لمحات حول الإعلام في الإسلام (5)

الإعلام الإسلامي في الوقت الحاضر:

تعلمون ولا شك أنَّ الإسلام قد ألقى بمسؤولية الدعوة على عواتق المؤمنين، أي: أنه كلَّف أمَّة الإسلام منذ نزلت الرسالة إلى اليوم وإلى ما شاء الله - أن يكونوا في خدمة الدين وأن يكونوا مُبلِّغين ومُثقِّفين ودعاة موجِّهين ومُرشدين- وهذه نقطة عظيمة الأهمية في الواقع لأنها أرست بصورة تلقائية عبر الزمان قواعد الدعوة والإعلام وبيَّنت الحدود التي يسمح فيها بتطوير الأساليب.

ومن المؤلم حقاً أن نرى هذه الأمة التي هي: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110] تتعثَّر في دعوتها وإعلامها وسط مَوجات من إعلام الطواغيت والدعوات الإلحادية الانحلالية- ولا تسلم من الأذى - أو تحاول أن تقوم برد فعل بدفع الأذى. بعيداً عنها ويحفظ على شبابها القيم والمثل التي وضعها لهم الإسلام.

ومن المؤلم حقاً أن نرى شبابنا وقد حُوصر بإعلام قوي مُنظَّم يعمل على تشويه المفاهيم وتزييف الحقائق الإسلامية والنيل من مَتَانة العقيدة وقوتها في نفوسهم.

وإذا كان الأمر يَقتصر اليوم على الصحف والكتب والمجلات المصوَّرة وما تذيعه محطات الإذاعة وما تعرضه بعض شاشات التلفاز - كأسلحة موجهة إلى عقول أبنائنا وبناتنا- فإنهم سيواجهون غدا- أو بالتحديد بعد سنوات، قلائل عندما تتم سيطرة الأقمار الصناعية على الأرض - سيُواجهون أسلحة أفتك، وغزواً فكرياً أشد وأخطر. ذلك ما سوف تعرضه المحطات التلفازية في أوروبا وأمريكا من مواد إعلامية ظاهرها البريق وباطنها الحريق كما يقول المثل.

وأبادر فأقول: إني لست مُتشائماً رغم كل ما في إعلامنا اليوم من أخطاء ونقص وسلبيات تجعله عاجزاً بوضعه الحالي عن ردِّ مَوجات الغزو الفكري حالياً ومستقبلاً عن شبابنا وتحصينهم ضد التأثر بها والانقياد لها- ذلك لأننا نشعر بالألم الحقيقي - والشعور بالألم علامة الحياة.

ثم إننا نشعر بالخوف من الخطر الذي يهدد أجيالنا وهذا وذاك هما اللذان جاءا بنا اليوم إلى هنا لندرس ونناقش ونقترح ونضع الخطط السليمة لإصلاح إعلامنا في الداخل والخارج ونعمل على استغلاله أحسن استغلال في الحدود التي رسمها الله ورسوله ولم نقعْ بعدُ في معضلة الجهل المركَّب وهي أن تكون الأمة جاهلة وتجهل أنها جاهلة بمشاكلها.

وهنا أيها الأخوة الكرام أجد عدداً من الأسئلة يطرح نفسه ويلح في طلب الإجابة. وإني أستميحكم العذر في عرضها عليكم.

السؤال الأول يقول:

هل الصحافة كلها في مختلف بلداننا صحافة إسلاميَّة تهتم قولاً وفعلا ًبقضايانا المسلمة - سواء أكانت قضايا فكرية أو اجتماعية أو سياسية أو حتى فنية؟ وهل تعمل هذه الصحافة على دراسة تلك القضايا دراسة موضوعية يحكمها المنطق المرتبط أساساً بالحياة داخل الأمة الإسلامية؟

وهل تتوفر في كل الصحف وما تنشره القواعد الأربع التي وضعها الإسلام للإعلام والدعوة - وهي الإبلاغ والتثقيف والتوجيه والتوعية؟ وهل يتحسّس العاملون في تلك الصحف واجبهم كإعلاميين عليهم أن يحتذوا خطوات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويعملوا بوحي من توجيهاته على ترسيخ القيم والمثل والمفاهيم، الإسلامية في عقول القراء؟

وهل كل وكالات الصحافة والأخبار في مختلف بلادنا إسلاميَّة خالصة أم هي تعتمد اعتماداً رئيسياً على تلك الوكالات الأجنبية التي تقف من الإسلام موقفاً مُعادياً وتنحرف بقضاياه دائماً عن الحقِّ والواقع وتتعمَّد أن تطبخ الأخبار الإسلامية وتشوهها وتضيف إليها؟

إننا نعلم يقينا أنَّ الصهيونية العالمية تبذل جهدها للسيطرة على وسائل الإعلام بالخارج- مُبتدئة من عقل الكاتب ووجدانه إلى الحبر الذي تطبع به مقالاته أو قصته أو كتابه - وتحاول أن تفرض سلطانها على محطات الإذاعة والتلفزيون مبتدئة من معدِّ البرنامج ومقدمه إلى العامل الذي يحمل الأشرطة إلى ستوديو البث الإذاعي أو العرض التلفزيوني.

فماذا فعلنا لكي نقي شبابنا ما تدسه الصهيونية العالمية من سموم فتاكة داخل المواد الإعلامية عبر الشاشة والميكرفون.

هل بادر واحد أو جماعة من أعضائنا وتجارنا إلى شراء مؤسسة إعلامية تسجل الأشرطة الاذاعية التي تقدم للشباب تمثيليات وبرامج تاريخية عن إعلام الإسلام وقادته أولئك الذين أقاموا صرحه الشامخ وقدَّموا له أعزَّ ما يملكون بل قدَّموا دماءهم وأرواحهم لكي ترتفع كلمة (لا إله إلا الله)؟

تسجل الأشرطة الإذاعية التي تقدم للشباب تمثيليات وبرامج تاريخية عن إعلام الإسلام وقادته أولئك الذين أقاموا صرحه الشامخ وقدَّموا له أعز ما يملكون بل قدَّموا دماءهم وأرواحهم لكي ترتفع كلمة (لا اله إلا الله)؟

وهل اشترى أحدنا مؤسسة إعلامية أجنبية كبرى وسخَّرها لكي تنتج المسلسلات التلفزيونية المحتوية على موضوعات إسلاميَّة تصوّر على سبيل المثال لا الحصر - تلك المواقف الجليلة النبيلة التي وقفها المسلمون الأوائل في مختلف المجالات الإنسانية أو تلك المواقف البطولية الرائعة التي قاموا بها رجالاً ونساء عبر الاجيال؟

وحتى الجهود الفردية المخلصة التي حاول البعض أن يقوم بها إما أن تكون إقليمية ومحلية لا تخدم الأهداف الكبرى التي ننشدها جميعاً وأنها حوربت وسفهت جهودها دون مبرر.

وقذفنا في وجهها من العقبات ما يكفل تثبيط الهمم دون أن نتحسب لأبعاد هذه التصرفات أو نقدِّر عواقبها. أو حتى نتحسس أبعاد الحكمة فيها.

إن أولادنا يعرفون عن أبطال الغرب ما لا يعرفونه عن أبطال الإسلام ورجاله ومواقفهم وليس الذنب ذنبهم فنحن لم نقدم لهم سير الصحابة ولا تراجم من حياة أبطالنا ومشاهير المسلمين في تاريخنا. والمؤسسات الغربية لا يهمها أن تقدم شيئاً من هذا وإن تصدت لإنتاج عمل عن الإسلام أو العروبة فهي تتعمَّد إنتاجه في صورة مشوَّهة مبتورة أو في إطار من الضباب والعتامة يخفي كل جميل وكل عظيم.

وليس لنا أن نتوقع من تلك المؤسسات وهي تعيش في ظل الأديان التي بها ديننا الحنيف وتلك الهيئات التي تعمل تحت سيطرة الشيوعية أعدى أعداء الإسلام ليس لنا أن نتوقع من هؤلاء أو هؤلاء أعمالا تؤكد عظمة ديننا أو تدعو إلى قيمه ومقدساته. بل العكس هو الصحيح يقيناً.

إننا أيها السادة المسؤولون وحدنا عن إنتاج الأعمال المسلمة بمختلف أشكالها الفنية - ولابدَّ أن تكون لنا مؤسساتنا الخاصَّة، وعلى الجهات الرسمية في مختلف بلداننا أن تساعد الأفراد أو الجماعات التي تتصدَّى للإنتاج الإسلامي فترفع العراقيل من طريقهم وتمدهم بكافة الوسائل والطاقات لكي تخرج أعمالهم على المستوى الذي يتناسب وعظمة الإسلام.

وعلى علمائنا أن يدركوا خطورة هذا الأمر وأهمية دراسته. وسبل إعانة من يقدم عليه وترشيده. وتأييده. والأخذ بيده. حتى نوجه هذه الأجهزة لإنتاج ما فيه الخير بدلاً من محاربتها. والتشهير بها وإعطاء الفرصة لأعداء الأمة لكي يوسعوا الهوة بين العلماء. والعاملين في حقول الإعلام أملاً منهم في أن نصل إلى طريق لا عودة فيها ولا رجعة.

أجل أيها الأخوة الأعزاء. لقد آن الأوان لكي نبدأ السيرة المباركة نحو صحافة إسلاميَّة وإنتاج فني إسلامي وآن لنا من رصيدنا التاريخي والمالي الضخم ما يكفل لنا تحقيق كل نجاح. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة.

وفي المنهج الإسلامي - القدوة اللازمة وليكن معلوماً أن لكل وسيلة من وسائل الإعلام قدرتها الخاصَّة على الإقناع واجتذاب الجماهير - ولابدَّ أن يكون إنتاجنا على أعلى المستويات من حيث الشكل والمضمون لكي ينجح في اجتذاب الجماهير - خاصَّة الشباب - وحصر اهتمامهم داخل ما يقدم لهم - من أعمال مقروءة أو مسموعة أو مرئية – ولا بدَّ أن تكون هذه الأعمال قادرة على أن تخاطب عقولهم وترضي نزعات نفوسهم ودوافعها السلوكية، وفي الوقت نفسه تسمو بغرائزهم وترتفع بانفعالاتهم وتربط حاضر الشباب بماضيه وتعرفه ببلاده العربية المسلمة وأمجادها في الحاضر والماضي.

والسؤال الثاني يقول:

لماذا تراجعت مكانة المسجد في بعض الدول الإسلامية وقد كان بالماضي ولا يزال مدرسة للدعوة ومركزا من أهم مراكز النشاط الإعلامي الإسلامي؟

والحق أنَّ دور المسجد في بعض الدول الإسلامية قد تراجع بالفعل إلى خلفية الاهتمام بفعل مؤشرات الطغيان المادي والإلحادي - ولقد أدَّى هذا بدوره إلى تخلف تلك الدول وانتشار الأمراض النفسية والجرائم الخلقية بين أفرادها - فالمساجد هي بيوت الله يَؤُمُّها الناس ليغتسلوا من أدران الحياة ويتزوَّدوا بشحنات روحيَّة تعيد السكينة والتوازن إلى نفوسهم، وقد كانت وسوف تظلُّ الحصن الحصين للأمة الإسلامية.

وعلى هذه الدول التي أغفلت المساجد أو تجاهلت دورها وأهميته أن تصحو من غفلتها وأن تفيق من غفوتها وأن تعيد المساجد إلى مكانتها لتخلص مجتمعاتها من شرور هي في غنى عنها.

وعلينا نحن أمة الإسلام أن نطور عنايتنا بالمساجد فنزودها بوسائل الإعلام الحديثة من مىكرفونات ومكتبات تزود بالكتب الإسلامية المختلفة وأخرى تحوي أشرطة تسجيلية للقرآن الكريم وتفسيره وشرح الأحاديث النبوية الشريفة وثالثة تلفازية تعرض المسلسلات الدينية الكبيرة.

والسؤال الثالث يقول:

على من تقع مسؤولية حفظ الشباب ورعايته إعلامياً في الداخل والخارج، قد يقول البعض إنها مسؤولية العلماء، وقد يقول البعض الآخر إنها مسؤولية الدولة بكافة أجهزتها، وقد يقول البعض الأخير إنها مسؤولية الأسرة أو غير ذلك.

ولكنها في الحقيقة مسؤولية مشتركة بين الدولة بكل أجهزتها الإعلامية والتعليمية والأسرة بما فيها الأب والأم، وهي أيضاً مسؤولية الشباب أنفسهم - ولن يستطيع مجتمع - أن ينهض ويحقق أهدافه ما لم يقتنع كل فرد فيه بالحديث الشريف: (كلكم راع وكل مسئول عن رعيته) ومالم يكن أفراده مُتعاونين على البر والتقوى متكاتفين مُتناصحين غير مُتنابذىن والكبار فيهم قدوة حسنة للشباب.

ويحضرني بهذه المناسبة القول المشهور: (لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)، بمعنى أن طبيعة المرحلة لابدَّ وأن تؤخذ في الاعتبار ولابدَّ أن ندرك أننا نحتاج أن نثبت العقيدة الإيمانية في نفوس أولادنا وأن نربيهم على أسس الإسلام بالأسلوب العصري الذي يصل إلى عقولهم ويستقر في أذهانهم رغم الخضم الهائل من التحديات الإعلامية التي لم تعرف من قبل.

السؤال الأخير يقول:

ماذا فعل الإعلام الإسلامي خارج البلاد العربية وما هي الجهود التي بذلتها الدول الإسلامية من أجل ذلك؟

والحق أيها الاخوة الكرام، أننا لم نقم بأعمال كبيرة في هذه الناحية وسوف يظل هذا السؤال بلا جواب كامل إلى أن نقوم بهذه الأعمال فعلاً.

وإلى أن يكون لنا إعلام إسلامي مضاد يعتمد على الأسس الإعلامية الإسلامية وعياً وعقيدة وحساً وتنفيذاً وإلى أن تتمكن منظماتنا من أداء واجبها على الوجه الأكمل.

ولكنني أحب أن أقول هنا أن للإعلام الخارجي جهوداً متضافرة مكثفة لا تعتمد على ما تقدمه الصحف والإذاعة والتلفزيون فحسب - بل هو عمل أضخم بكثير يشترك فيه أبناء الأمة المسلمة كلها - ويبدأ بالطالب الذي يسافر إلى الخارج للدراسة إلى السفير الذي يمثل دولته في الغرب أو الشرق.

وما قيمة أن نقدم جهوداً إعلامية عظيمة ممثلة في فيلم أو برنامج مشرف عن بلادنا إذا ذهب البعض إلى الخارج وتصرف تصرفاً غير لائق به كإنسان مهذب متحضر ومسلم؟

والحقيقة التي يجب أن يعلمها أبناء الأمة المسلمة جميعاً هي أن كل فرد منهم رسول إعلام.

وقد يعودون إلى بلادهم بانطباع جيد يكتبون أو يذيعون الحقائق في صدق وأمانة أو يعودون بانطباع سيء وتكون النتيجة العكس.

وهناك قضية أساسية في الإعلام الخارجي تظهر أهميتها بوضوح بالنسبة للملكة العربية السعودية ودول الخليج هي موضوع الإعلام الخارجي بعد التحركات البترولية في السنوات الأخيرة، وما كان لها من آثار كبيرة في تعريف العالم أجمع بنا، فقد أصبح الناس في كل مكان يتنادون باسم المملكة والخليج - وهي نعمة كبرى من الله سبحانه وتعالى إذ أكرمنا بها ونصرنا، وجعل الأرض من تحت أقدامنا تخرج هذه الثروة الطيبة، وما كنا لنعلم بوجودها وهو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده المؤمنين المخلصين.

ولكن هذا يجب أن لا يطغى على قيمنا الأساسية أو يجعلنا ننظر إليه على أنه كل شيء - فهذه البلاد كانت قبل البترول بحمد الله وسوف تظل بعده بإذن العلي القدير حتى يرث الله الأرض ومن عليها - كذلك يجب ألا ننسى أن هذه الثروة مسؤولية أمام الله جل جلاله ثم هي مسؤولية أمام العالم. وهي مسؤولية كبرى أمام الأجيال القادمة.

ولا بدّ أن نعمل على إيضاح أبعاد سياستنا البترولية والمالية المتزنة التي تستهدف خدمة العالم أجمع. وهي مسؤولىتنا أن نفضح دور الشركات والمؤسسات التي تتاجر بقوت أمتها ترتزق من بؤسها وشقائها.

الحلقة السابقة هـــنا

يتبع..

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية - الدوحة – محرم 1400هـ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين