أسس التربية الاجتماعيَّة في الإسلام (2)

أمر الأمَّة بالشورى الاجتماعية:

أقام الإسلام الشورى الاجتماعية بين المسلمين على وجه لا يمكن إغفاله ولا التهاون به لما لها من تأثير على الحياة المثبتة لدعائم الإسلام وإقامتها أعلنها في صورة الأمر في قوله تعالى:﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].

فإن الله تعالى عاب في الآيات السابقة على الكافرين أمرين: الكفر والصد عن الإيمان، وهو الأمر بالمنكر فلم يكتفِ هؤلاء بكونهم ضالين بل كانوا مُضِلين.

وبعد ذلك أمر المسلمين بأن لا يكونوا مثلَ هؤلاء ضالين ومضلين بأن أمرهم بأن يكونوا راشدين في أنفسهم مُرشدين لغيرهم هادين قائمين بالهداية وخاطبهم قائلاً: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104] فالله جلَّ جلاله يأمر الأمَّة الإسلاميَّة بأن تكون أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.

وهو أمر لكل مكلَّف، ويستفاد ذلك علاوة على هذه الآية من آية أخرى وهي التي ميَّز الله تعالى فيها الأمَّة الإسلامية بأنَّ من خصائصها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 110].

والأمر وإن كان عاماً لجميع المسلمين إلا أنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين؛ لأنَّ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من قبيل إنقاذ الغرقى فكما أن إنقاذ الغرقى إذا قام به من قام ووقع الإنقاذ فإنَّ الباقين سقط عنهم الطلب لأنَّ المقصود حصل.

كذلك في صورة إنقاذ الهالكين من الهلاك لأنه إذا وقع الإنقاذ من الكفر والفساد سقط الطلب عن الباقين لحصول المقصود.

فالإنقاذ إنقاذان: إنقاذ حسي، وإنقاذ معنوي، والنهي عن المنكر من الإنقاذ المعنوي، وهو والإنقاذ الحسي ضروريان للحياة.

من أسباب تحاشي الانهيار:

إنَّ الله تعالى جَدُّه أوجب الشورى الاجتماعيَّة تفادياً مما أثبته الواقع فيمن تركوا الشورى وما رآه ابن خلدون من الحتميات لانهيار الحكومات والأمم إذا وصلت إلى سنِّ الشيخوخة لأنَّ تلك الخواتم لا تكون إذا كانت هناك الشورى الاجتماعية فإنها مرهم يحافظ على شباب الأمَّة ويبقي لها قوتها؛ لأنَّ الانهيار كما يذكره ابن خلدون في الجيل الثالث ومن دواعيه أنهم ينسون البداوة والخشونة كأن لم تكن ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر ويبلغ فيهم الترف غاية لما تبنقوه [تبنق: جود الشيء وجمعه وهي من لغة ابن خلدون] من النعيم وغضارة العيش فيصيرون عيالاً على الدولة، ومن جملة النساء و الولدان المحتاجين للمدافعة عنهم وتسقط العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة ويلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل، وحسن الثقافة يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورها – أي الخيل -، فإذا جاء المطالب لهم لم يقاوموا مدافعته، فيحتاج صاحب الدولة إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة، ويستكثر بالموالي ويصطنع من يغني عن الدولة بعض الغَناء، حتى يتأذَّن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت، فهذه كما تراه ثلاثة أجيال فيها يكون هرم الدولة وتخلفها) [المقدمة ص205].

وللحفاظ على أسباب القوة التي يَراها ابنُ خلدون في العصبيَّة وهي في الحقيقة (قوة الإيمان) تجب العناية بقوة إيمان الأمَّة، وذلك إذا شذب عن هذا الإيمان المناكر، وغذي بالمعروف الذي جماعه في أوامر الله سبحانه وتعالى.

وتأكيداً لهذه الشورى الاجتماعية وتحذيراً من مغبة إهمالها أخبر الله تعالى أنَّ الذين ضَلُّوا من قبل وأضلُّوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل، حتى حقَّت عليهم اللعنة وأصبحوا مُشرَّدين في الأرض طوال قرون تتقاذفهم البلدان، وترمي بهم الأمم خوفاً من عدوانهم وشرورهم تسبب لهم في ذلك عدوانهم وأنهم أهملوا القيامة بتلك الشورى، فقال عزَّ من قائل: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 79]. فالإسلام ربَّى المسلمين على أن لا يغُضُّوا الطرف عن كل ما هو مُؤدٍّ إلى انهيار الأمم وإلى تلك الحتميَّة التي سببها التغافل عن انتشار المناكر أشار الإسلام محذراً من الترف لأنَّه من دواعي المناكر التي نهانا الله عنها وإلى ذلك يشير قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُتۡرَفِينَ٤٥ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلۡحِنثِ ٱلۡعَظِيمِ٤٦﴾[الواقعة:45-46].

فالترف ومجانبة الاقتصاد في الحياة يؤدِّيان إلى الإصرار على المناكر والإصرار عليها نتيجة حتمية إلى الهرم والتخلف، ودواء ذلك التذكير بالإقلاع عن كل ما هو مؤدٍّ إلى ذلك.

العطف إلى الحق:

وضحت السنة النبوية أسباب الوهن في الأمم السابقة ومن أين دخل لهم النقص في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثم قال: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٧٨ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ٧٩﴾إلى قوله فاسقون [المائدة: 78-81]. ثم قال: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ».

ورواية الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وآكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوبَ بعضهم ببعض، ولعنَهم على لسانِ داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مُتكئاً، فقال: لا والذي نفسي بيده، حتى تأطروهم على الحق أطراً» [جامع الأصول ج1 ص327].

هذا تحذير صارخ فتح أعيننا عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أننا نبين حتميتين: حتمية المحافظة على المقومات الصحيحة والتفريط فيها والأخذ في أسباب المرديات.

فإن أطرنا الضالين [أطره: عطفه ومثله أطره بالتخفيف] وعطفناهم ورددناهم إلى الحق الذي خالفوه ولا فرق في ذلك بين فرد وفرد، وبين شخص وآخر ضمنَّا لأنفسنا الاستمرار في القوَّة والتمكن من أسباب الحياة الصحيحة.

وإن أغفلنا ذلك أخذت أسباب التخلُّف والوهن والنقص تنخر في الجسم حتى تصل الحال إما إلى الانقراض وإما إلى الوهن والتناقض الشبيه بالموت.

تحذير من أبي بكر رضي الله عنه:

روى قيس بن أبي حازم رضي الله عنه، قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105] وإننا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يُغيِّروا ولا يغيرون إلا يوشك أن يعمَّهُم الله بعقاب»[جامع الأصول: ج1 ص220].

موقفنا الحاضر:

أعطى عصرنا الحاضر للشورى الاجتماعية وسائل جديدة ولو تستغل لأفادت أيضاً إفادة كبرى، وذلك في وسائل الإعلام المتنوعة، ولا يتم ذلك إلا إذا أخذت وسائل الإعلام من صحافة، وإذاعة وتلفزة في المنهج الذي يجب عليها أن تقوم به.

كم تكون الفائدة جُلى لو أنَّ هذه الوسائل التي تصل إلى كل الآذان، وتدخل كل بيت، وتعايش الناس مُعايشة من يُلازمهم في جميع أحوالهم لا يفارقهم في سفرهم وحتى في غيره.

وبذلك نستطيع أن نقدم للمجتمع خدمات تربوية اجتماعية تغرس فيهم هذه التربية الاجتماعية الإسلاميَّة.

فعوض أن نجعل من هذه الوسائل أن تكون ملهاة نجعل منها أصواتاً للإصلاح وبذل النصيحة بدافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقاً للشورى الاجتماعيَّة التي يجد فيها المواطن إصلاحه، ويجد فيها من ينير له سبيل الرشد ويحذره من سبيل الغواية.

وحينئذ تربأ الوسائل المذكورة عن كونها وسائل ثانوية في حياة المجتمعات إذ تصبح بسبب ما تسديه في المقدمة لقيادة الأمم والخروج بها من تلك الحتميَّة المضيعة على الناس شجاعتهم، وعرفانهم وجديتهم وأحقية الاعتماد عليهم.

وتتحقق الضالة المنشودة للفلاسفة في إيجاد المدينة الفاضلة، تلك المدينة التي تحقَّقت في عصور الإسلام الذهبيَّة ولكنها ضعفت شيئاً فشيئاً إلى أن فقدت مكانتها التي كانت لها في العصور الفاضلة.

الشورى السياسية:

قرن الإسلام الدين الحنيف بين الشورى الاجتماعيَّة المتقدِّمة وبين الشورى السياسية ولم يهمل ما يحقق وجودهما ويبرزهما في صورتيهما الصالحتين وإذا كانت الشورى الأولى تقوم عليها المحافظة على شباب الأمم حتى لا يدخلها الهرم فكذلك الشورى السياسية فلها ما للأولى وزيادة.

وتفيد الآية المصدَّر بها أصل الشورى بفرعيها فإنَّه تعالى حين تعلَّقت قدرته بإيجاد الخليفة خاطب الملائكة بقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ ولم يمتنع الملائكة المخلوقون أن يقولوا، ويبدوا ما في أنفسهم من تخوُّفات من هذا المخلوق الجديد: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30].

فالشورى من أهم ما بنى عليه هذا الكون لأنه في أصل وجود العنصر الذي سيقوم بالخلافة خاطب الله جلَّ جلاله ملائكته، وأبدَوا هم من جهتهم ما يتخوَّفونه من الإفساد وسفك الدماء.

الرسولُ والشورى:

منح الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم كلَّ أسبابِ رجاحةِ العقل والتسديد في إقامة المهمَّات، والتكفُّل بالرشاد، ومع كل ما ذكر أمره بالشورى في قوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].

جمعت الآية الكريمة ما يكون عليه السائس من أنه يتألف القلوب ويجمعها حوله.

وفي الطالعة استجماع القلوب بالمشاورة التي لها فوائد تربوية اجتماعية، فهي أولاً تجعل المستشار يحسُّ بعلو الشأن ورفع الدرجة، والإحساس المذكور يقوي الروابط بين أفراد الأمَّة سواء في ذلك السائسون والمسوسون، ففيه تربية على شعور الإنسان بالاعتزاز دون أن يرى نفسَه مُنحطَّة، وهو ما تدلى بكثير من الشعوب التي أصبحت ترى نفسها سوائم ناطقة باللسان لا أنها ناطقة بمعنى أنها مُفكرة بالقوة، بسبب رؤية النفس الانحطاط.

وهو ما نقاسيه اليوم وهو ما ظهر في كثير من الوقائع الدالة على تدلي المستوى المترفِّع بالإنسان كإنسان.

وهو ما أدَّى إلى الانتفاضات لأنه إذا شعر الإنسان بالإهانة وعدم تشريكه في شؤون حياته أدَّاه شعوره إلى الالتواء في الحياة، ومحبَّة الانتفاض والتسور على ما يحتاج إلى قيم عالية مع أنها في المتسورين.

وثانياً: أن أمره صلى الله عليه وآله وسلم مع تناهيه في المدارك واستجماعه لكل ما يؤهله إلى المقام الأسمى الذي ليس وراءه مَرْمى يدل على أنَّ الإنسان بلغ ما بلغ في الكمال فإنَّه يحتاج إلى غيره لأنَّه يكون عند الغير من الآراء ما ليس عنده، بلغ ما بلغ من السمو العقلي وسداد الرأي.

ولإبراز هذا المعنى ما جاء في غزوة بدر فإنه عليه الصلاة والسلام لما نزل أدنى ماء من بدر، قال له الحبابُ بنُ المنذر بن الجموح رضي الله عنه: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدَّمه، ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» فقال: يا رسول الله فإنَّ هذا ليس بمنزل، فانهضْ بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد أشرت بالرأي»، فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فغوّرت وبنى حوضًا على القليب الذي نزل عليه فمُلئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية. [سيرة ابن هشام ج2 ص272].

أبان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ما يخطر على البال ليس وقفاً على من تبوأ مكانته الحسَّاسة بل هو أمر يخطر على بال دون بال فإذا ما تبودل الرأي بين الناس نتج عن ذلك من الرأي ما هو مدعاة الفوز والصلاح والنجاح.

فلهذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد أشرت بالرأي».

وقد أعطته إشارته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم منزلة ومكانة فأصبح يقال له ذو الرأي، ومات الحباب بن المنذر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

ومن مكارم أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه يتقبل الرأي ولا يكتفي بتقبله، بل يزيد على ذلك أنه يرفع من مكانة من أشار بالرأي الصواب.

وبناء الأمور على المشاورة يفتح باب الاجتهاد والابتكار لأنه إذا وقعت المشاورة اجتهد الناس في ابداء الرأي وبذلوا الوسع في الوصول إلى الصواب توصلاً إلى إدراك وجوه المصالح.

يقول الإمام الرازي: أنَّ في الاجتماع يستخرج الوجه الأصلح، وتبدو الحقائق ومن هناك كان اجتماع المصلين عند صلاة الجماعة؛ لأن في ذلك تطابقَ الأرواح، وتلاحقَ الأفكار وبذلك يحصل الوجه الأصلح. [تفسير الفخر ج9 ص69].

فالمصلون لو أنهم صرفوا اجتماعهم إلى تبادل الرأي وتطلب الوجه الأصلح لحافظ المجتمع الإسلامي على شبابه ولم يلحقه ما لحقه في عصور التقهقر والتخلُّف.

للمقالة تتمة في الجزء التالي ..

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين