزيُّ نسائنا انتهجت رجالٌ 
*   ولُبْسُ رجالنا لبِسَ النساء
شباب مع صبايا سافرات 
*   بمقعد درسِ جامعة سواء

 

ومثل هؤلاء الشباب  تراهم لاهثين وراء  الغرب  يقلدونهم في حلهم وترحالهم، ولبساهم ومأكلهم، قال في بائيته([3]).

شبابهم لأهل الغرب جاؤوا  *   بتقليد يحرمه الكتاب

 

وهؤلاء الشباب قد ظنوا أن تقليدهم الغرب دليل على رقيهم وتحضرهم، قال  موضحاً ذلك  في ميميته([4])

إن جئت تنكر بعض الشر قيل علا   *  م؟ المرء حرٌّ بما يأتي من الشيم

لا سيما الوقت يقضي أن نشاكل من  *   كان الجليس لنا في الزي والكلم

كي لا يقال بأنا جامدون فيا  *   لله ذاب بنو الإسلام في العجم

لو أنهم جمُدوا ما كان موطنهم  *   يحتله مستسيغو الظلمِ  في الأمم

تلك الأقاويل عن أغرار ناشئة  *   مشهورة أبداً كالنار في علم

جاءتهم عن دُهى الغربيِّ مصيدة  *   كي تفصلنهم  عن  حبل دينهم

 

ولحظ الشيخ رحمه الله أن هذا الفساد قد امتد إلى كبار السن من الآباء حين رضوا عن سفور بناتهم وتبرجهن قال([5]).

شيوخهم قد تصابت بعدما نُزعت  *   منها الشهامة كالخنزير خدنهم

 

وحذر الشيخ من الإصغاء إلى دعوات التغريب، فليس وراءها إلا المكر والخبث والتآمر على الإسلام وأهله، قال في ميميته أيضا([6]).

يا لَلْمصيبة هل من عاقلٍ حذر  *   يرجو النصيحةَ تأتي من عدوهم

لا تسمعن أخي تزيينهم أبداً  *   إذ إنه محضُ زور صيغ بالقلم

شراب سفسطةٍ في كأس مخَدعة   *  قد خلطوه بسُمِّ البؤسِ والنقم

أرجو الإلهَ على الآباد يحفظنا  *   من شر مكرٍ  لهم أدهى من الوخم

ويجعل الغِلَّ في أعناقهم نزلاً  *   من سهمِ نارِ القضا مستكمل الضرم

 

ومن مظاهر هذا الفساد الذي عمَّ وشاع في مجتمعاتنا أولئك الذين لا شغل لهم إلا لمز العلماء ، وغمز الدعاة، قال([7]):

والمتقون وأهلُ العلم قد هُجروا   *  بل تطعنون بهم في النطق والقلم

 

وقد رأى الشيخ قومه يتفرقون جماعات وأحزاباً فينذرهم بسوء المصير، قال([8]):

تفرَّقَ القومُ أحزاباً مشتتة  *   وكلها سببُ التدمير والنقم

 

وقد وضح الشيخ ذلك في بائيته بقوله([9]):

فلقد أضرَّ بها التفرقُ حيثما  *   رصد الطغاةُ لها جميعَ الأدرب

 

وانصراف القوم إلى هذه الأحزاب الوضعية بدلاً من تمسكهم بالدستور الرباني جعل الشريعة تبكي على أبنائها الذين هجروها وتركوا ما يسعدهم في الدنيا والآخرة، واتجهوا إلى ما فيه ذل الدنيا وعذاب الآخرة، قال في هائيته على لسان الشريعة([10]):

رأيت شريعةَ الإسلام تبكي  *   فقلتُ علامَ تنتحبُ النقيه
فقالت :كيف لا أبكي وأهلي 
*   جفَوني واستعاضوني بحيَّه
قوانين الطغاة ورأي غِرٍّ 
*   فيا مولاي ما أدهى الرزيه
لقد جاروا وباعوني ببخسٍ 
*   وسمَّوني بظلمهم البليه

 

ثم راح الشيخ يفند حججهم الواهية، وأكاذيبهم الباطلة تلك التي يعتلون بها لاعتناقهم أحزاباً وضعية، فقال على لسانها([11]):

رأَوا مني التأخرَ قد أتاهم  *   وحاشا إنني نِعْمَ المَطيه

أقدمهم وأكلؤهم ولكن  *   بحكم الجهل قد عكسوا القضيه

 

وأشار إلى ما فعله أرباب هذه الأحزاب بالأمة من تخريب وفساد فقال في داليته([12]):

بغى الأعداءُ وامتدوا وعاثوا  *   فساداً في البلاد وفي العباد

 

ومرادهم أن يبقى المسلمون جهلة، فتحقق مخططاتهم الداعية إلى تمزيق هذا الشعب المسلم وإذلاله، قال([13]):

يرومون الشريعةَ أن تَردَّى  *   ليبقى الناس في جهل وطيد

فيسهلَ عندهم تكفيرُ نشء  *   وذلك عندهم أقصى المراد

وزدْ أن الظلوم قضى علينا  *   بحلِّ عُرا الأواصر في البلاد

وسام القطر ذلا ثم ضيماً  *   وأجدب ربعها من  بعد جود

 

ولو تأملنا البيتين الأخيرين لوجدنا ما نحن فيه الآن مما يدل على أن الأولياء ينظرون وينطقون بنور الله.

- ولم يكتف الشيخ بتصوير المفاسد الاجتماعية في مجتمعه بل شارك قومه في صلوات الاستسقاء حين أصاب البلاد قحط شديد وذلك عام 1926م، قال في همزيته([14]):

وقد بكت الربوعُ ومَنْ عليها     وضج الناسُ واشتد البلاء

فإن لم ترحم العاصين ربي  *   فما ذنب الصغار وما أساؤوا

وما ذنب البهائم في فلاة  *   تموت بأرضها وهي الظماء

فسارع رحمة وابعث بغيث  *   يكون لكربنا فيه الشفاء

لنرجع منشدين بكل فج  *   بفضل الله أمطرت السماء

 

وأكثر الشيخ من الدعاء إلى الله والابتهال إليه لرفع الشدة عن الأمة، ونزول المطر،قال في مقطوعته الميمية([15]):

الله يا رب العباد لجمعنا  *   كن منعماً بالعفو حتى نُرحما

فلقد عيينا والصروف تتابعت  *   وغدا الجميع بكربه متألما

يا للعباد وإن تزايد ذنبهم  *   إلا الذي لا زال رباً راحما

عطفاً على مُهج الصغار فإنها  *   تبكي وتصرخ يا رحيم تكرماً

عطفاً على ضعف الشيوخ وعجزهم   *  ها كلهم يرجون منك الأنعما

عطفاً على كسر الأرامل إنها  *   تبكي وتنحب والدموع كما الدما

عطفاً على أيتام حي مالهم  *   من مطعم إن لم تواصلنا السما

عطفاً على ظمأى البهائم إنها  *   بلسان حال تستميح المغنما

 

وهكذا لم يترك الشيخ حدثاً ذا بال يتصل بقومه إلا صوره شعراً رائعاً، معنى ولفظاً.

ثانياً: عاش الشيخ أحداث العالم الإسلامي، فرأى أن الرزية الكبيرة، والبلية العظيمة التي سلطها الله على المسلمين جميعاً لشتات أمرهم، وعصيان، ربهم تتمثل في احتلال اليهود لفلسطين وسلبهم القدس من قلب العالم الإسلامي، قال في همزيته مصوراً هجمتهم الشرسة على الأقصى([16]) :

بنو الكفر راحوا هادمين بيوته  *   حتى إلى الأقصى العظيم أساؤوا

أباحوا به قتلَ النفوس وأغدقوا   *  قنابلهم من فوقُ تحتُ وراءُ

 

ووصف في داليته تدنيس اليهود للقدس، واضطهادهم شعب فلسطين المسلم قال([17]):

بغت صيهون وامتدوا وعاثوا  *   فساداً في الديار بكل نادي

وداسوا القدس بالأقدام قسراً  *   وأهل الدين منه في اضطهاد

يرومون التحكم في بنيها  *   وما أقسى التحكم في العباد

من الأوغاد شذاذ البرايا  *   بني صهيون أعداء البلاد

 

ويكشف الشيخ عن العلاقة الوثيقة بين اليهود والغربيين، فهم قد ساعدوهم في احتلالهم لفلسطين فأمدوهم بالسلاح والعتاد، قال في بائيته([18]):

وها صهيونُ تُمطرنا بسيل  *   من النيران يمر كالسحوب

لأن الغرب جهزها جهاراً  *   بأنواع السلاح ولدى الحروب

ليجعلها بذا الشرق المفدى  *   كمسمار يُدق لدى الشعوب

شعوب العرب كي يحظى فريداً  *   بخيرات البلاد  بلا رقيب

 

ويؤكد على هذه الرابطة بقوله([19]) :

قام اليهود بحرب الغدر تدعمُها  *   قذائف الغرب من أقوى شظاياها

 

وأشار إلى الحقد الدفين لدى الغرب على المسلمين، فقال في ميميته([20]):

الغرب يحقد واليهود بدورها  *   تغزو بجيش غادر متحكم

يبغون كيداً لا يطاق وإنه  *   لمن المهانة أن نذل لمجرم

 

- ويفرد الشيخ لأمريكا حديثاً خاصاً فهي النصير الأول لليهود تدفعه  إلى الاحتلال وتمده بالمساعدات، وتدافع عنه بكل الوسائل والحيل، قال في فائيته([21]) :

جاء العدو بجيشه متعالياً  *   فالجو يمطر والمدافعُ تقصف

تغريه أمريكا وتنصرُ ظلمه  *   ولدى المجالس رأيها متطرفُ

تنحو إلى نصر الظلوم وإنها  *    لا تستحي إذ ما تُصرُّ وتجُحف

 

وهذا الدعم الغربي الأمريكي لليهود جعل العرب المسلمين يخسرون المعركة فودعوا بذلك مجداً، ولبسوا ذلاً مهيناً، قال([22]) :

حتى وقعنا بفخ الخسر واندحرت  *   جيوشنا وهي تَنعي المجدَ والجاها

والدين يبكي وما من راحم وله  *   أنات حزن يذيب القلبَ حاكيها

وذاد في الحزن صهيونُ بمقدسنا  *   تأتي الأباطيل في أرضٍ ملكناها

 

وجأر العرب بعد خسرانهم معركة 1967م، فاتجهوا إلى مجلس الأمن لعله ينصفهم في حين تقف أمريكا لهم بالمرصاد، قال في همزيته([23]):

وما أغنى لدى الأمم احتجاج  *   ولا أجدى إلى الأمن النداء

فأمريكا تعرقل كلَّ أمر  *   يكون لشعبنا فيه العلاء

 

وهكذا راوغت أمريكا مع مجلس الأمن حتى ضاع الحق، واستقر الأمر لشذاذ الآفاق، قال في لاميته([24])

فالدين يبكي وما من راحم أبداً  *   ومجلس الأمن يبدي ألامَ الحيل

 

ويخاطب أمريكا بأن ألاعيبها واضحة وأحابيلها لا تخفى على العرب المسلمين، قال في فائيته([25]) :

خابت([26]) تظن العُربَ تجهل مكرها  *   كلَّا فمكر الماكرين مكشف

 

ولا ينسى الشيخ تذكيرنا بأسباب  هذه الهزيمة فحصر ذلك كله بكثرة الذنوب والخطايا، قال في همزيته([27]) :

ولستَ بظالمٍ حاشك إنا  *   ظلمنا إذ تسلقنا الشقاءُ

بهجر أوامر  المولى  وجهراً  *   بأنواع الشرور لنا ارتقاءُ

 

ووضح ذلك صراحة بقوله في بائيته([28]) :

ولقد نصرت عدوناً بذنبونا  *   فاغفر ليلحقَ صرحَه التخريبُ

 

ثم يبتهل الشيخ إلى الله لكشف ما حل بهذه الأمة من ضر وأذية، فقال في بائيته ([29]) :

يا رب إنا أسأنا وسودت  *   صفحاتنا سبلُ الهوى وذنوبُ

وبذلك كنا مجرمين وإنما  *   عفو الكريم من الضعيف قريب

فارحم إلهي ذلنا وخضوعنا   *  وامنن علينا فالمقام رهيب

ولقد نصرت عدونا بذنوبنا  *   فاغفر ليلحق صرحه التخريب

هذا أوان اللطف منك فجدْ به  *   فالدين أخرس والكفور طروب

 

وأضاف قائلاً:

فرج إلهي الكرب وانصر قومنا  *   وعليك بالعادين إذ هم كُذب

شتت إلهي الشمل واجعل كيدهم  *   في النحر منهم كارهين يؤوب

فلأنت أنت الله والدين بكم  *   يعتز مهما قلت الأسباب

لا أنت محتاج ولستَ بعاجز   *  إن قلت (كن) جاء العدوَّ تبابُ

 

والشيخ رحمه الله من المجاهدين، لذا راح يستنهض الهمم، ويذكي روح التضحية والفداء ويدعو إلى الجهاد بعد الأخذ بأسباب النصر المتمثلة في وحدة المسلمين أولاً وإعداد العدة ثانياً قال في همزيته([30]) :

فيا عربَ الدُّنا هبوا جميعاً  *   فوحدتكم من البلوى نَجَاءُ

أعدوا المستطاع بلا توان  *   فحظ المهملين هو العفاء

مساجد قدسكم جرحى تنادي  *   أما فيكم لحرمتنا رثاء

 

وأكد على ذلك في ميميته حاثاً على الصبر أيضاً، فقال([31]):

في الوحي جاء (أعدوا) آيةً شهدت *  أن الكتاب يسوق الناس للهمم

في الوحي جاء بحبل الله فاعتصموا  *  والصبرَ فالتزموا في الحرب والسلم

في الوحي جاء إذ لاقتك طائفة  *   فاثبت لها واذكرن اللهَ ترتحم

 

وقبل ذلك كله لابد من جعل المنهج الرباني دستوراً لنا، فيه ينال النصر وتسود الأمة، قال([32]) :   

خذ شرعَ أحمدَ منهجاً تسمو به  *   فهو الكفيل بما تروم وتطلب

حذارِ تنهج غيرَه فسبيله  *   صرحُ السعادة في حماه مركبُ

الدين والدنيا بنظم إنه  *   نعم المهذب للورى والصاحب

أيَّ المناهج تنهجون بُعيدَ ما  *   خضع المكابر واستكان الصاحب

إن النجاح حليفُ شرعِ محمد  *   والعدل حكم الآي فيه يصاحب

 

ثم قال في مقطوعة ميمية أخرى([33]) :

قم بتقوى الله والزمْ شرعَه  *   إن في الشرع نجاحَ الأمم

 

وهذا الالتزام بما يتضمن من توبة نصوح لاشك سيقود إلى النصر، لأن الله وعد عباده بذلك، قال في رائيته([34]):

عدوٌّ في البلاد يسومُ خسْفاً  *   وفسقٌ في العباد يُرام جهراً

يسائلني الرفاق متى التهاني  *   ويرجعُ عزُّنا ونزادُ فخراً

فقلت استغفروا وامشُوا بصدق  *   وقوا الأولادَ أضرارَ النصارى

وعوجوا نحو طه واستفيضوا  *   ترَوا والله نصراً لا يجاري

فإن الله واعدُ مصطفاه   *  رضاه بمحكم التنزيل جهرا

 

وتبرق للشيخ تلك العصبة من المجاهدين الذين سيرفعون عن هذه الأمة الأغلال، فيقول على لسان الشريعة الغراء([35]):

ونادتْ ربِّ قد وهنتْ عظامي  *   فعجلْ في مراسيم العطية

وسارعْ وابعثنْ جنداً كريماً  *   يحقق وعدَ مصباح البرية

ويقطعْ دابر الإلحاد حتى  *   يعمَّ الناسَ إخلاصُ الطوية

 

ثم يستشرف رحمه الله بشائر النصر المحقق فيقول في نونيته([36]):

يبشرنا الإلهُ بنصِّ آي  *   بنصرٍ ثم فتحٍ لا يمُنُّ

فراح القلبُ منا في انشراح  *   كأن النصرَ ترمقُه العيون

 

ولهذا خاطب الشريعة قائلا([37]) :

فقلت لها اصبري لابد يوماً  *   سيرجع مجدُك السامي المزيه

فهذا الوعد عن طه أتانا  *   ووعد الحر دينٌ في البرية

 

ويبشر الشيخ باسترداد القدس، قال في لاميته([38]):

فاصبروا يا عربَ قدسٍ واعلموا  *   أن عون الله آت بالعجل

ما لهذا الأمر دوم أبداً  *   إن ربي جعل الدهر دول

 

وخاطب الصهاينة، ووزير حربهم (ديان) بأن الهزيمة واقعة بهم لا محالة، فبذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما ينطق عن الهوى، قال الشيخ في بائيته([39]):

بني صهيون فألكم تلاشى  *   ولاحت فوق رأسكم الكروبُ

وحق النصر للإسلام فضلاً  *   ويوم الخسر فوقكم لعوب

بذا جاء البشير وكان وعداً  *   أكيداً لايخالطه ارتياب

أيا (ديان) جيشكم جميعاً  *   يُجندل أو يقيد أو يؤوب

وإن طال الزمان فهذا أمر  *   تقرر والإله هو المجيب

فلا تجزع فتى الإسلام واهتف  *   لنصر الله ترتقب القلوب

 

وتتراءى "أمريكا" للشيخ قد هدمتها الزلازل، فصارت يباباً وليس ذلك على الله بعزيز، قال في فائيته([40]):

فتُذَلُّ صهيونُ وتخذل عُنوةً  *   ومن الخسار حماتها تتأفف

وتهز أمريكا زلازلُ أرضِها  *   والبومُ بين خرابها يتطوف

 

وحينئذ إن شاء الله ترفرف رايات النصر، ويعم الفرح والسرور الشعوبَ الإسلامية التي أثقلتها الجراح، وهدتها النكبات والمؤامرات، قال في رائيته([41]) :

هناك بشائر الرضوان لاحتْ  *   وأعلام النجاح بدت تسير

وتم النصر والأعداء ولَّوا  *   وقلب الشعب أفعمه السرور

 

نعم سيفعم السرور قلوب هذه الشعوب المكلومة حين تنتصر على الظلمة الفجرة، وعلى شذاذ الآفاق "اليهود" ومن والاهم من أعداء الإسلام والمسلمين، ولا يفتأ الشيخ بعد ذلك كله من الالتجاء إلى الله والابتهال إليه كي ينصر المجاهدين في سبيله فقال([42]) :

فرج إلهي الكرب واجعل حزبنا  *   بالنصر محفوفاً على الأعداء

 

هذه بعض الملامح العامة التي نتبين منها منهج الشيخ في تناوله لقضايا أمته، فهو منهج يتمثل بوجوب الرجوع إلى الله، والتوبة النصوح، والعمل على الوحدة الإسلامية، إذ ينتج عنها قوة سياسية وعسكرية تدرأ بها الأمة عن نفسها الظلم والعدوان.

ومن هذا كله يبدو الشيخ رحمه الله مجاهداً في سبيل الله، ومربياً الأجيال، وناصحاً الأمة، يفرح لأفراحها ويحزن لآلامها، يريد لها الخير والسؤدد والكرامة، عاملاً على رفع ما اعتراها من ذل ومهانة بشتى السبل والوسائل، على مدى ثمانين عاماً إلى أن لقي ربه شهيداً رحمه الله - رحمة واسعة.

وليعلم الأخ القارئ أنني  اقتصرت فيما قدمته على بيان المظاهر العامة لشعر الشيخ الاجتماعي الملتزم فيه بقضايا أمته  ،أما نثره الأدبي فقد ذكرت في كتابي "العالم الشهيد الشيخ محمود الشقفة أنه يعد نواة مدرسة الشيخ عبد الحميد كشك في فن الخطابة  بدا لي  ذلك أنني حضرت في التكية خطبتين من خطبه حين رجع للخطابة بعد انقطاع بسبب مرضه ثم بدا  له أن يتابع الخطابة فتمكن من إنجاز بعض الخطب ثم توقف أيضاً ، والمهم أنني دُهشت حين سمعت لوناً خطابياً لم  أعهده من قبل لاسيما حين ينطق بلفظ الجلالة إذ كانت أرجاء المسجد تهتز  إجلالاً وهيبة ،فترى الحاضرين في حال روحي عجيب وتأثر شديد ، وفي مصر ترددت كثيراً إلى مسجد الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى - لصلاة الجمعة عنده وسماع درسه قبل الخطبة ، وحين استمعت إلى أول خطبة عنده تمثلت سريعاً الشيخ محمود في خطبته ، فالفصاحة عند كليهما عالية ، واللغة راقية ، والانتباه إلى مواقع الوصل والفصل  ظاهرة ، ناهيك عن مراعاة النبر والتنغيم وتحقيق الانسجام الصوتي بين الجمل والعبارات ، وناهيك أيضاً عن غزارة اللغة عند أتباع هذه المدرسة ، واعتمادهم على المترادف والمشترك وسوق الأقوال والأشعار ، فاستقرت عندي تلك المشابهة الخطابية بين الاثنين ، رحمهما الله تعالى ولا عجب فهما استقيا  من ماء واحد ، ولعل تراث العلماء هذا سيكون موضع دراسات أدبية عالية في جامعاتنا ، فلا ريب أن لكل شيخ طريقته ولكل عالم لغته ، ولا أرغب في تطويل الحديث عن الجانب النثري عند الشيخ محمود رحمه الله فذلك كما قلت تلزمه بحوث متأنية ،وما أشرت  إليه الآن يكفي فرب إشارة  كما قالوا أبلغ من عبارة والشيخ على العموم نائر مبرّز ، ولو نظر القارئ إلى رسائله التي أرسلها إلى تلميذه بسام الهبرة لرأى في تلك الرسائل أن الشيخ  مبدع ، جزل العبارة ، رشيق الأسلوب  يتذوق أسلوبه  العامي والمتعلم ،  رفيع التراكيب ، فيه إشراق الشيخ و روحه وأنسه ولطفه ، وفي كتابنا (العالم الشهيد  محمود  عبد الرحمن  الشقفة رحمه الله حياته وآثاره ) قدمنا مزيداً من التحليلات اللغوية والأسلوبية البلاغية التي اتسم بها نثر الشيخ وشعره ، راغبين من ذلك أن يكون له منزلة عالية  بين أدباء  سورية عامة وحماة خاصة ، رحم الله  مشايخنا جميعا ،ونسأل الله الفرج القريب لتقام الندوات العلمية واللقاءات الفكرية في مراكزنا الثقافية نخبر بها أجيالنا عن علمائنا الأثبات الذين بنَوا المنارات العلمية السورية المتنوعة تلك التي ما فتئ نظام البعث يهدمها حتى صارت في عهد آل الآسد "جرداء إذ أقفرَ من أهله ملحوب "، فتسلق  إلى مراكزنا العلمية كل جاهل حقود وبهمة أهل العزم تعود لنا أيامنا الأُول ، بعون الله ، وإلى أطيب لقاء أترككم في رعاية الله وحفظه 

 



([1])  المرجع السابق: (105).

([2])  "المدائح": (58).

([3])  المرجع السابق: (52).

([4])  المرجع السابق: (105).

([5])  "المدائح": (105).

([6])  المرجع السابق: (105).

([7])  المرجع السابق: (29).

([8])  "المدائح": (104).

([9])  المرجع السابق: (37).

([10]) المرجع السابق: (59).

([11]) المرجع السابق: (59).

([12]) المرجع السابق: (61).

([13]) المرجع السابق: (61).

([14]) المرجع السابق: (84).

([15]) المرجع السابق: (84).

([16]) "المدائح": (38).

([17]) المرجع السابق: (41).

([18]) "المدائح": (24).

([19]) المرجع السابق: (41).

([20]) المرجع السابق: (46).

([21]) المرجع السابق: (49).

([22]) "المدائح": (41).

([23]) المرجع السابق: (46).

([24]) المرجع السابق: (57).

([25]) "المدائح": (29).

([26]) والضمير يعود إلى أمريكا في بيت سابق.

([27]) المرجع السابق: (56).

([28]) المرجع السابق: (61).

([29]) المرجع السابق: (61).

([30]) "المدائح": (46).

([31]) المرجع السابق: (104).

([32]) "المدائح": (104)

([33]) المرجع السابق: (81).

([34]) المرجع السابق: (44).

([35]) "المدائح": (59).

([36]) المرجع السابق: (44).

([37]) المرجع السابق: (44).

([38]) المرجع السابق: (40).

([39]) "المدائح": (38).

([40]) المرجع السابق: (49).

([41]) المرجع السابق: (64).

([42])     "المدائح": (65).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين