تأملات تربوية في وصايا لقمان الحكيم (5)

 

الأساليب التربوية الموظفة في وصايا لقمان

ومن مظاهر حكمة المربي مراعاته للخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية والمسلكية التي يعيشها المغربي، نلحظ ذلك في الأساليب الآتية:

1-أسلوب الموعظة:

ويتجلى في قوله تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه}.... ويقصَد بالعظة والموعظة هنا النصح والتذكير بالعواقب، قال ابن سيده: هو تذكير للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب. (72)

وأسلوب الموعظة المؤثر يفتح طريقه إلى النفس مباشرة عن طريق الوجدان، ويهزه هزا. ويثير کوامنه(73)، وحين يوجد هذا الأسلوب التربوي فإن الموعظة تكون ذات أثر بالغ في النفس، وتصبح دافعا من أعظم الدوافع في تربية النفوس. ففي النفس دوافع فطرية في حاجة دائمة للتوجيه والتهذيب، كما فيها استعداد للتأثر بما يلقى إليها من الكلام. لذلك فلابد في هذا من الموعظة. فقد لا يلتقط الإنسان القدوة الصالحة، أو قد لا تكفيه بمفردها.. والموعظة وسائل مختلفة لا وسيلة واحدة. والقرآن مليء باللمسات الدقيقة اللطيفة الموحية المؤثرة التي تهز الوجدان وتؤثر فيه بكل وسائل التأثير.

2-أسلوب التودد والمحبة:

ونجده في تكرار الخطاب بقوله: "يا بُنَيّ". وهو نداء المحبة والإشفاق، وأن تصغير "بُنَيّ" للتحبيب والملاطفة والحنو. ويسهم هذا الأسلوب التربوي في نجاح مهمة المربي النفسية والاجتماعية، وهو، أيضا، مظهر من مظاهر التواضع وخفض الجناح للناس على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم. وقد حث المفكرون المسلمون المربي والمعلم على أن يتودد لأفراد مجتمعه، بمن فيهم الأطفال الصغار، وألا يستعمل ألفاظا نابية وجارحة، يقول ابن جماعة: (ولا بأس أن تكلم الأطفال، وتمسح رؤوسهم) (74).

فالتودد إلى الأطفال والحنو عليهم يغذيهم نفسيا بما يحتاجون إليه من حنان وعطف، ولنا في رسول الله صلى الله علیه وسلم الأسوة الحسنة في ذلك.

ويعتبر هذا الأسلوب التربوي، كذلك، من الوسائل الهامة التي استخدمها القرآن لإثارة الدافع للتعلم، وذلك لما يثيره من التشويق لدى المتعلمين، ولما يستدعيه من الانتباه إلى تتبع الأحداث التي تروى وتسرد. وكأن القرآن يبث من خلاله ما يريد أن يبلغه للناس من أغراض دينية متعلقة بالعقائد، أو من عبر وحكم يريد أن يعلمها لهم.

3-أسلوب التعليل والتدليل:

يلاحظ أن لقمان حينما نهى ابنه عن الشرك لم يكتف بمجرد النهي فحسب، بل بين السبب، وأوضح العلة، وشرح الحكمة‘فقال: {لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظیم}، وهذا أسلوب تربوي رصين قوي، يدل على أنه يعطي القيمة لعقول الأطفال والتلاميذ، حيث لا يفرض عليهم المعلومات، بل تشرح لهم مع أسبابها وحكمها، فيكون ذلك أدعى للقبول.

4-أسلوب التنفير من الأعمال المستقبحة:

يبدو هذا الأسلوب واضحا في نصيحة لقمان لولده حيث قال: {ولا تصعر خدك للناس}، {ولا تمش في الأرض مرحا}، {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}.

إن هذا الأسلوب القائم على استهجان الأعمال المستقبحة عامل مهم في التعلم واستيعاب الدروس وفهمها وتعلمها؛ إذ يجعل الأطفال يعدلون عن الأفعال البغيضة، ويتصدون للاستجابات الهجينة، ويقلعون عن سوء الأدب، وبالتالي يتعودون على ضبط سلوكهم، وتقويم تصرفاتهم.

وعليه، فليحرص كل مربٍّ أن يستهجن الأعمال والسلوكيات السيئة في نفوس الأطفال ووجدانهم، وأن يجعل أسلوبه هذا في التقبيح والتنفير أداة تربوية فعالة مشحونة بالمحبة والمودة، وابتغاء الخير والفضيلة.

مجلة الأدب الإسلامي، العدد: 111

الهوامش:

72- لسان العرب، 15/345.

73- منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، 1/187.

74- وصية أبي حنيفة، ص12.

يتبع...

الحلقة السابقة هــنا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين