لمحات حول الإعلام في الإسلام (4)

اسمحوا لي أن أذكِّرَكُم بالفارق العظيم بين الإعلام العربي أيام حرب حزيران، والإعلام العربي أيام حرب رمضان، لنستخلص بديهية مُؤكَّدة في الإعلام الإسلامي، هي الصدق القائم على الإيمان، والثقة المنبثقة عن الصدق.

إنكم ترون أيها الإخوة الأعزاء، أنَّ ملامح الإعلام الإسلامي قد أخذت تتضح لنا أكثر فأكثر مع استرسالنا في استعراض تطوُّرات الدعوة، لتضع بين أيدينا خططاً مُحكمة من التطبيقات العمليَّة التي صلحت بنجاح عظيم في مطلع الإسلام، وما تزال تصلح بعد مرور أربعة عشر قرناً كاملة.

كان الجهر بالدعوة إيذاناً بمرحلة جديدة في تاريخ الإسلام إذ بات الصراع سافراً بين رسول الله وأصحابه من جهة وبين قريش ومشركيها من جهة أخرى، لا سيما بعد أن تناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آلهة قريش بالعيب، وخاض فيها وسفَّه أمرها، فكبر الأمر على رجالات قريش، وبدأوا يرنون إلى الدعوة من منظور جديد، أشعرهم بجديَّة الخطر الذي تُمثله دعوة الحق على ما كانت قريش تعيش فيه من جهالة وضلالة كانوا هم السادة فيها والزعماء، فرأوا في دين الله ما يُهدِّد مصالحهم وزعاماتهم ونعود إلى ما سلفت الإشارة إليه من مبادئ الإعلام الإسلامي فنرى الثبات والثقة والإيمان في ردِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عمه أبي طالب:

«يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».

وكما نلاحظ، فالصراع بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسادة قريش من المشركين كان صراعاً بين فكرين، أو اتجاهين أو طريقين. فهو إذاً - صراع إعلامي السدى واللحمة، يقارع فيه الرأي بالرأي والفكرة بالفكرة والاتجاه بالاتجاه، وتكون الكلمة النهائية فيه للحق وحده فما كان لآلهة قريش الشائهة أن تقنع عاقلاً بأنها- كما قالت قريش- خير من الإله الواحد الأحد، فهي أصنام لا تنفع ولا تضر، وكثيرون آمنوا بمجرَّد المقارنة العقلانية، بين ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما رأوا من شأن سادة قريش.

نرى صدق الدعوة عاملاً هاماً من عوامل نجاحها وصدق الداعية عاملاً آخر من عوامل هذا النجاح فالصدق- إذاً - وكما أشرت من قبل، شرط لابدَّ منه في الإعلام الناجح أيَّاً كان هدفه وموضوعه.

كان «الإعلام» بالدعوة بعد أمر الله تعالى بالجهر بها يتمُّ بنفس الوسائل التي عرفها العرب إذ ذاك، أي: بالمشافهة والمخاطبة، وتناقل الأخبار مع فارق هام هو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد باتوا يدعون إلى دين الله جهاراً بعد أن كان ذلك يتمُّ في السر.

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرود أماكن تجمعات العرب لا سيما في المواسم والأسواق ويعرض عليهم الدخول في دين الله قائلا:

«يا بني (فلان). إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي، وتمنعوني، حتى أبيِّن عن الله ما بعثني به».

ولقد كان ممن عرض لهم رسول الله ذلك: بنو كلب، وبنو حنيفة، وبنو عامر، وغيرهم. ومع أنَّ ذلك لم يثمر بادئ الأمر لتصدي قريش إلى تضليل تلك القبائل، إلا أن نتائجه أتت فيما بعد، طيبة سائغة، استناداً إلى قاعدة أقرتها سيكولوجية الإعلام الحديث وأخذت بها وهي: زرع بذور الفكرة المطلوبة لتنمو على مَهَل، وتؤتي ثمارها إن آجلا وإن عاجلاً.

ذلك أنَّ نبأ بعثة رسول الله، قد بدأ ينتشر بين القبائل حين تعود إلى ديارها وتروي ما يحدث في مكة من أحداث جِسَام.

وبنتيجة انتشار هذا النبأ كثر التساؤل والاستفهام بحيث بات لدى معظم الناس استعداد نفسي مُسبق لقبول الدعوة في وقتٍ لاحق كما أنَّ التبليغ لم يعدْ يتم بصورة إفراديَّة كما كان الأمر من قبل، بل العكس، فالأمر الإلهي بالجهر بالدعوة إنما كان يَهدف إلى تبليغ الناس وهدايتهم جماعات، وهذه نقطة هامة من نقاط تطور الإعلام الإسلامي.

كان المسلمون يشعرون بحاجتهم إلى إسماع كلام الله إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وبمعنى آخر: إذاعة كلام الله ونشره. أي أن الحاجة إلى وسيلة تؤدي هذا الغرض، يمكن أن يترجم في وقتنا الحاضر إلى الحاجة إلى: إذاعة.

فإذا كان الملايين يسمعون، أيامنا هذه كلام الله عبر الإذاعات الإسلامية المنتشرة في طول الدنيا وعرضها فإنَّ المسلمين شعروا آنذاك- بالفطرة- بحاجتهم إلى تلك الوسيلة. فكيف توصَّلوا إلى الحلِّ المنشود؟

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله عنه فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط، فمن رجل يُسمعهموه؟

قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني. فإنَّ الله سيمنعني.

قال: فغدا ابن مسعود رضي الله عنه حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، رافعاً صوته ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ١ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ٢﴾، قال: ثم استقبلها يقرؤها، قال: فتأملوه وجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟.

ثم قالوا: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثَّروا في وجهه فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً، قالوا: لا.. حسبك. قد أسمعتهم ما يكرهون».

هذه الحادثة تُعتبر صورة نموذجية من صور الممارسة الإعلامية، شعر المسلمون بالحاجة إليها، وطبَّقوها بالفطرة، وهذا يدلُّ على مدى ما بثَّ الإيمان في نفوس الدعاة من أفكار وخطط، إذا نحن وضعناها في الموازين الإعلامية الحديثة، وجدناها متناسبة كل التناسب مع أحدث ما توصل إليه الفن الإعلامي الحديث، فسواء - عندي - في المدلول أن يغادي ابن مسعود رضي الله عنه قريشاً بالقرآن يتلوه على مسامعها جهراً، وأن يذاع القرآن في عصرنا هذا عبر الأثير من محطات الإذاعة، فالهدف واحد وإن اختلفت الصورة، مع فارق هام جداً هو أن ما فعله ابن مسعود، يعتبر نوعاً من المخاطرة، نوعاً من الجهاد. مضى إليه وهو يعلم سلفاً أنه سوف يتعرَّض للأذى. فله في ذلك ثواب الجهاد. وله في ذلك ثواب الدعوة.

والمهم، أن نضيف إلى مُعطيات وإنجازات الإعلام الإسلامي في الماضي، فضل الشعور بالحاجة إلى وسيلة لإسماع أعداد كبيرة من الناس صوت الدعوة وبتعبير إعلامي حديث: إذاعة صوت الدعوة إلى أسماع أكبر عدد ممكن من الناس.

ترى ما الذي جعل المسلمين يشعرون - إذ ذاك- بالحاجة إلى إسماع قريش كلمات الله تعالى ما الهدف الذي رَمَوا إليه من وراء ذلك؟.

هنا نجد بين أيدينا السر الأعظم فيما يحقق الإسلام من انتشار، وما أنجز من انتصار: إنَّه كتاب الله الذي أحكمت آياته، وأنزلها الله لهداية البشر، وردهم عمَّا كانوا فيه من ضلال. فالإعجاز البياني المذهل، والفصاحة التي تعجز الإنس والجن عن الإتيان بآية واحدة مثلها، كانا - على الدوام - إحدى معجزات الإسلام الكبرى.

وإنني لأجد، في هذا السبيل، كثيراً، وكثيراً جداً، من الحوادث والأقاصيص التي تدل على مدى ما أحدث القرآن الكريم ويحدث في النفوس من تأثير روحاني عميق، فيهتدي- بفضله- إلى دين الله من شاء الله له أن يهتدي.

فلقد اجتمعت قريش مرة، وكان فيهم الوليد ابن المغيرة، وكان ذا سنّ فيهم، فقال لهم: يا معشر قريش. إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويردَّ قولكم بعضه بعضاً.

قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل. وأقم لنا رأياً نقول به. قال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع. قالوا: نقول كاهن. قال: لا والله، ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه.

قالوا: مجنون. قال: لا. ما هو بمجنون. لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخلجه ولا وسوسته.

قالوا: شاعر. قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهزجه، وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر.

قالوا: ساحر. قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحَّار وسحرهم، فما هو بنفشهم ولا عقد هم.

قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إنَّ لقوله لحلاوة، وأن أصله لعذق (والعذق هو النخلة ثبت أصلها وطاب فرعها) وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عُرف أنَّه باطل. وإنَّ أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو السحر يفرِّق بين المرء وأبيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته.

هذا واحد من كبار سراة قريش، يشعر بسحر القرآن وتفرده فيما عرف العرب من زمزمة الكهان وسجعهم، أو قريض الشعر مقبوضه ومبسوطه، ويعترف بالحق وهو يشعر في قرارة نفسه فيما اعتقد أنَّه لم يجانب الصواب فيما قاله تعريفاً بما جاء به محمد: إنَّ في قوله لحلاوة.

والواقع أنَّ ما تميَّز به القرآن الكريم من إعجاز البيان، وحلاوة العبارة وإحكام الأسلوب، كان أمضى سلاح في أيدي المسلمين الدعاة إلى سبيل الله فهم يتلون آيات منه فور اجتماعهم إلى من يتوسَّمون فيه القابلية للإيمان، أو هم يتحدَّون به أعداء الله إذ يشددون عليهم النكير ليرغموهم على ترك دين الله، فيشدونهم إلى أخشب في أقتاد، ويحرقونهم فما يستجيب المؤمنون الصامدون لهم. وإنما يتلون كلمات الله، منها يستمدون مزيداً من العزم على الصمود، وبها يثيرون غيظ أعدائهم إذ يعلمونهم تمسكهم بما هداهم الله إليه.

إن بين أيدينا كثيراً من أخبار من اهتدَوا بمجرد سماعهم كلمات الله تتلى عليهم. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يعد في ضلالة الشرك، يعزم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيراه نعيم بن عبد الله فيسأله: أين تريد يا عمر؟ فيقول: أريد محمدًا. هذا الذي فرَّق أمر قريش، وسفَّه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله.

قال نعيم لعمر: والله لقد غَرَّتك نفسك من نفسك يا عُمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلتَ محمداً؟ أفلا ترجع إلى بيتك فتقيم أمرهم؟ وسأل عمر: وأي أهل بيتي.

ويجيب نعيم: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما، وتابعا محمداً على دينه فعليك بهما.

فعاد عمر إلى بيت أخته وختنه، وكان عندها خبَّاب ابن الأرتِّ، يقرئها من صحيفة سورة «طه»، فلما دخل عمر سأل: ما هذه الهيمنة التي سمعت (والهيمنة هي صوت كلام لا يفهم) قالا: ما سمعت شيئاً. قال: بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه.

وتصاعد غضب عمر، فبطش بختنه سعيد، فقامت إليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها فضربها وشجَّها، فلما فعل ذلك صاح به ختنه وأخته: نعم. قد أسلمنا وآمنا بالله فاصنع ما بدا لك يا عمر.

وإذ رأى عمر الدم يغطي وجه أخته ندم على ما صنع، وقال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتك تقرأون منها آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، وكان عمر كاتباً، فقالت له أخته: إنا نخشاك عليها. قال: لا تخافي، وحلف بآلهته ليردنها إليها بعد أن يقرأها، فلما قال ذلك، طمعت في إسلامه فقالت له: يا أخي. أنت نجس. على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر.

فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها سورة «طه» كما قلنا، قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه. فلما سمع خبَّاب ذلك خرج إليه قائلا: يا عمر. والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصَّك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس يقول: «اللهم أيِّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» فالله الله يا عمر.

وقال عمر: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم. وهكذا كان، أسلم عمر رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ما كان من شأنه في نصرة الإسلام والجهاد في سبيله، والقيام على ولاية المسلمين خليفة لأبي بكر. إننا نجد أشياء كثيرة لقصة إسلام عمر، رضي الله عنه، فما يكاد المشرك الكافر يسمع كلام الله حتى ينزل الإيمان بقلبه.

وتلك قصة سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، اللذين كانا من سادة المدينة.

يطلب ابن معاذ من أُسيد بأن يذهب إلى أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير اللذين كانا على دين الله، ليثنيهما عما هما فيه، فقد كان أسعد بن زرارة ابن خالة سعد بن معاذ فرأى ألا يواجهه بنفسه.

ويذهب أسيد بن حضير إلى أسعد ومصعب وهو حامل رمحاً دلالة أنه يريد بهما الشر، فلما رآه أسعد بن زرارة رضي الله عنه قادماً قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق فيه.

فدخل عليهما أُسيد وراح يهددهما قائلاً: اعتزلانا إن كانت لكما بنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره. قال أسيد: أنصفت. وأسند حربته إلى الجدار وجلس إليهما، فتلا عليه مصعب شيئاً من القرآن فقال: وقد بدا على وجهه إشراق الرضى- ما أحسن هذا الكلام وأجمله. كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين قالا له: تغتسل فتَتَطَهّر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق. ففعل مثلما قالا ثم قال: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه. وسأرسله إليكما الآن.

ثم أخذ أُسيد حربته وانصرف عائداً إلى سعد بن معاذ، فلما رآه سعد مقبلاً فقال لمن معه: أحلف أن أسيداً قد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم وعندما وصل أُسيد سأله ابن معاذ عما فعل، فقال له: كلمت الرجلين. فوالله ما رأيت بهما بأساً.

فغضب ابن معاذ، واختطف الحربة من يده وقال وهو يمضي خارجاً: ما أراك أغنيت شيئاً. وتكرر مع ابن معاذ ما حدث مع أُسيد، في أن استمع إلى مصعب بن عمير يتلو له شيئاً من كلمات الله حتى تلاشى غضبه، وأشرق وجهه، ورغب إليهما أن يعلماه كيف يدخل في الدين الجديد، وشهد شهادة الحق، ثم عاد إلى قومه فقال بعضهم إذ رأوه مقبلاً: نحلف أن سعداً، عاد إلينا بغير الوجه الذي ذهب به.

ولما أقبل سعد، وقف فيهم فقال:

- يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟. فقالوا: سيَّدنا، وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة. قال: إنَّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فوالله ما أمسى في ديار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وهم مسلمون ومسلمات.

إنَّ بين أيدينا- كما ذكرت كثيراً من أمثال هذه القصص المؤثرة، التي يبدو فيها فعل كلمات الله في النفوس، فتحيلها في لحظات من الظلام إلى النور. ومن الكفر إلى الإيمان، ولئن لم يتسع لنا المجال الاستعراض مزيد منها فإنه لابدَّ لنا من وقفة قصيرة، نستخلص فيها الدروس الإعلامية التي توحي بها.

ونستطيع تلخيص الأسس والقواعد التي قام عليها الإعلام الإسلامي واستند إليها بالنقاط التالية:

١ - القرآن الكريم.

۲ - الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة والخطب النبوية الموثقة.

٣ - القدوة الحسنة. والقيادة الحكيمة.

4 - عملية الاتصال سواء على النطاق الشخصي أو الجماعي، والدقة في اختيار أسباب الاتصال وأوقاته والمبعوثين، وحسن استقبال القادمين.

5 - ندب المعلمين للإقراء والتفقيه والدعوة.

6 - مواسم الحج.

7 - الغزوات.

ولقد أفاضت كتب السيرة النبوية والكتب التاريخية في شرح وتفصيل هذه الأسس مما يعلم الكثير منه كافة الأخوة الحاضرين، فلا أود أن أطيل عليكم بتكراره في هذا اللقاء، ولكن حسبنا أن نستفيد منها لنبحث في وضع الإعلام الإسلامي في وقتنا الحاضر.

الحلقة السابقة هـــنا

يتبع..

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية - الدوحة – محرم 1400هـ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين