السيرة بلغة الحب والشعر(3)

فصل: في استمتاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشعر وإنشاده في المسجد

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع لحسان منبراً في المسجد، يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو ينافح، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله) أخرجه البخاري.

وفي رواية أبي داود: (فيقوم عليه (أي على المنبر) يهجو من قال في رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقال رسول الله روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله) أخرجه الترمذي بنحو الأولى.

وعن عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي عن أبيه قال: (ردفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم. قال: هيه. فأنشدته بيتاً، فقال: هيه، ثم أنشدته بيتاً، فقال: هيه حتى أنشدته مائه بيت).

وفي رواة قال: (استنشدني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وذكر نحوه، وزاد فقال: يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن كاد ليسم) وفي رواية (فلقد كاد يسلم في شعره) أخرجه مسلم. وعن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال:

(جالست النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من مائة مرة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت، فربما تبسم معهم). أخرجه الترمذي وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه:

(مر بحسان وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه شزرا، فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله ع يقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس، فقال: اللهم نعم) أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله ابن رواحة يمشي بين يديه ويقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله = اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله = ويذهل الخليل عن خليله

فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خل عنه يا عمر، فَلَهِيَ أسرع فيهم من نضح النَّبْل) أخرجه الترمذي والنسائي، قال الترمذي وقد روي في غير هذا الحديث (أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة في عمرة القضاء، وكعب بن مالك بين يديه) وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير) قال أبو قلابة: يعني النساء.

وفي رواية قال: (كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حادٍ يقال له أنجشة وكان حَسَن الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير) قال قتادة: يعني النساء. أخرجه البخاري ومسلم.

وللبخاري قال: (كانت أم سليم في الثقل، وأنجشة غلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسوق بهن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير).

وللبخاري أيضاً قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسير فحدا الحادي فقال: أرفق يا أنجشة ويحك بالقوارير. ولمسلم بنحو الأولى ولم يذكر (حسن الصوت) وله في أخرى قال (كانت أم سليم مع نساء النبي منه ويسوق بهن سواق فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير) أخرجه البخاري ومسلم.

فصل: في بعض ما تمثل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشعر

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وأصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل). أخرجه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قيل لها: (هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر ابن رواحة ويتمثل ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود) أخرجه الترمذي.

وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اذ أصابه حجر، فعثر فدميت أصبعه فقال: هل أنت الا أصبع دميت؟ وفي سبيل الله ما لقيت) أخرجه البخاري ومسلم.

فصل: في الشعر في خدمة المعركة

عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم قريظة لحسان رضي الله عنه (أهج المشركين فإن جبريل معك) أخرجه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذن حسان ابن ثابت رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هجاء المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فكيف بنسبي؟ فقال حسان: لأسُلّنَّك منهم كما تُسل الشعرة من العجين). أخرجه البخاري ومسلم.

فصل: فيا يحمل عليه ما ورد في ذم الشعر أو في النهي عنه أو في النهي عن الترنم فيه

ورد في الشعر ذم وورد في الشعر مدح وقد استثنى الله عز وجل في سورة الشعراء المذمومين من اجتمع له إيمان وعمل صالح وذكر كثير وانتصار بعد ظلم قال تعالى: ﴿وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ٢٢٤ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ٢٢٥ وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ٢٢٦ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ﴾[الشعراء: 224-227].

وقد رأينا كيف أنَّ الشعر كان في خدمة المعركة ورأينا كيف أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستمع وقد قَصَّت علينا السيرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُجيب على خطيب بخطيب، وعلى شاعر بشاعر.

وكل ذلك يجعلنا نقول: إنَّ ما ورد من ذم في شأن الشعر فإنه يحمل على نوع من الشعر وما ورد من مدح في شأن الشعر فإنه يُحمل على نوع من الشعر، قوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ من الشعر حكمة) أخرجه البخاري وأبو داود.

ومما ورد في ذَمّ الشعر ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأخرجه أبو داوود ولم يذكر (حتى يريه).

وما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً) أخرجه مسلم والترمذي.

وما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله عنه: خذوا الشيطان - لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً) أخرجه مسلم.

فهذا - والله أعلم - محمول على نوع من الشعر من مثل شعر أهل الشرك أو أهل الفسوق أو أنه كان يقال في غير الوقت المناسب.

يتبع....

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية محرم 1400هـ.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين