أحاديث الصيام شرحها، وفقهها (3)

11-فضل وبركة السحور:

أ-أحاديث السحور

-عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فإنّ في السَّحُورِ بركَةً» (1).

وابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل» (2).

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلَةُ السحور» (3).

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ " (4)

وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه  قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما عجَّلوا الإفطار وأخَّروا السحور» (5).

ب- (السُّحُورِ بركَةً)

(السُّحُورِ): هو بِفَتْحِ السِّينِ وبِضَمِّها؛ لأنّ الْمُرَادَ بِالْبَرَكَةِ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فَيُنَاسِبُ الضَّمَّ لأنّه مصدرٌ بمعنى التّسَحُّرِ، أو البرَكَةُ لكونه يُقوِّي على الصَّومِ ويُنَشِّطُ له ويُخَفِّفُ المشَقَّةَ فيه فيناسبُ الفتحَ لأنّه ما يُتَسَحَّرُ به، وقيل: البرَكَةُ ما يُتَضَمَّنُ من الاستيقاظِ والدُّعاءِ في السَّحَرِ.

(بركَةً): والأولى أنّ البَرَكَةَ في السُّحُورِ تحصل بجهاتٍ متعدّدة، وهي اتّباعُ السنّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزّيادة في النّشاط، ومدافعة سوءِ الخلق الذي يُثيره الجوع، والتسبُّبُ بالصّدقة على من يسألُ إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبُّبُ للذِّكر والدُّعاء وقت مظِنَّةِ الْإِجَابَةِ، وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ.

قال ابن دقيق العِيد: هذه البَركةُ يجوز أن تعود إلى الأمور الأخرويّة، فإنّ إقامة السنّة يُوجب الأجر وزيادته.

ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدُّنيويّة كقُوّة البدن على الصّوم وتيسيره من غير إضرارٍ بالصّائمِ. قال: وممّا يُعَلَّلُ به استحبابُ السّحورِ المخالفة لأهل الكتابِ لأنّه ممتنعٌ عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزِّيادة في الأجور الأخرويّة.

قال النووي: فيه الحثُّ على السّحُور، وأجمع العلماء على استحبابه، وأنّه ليس بواجبٍ، وأمّا البركة التي فيه فظاهرةٌ؛ لأنّه يقوِّي على الصّيام ويُنشِّط له، وتحصل بسببه الرّغبة في الازدياد من الصّيام لخفّة المشقّة فيه على المتسحِّر. فهذا هو الصّواب المعتمد في معناه. وقيل: لأنّه يتضمّن الاستيقاظ والذِّكر والدُّعاء في ذلك الوقت الشّريف، وقت تنزُّل الرّحمة وقبول الدُّعاء والاستغفار، وربّما توضّأ صاحبُه وصلّى، أو أدامَ الاستيقاظ للذِّكر والدُّعاء والصّلاة، أو التأهُّب لها حتّى يطلُعَ الفجر.

ج- (وَقتُ السحور):

يدخل وقت السحور من نصف الليل، فالأكل قبله ليس بسحور، فلا تحصل به السنة، ويُسنّ تأخيره وتقريبه من الفجر ما يسع قراءة خمسين آية، لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحّرنا مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟

قال: قدر خمسين آية» (6).

د- (بمَ يحصل السَّحُور):

يحصل السّحورُ بأقلِّ ما يتناولُه المرء من مأكول ومشروبٍ. وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد الخُدرِيِّ  بلفظ: «السُّحُورُ بَرَكَةٌ فلا تَدَعُوهُ ولو أنْ يجرَعَ أحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ ماءٍ، فإنّ الله وملائكتَهُ يُصَلُّونَ على المتسَحِّرِينَ» (7).

ولسعيد بن منصورٍ من طريقٍ أُخرى مرسلةٍ: «تَسَحَّرُوا ولو بِلُقْمَةٍ».

هـ-تأخيرُ السّحُورِ وفوائده:

عن سهل بن سعدٍرضي الله عنه قال: كنتُ أتسحَّرُ في أهلي ثمّ تكون سُرْعَتِي أن أُدْرِكَ السُّجُودَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم (8).

قال عِيَاض: مُراد سهل بن سعد أنّ غاية إسراعه أنّ سحورَه لقربه من طلوع الفجر كان بحيث لا يكاد أن يدركَ صلاة الصّبح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولشدّة تغليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصّبح. وقال ابن المنيِّرِ في الحاشية: المرادُ أنّهم كانوا يزاحمون بالسّحور الفجر فيختصرون فيه ويستعجلون خوف الفوات.

-عن أنسٍ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحّرنا مع النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قام إلى الصّلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسّحور؟ قال: قَدْرُ خمسين آيةً (9).

(قال: قَدْرُ خمسينَ آيَةً). أي متوسّطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة.

قال المهلّبُ وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تُقدِّرُ الأوقات بالأعمال كقوله: قَدْرُ حَلْبِ شاةٍ، وقَدْرُ نَحْرِ جَزُورٍ.

فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التّقدير بالقراءة إشارة إلى أنّ ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة، ولو كانوا يُقدِّرون بغير العمل لقال مثلاً قدر درجة أو ثلث خُمُس ساعة.

وقال ابن أبي جَمرَةَ: فيه إشارة إلى أنّ أوقاتهم كانت مُستغرقةً بالعبادة.

وفيه: تأخير السّحور لكونه أبلغ في المقصود.

قال ابن أبي جَمْرةَ: كان صلى الله عليه وآله وسلم ينظرُ ما هو الأرفق بأمّته فيفعلُه لأنّه لو لم يتسحّر لاتّبعوه فيشُقُّ على بعضهم.

ولو تسحّر في جوف اللّيل لشقّ أيضاً على بعضهم ممّن يغلب عليه النّوم فقد يُفضي إلى ترك الصّبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسّهر.

وقال: فيه أيضاً تقوية على الصّيام لعموم الاحتياج إلى الطّعام ولو تُرك لشقّ على بعضهم ولا سيّما مَنْ كان صفراويّاً فقد يُغشى عليه فيُفضِي إلى الإفطار في رمضان.

قال: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بِالمؤاكلة، وجواز المشي باللّيل للحاجة، لأنّ زيد بن ثابت ما كان يَبِيتُ مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

وفيه الاجتماع على السُّحور.

وقال القرطبيّ: فيه دلالة على أنّ الفراغ من السّحور كان قبل طلوع الفجر.

الحلقة السابقة هـــنا

 

(1) أخرجه البخاري (1823).

(2) أخرجه ابن ماجه (1763).

(3) أخرجه أبي داود (2343).

(4) الترمذي (2665) وأخرجه أبو داود (3648) » مسند أحمد ط الرسالة (17/ 150)11086

(5) مسند أحمد (11384).

(6) البخاري (1921)

(7) مسند أحمد ط الرسالة (17/ 150)11086

(8)- أخرجه البخاري (1820).

(9) أخرجه البخاري (1821).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين