لا جديد عن ابن تيمية

التعليق على استتابة ابن تيمية

 الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد:

فقد وقع السؤال عن قضية استتابة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكتب في هذا المعنى بعض الغلاة عليه يرومون إثبات أشعريته التي رجع إليها في زعمهم، وبإزائهم كتب بعض المتعصبين له ما ظاهره نفي ذلك أصلا، فوقع في كلام الفريقين من التعسف وازدراء المخالف ما هو مذموم للشارع ولا يحمده عاقل منصف. 

وهذا النافي إن قصد تكذيب وقوع الاستتابة فهو غالط بيقين، فقد أثبتها الحافظ ابن حجر وغيره، ونقلت عن خط ابن تيمية وخطه معروف لا يتمارى فيه فإنه كان رديء الخط مستغلقه، حتى إن ابن تيمية نفسه كان يتعذر عليه فك خطه، وكان كاتبه أبو عبد الله بن رشيق هو من يفكه للناس وينسخه لهم وكان يستعين به ابن تيمية على ذلك.! 

وإن قصد أنه أُكره على التوبة فهو متَّجه ويؤيد ذلك أن ابن تيمية لو صحَّت توبته طائعًا غير مكره لصنف في ذلك، وهذا لا وجود له، بل الموجود أنه صنَّف بعد الاستتابة ما يناقضها، فإن الاستتابة وقعت سنة 707 وقد صنف ابن تيمية (شرح عقائد الأصفهاني) في سنة 712 وفيها ما يضاد الذي وقع بمحضر الاستتابة فيدل على أنه قد يكون أُكره على التوبة. 

على أن الاستتابة مأثورة في تاريخ التعصب من الطرفين، وقد وقعت من الحنابلة لغيرهم من مخالفيهم، كما استتاب الغلاة من الحنابلة ابنَ عقيل، بل رجموا ابن جرير الطبري بالحجارة، واعتدوا على أبي نعيم الحافظ الأصبهاني، وهمُّوا بقتل الحاكم النيسابوري حتى استتر، وهمُّوا بالحافظ الخطيب ورموه بالعظائم حتى فرَّ إلى دمشق، وغير ذلك، بل نظم الرستمي منهم يقول:

الأشعريةُ ضُلّال زنادقة ... إخوان من عبد العُزى مع اللاتِ

بربـهم كفروا وقولهمُ .............. إذا تدبرته أسوا المقالاتِ

ينفون ما أثبتوا عوداً لبدئهم ... عقائدُ القوم من أوهى المحالاتِ

وقد نقضها عليه بعض الأشعرية فقال:

كفراً بعلمك يا ابن رستمَ كله ... وبما حويتَ سوى الكتاب المنزلِ

لو كنتَ يونس في رواية نحوه ... أو كنتَ قطرب في الغريب المشكلِ

وحويتَ فقهَ أبي حنيفة كله .......... ثم انتميتَ لرستم لم تنبلِ

لكن عقلاء الفريقين وعلماءهم لا يرتضون هذا، بل ينكرونه، وقد قال ابن تيمية: (يعلم الله ومن شاء من إخواننا أننا من أعظم الناس قيامًا في السعي للتأليف بين الأشعرية والحنبلية) ونحو هذا الكلام، ولا ريب أنه أنكر ما قام به أصحابه من ضرب الفقيه أبي الزهراء المالكي، وتعصبهم على الأخميمي ومن خالف ابن تيمية، كما أن عقلاء الأشعرية لم يرضوا بصفع الحنابلة بمصر ولا رضوا بما فعله القاضي المالكي بابن مري الحنبلي من الضرب، والمقصود أن وقوع هذه التوبة من غلاة الأشعرية على ابن تيمية مكرها غير مستنكر.

وينبغي التفريق في هذا المقام بين ما ينفرد به الفخر الرازي ونحوه ممَّن له اختيارات، وبين نفس العقيدة الأشعرية التي هي مذهب قائم رصين تصدَّى لشبهات النصارى واليهود والملل وأسَّس عقيدة يمتزج فيها النقل الصحيح بالعقل الصريح -عند من انخلع عنه رداء التقليد لشيوخه ودرس الأشعرية من مصادرها بعيداً عن سوابق الأفكار- ولا يسوغ محاكمتها إلى تفرد الرازي أو غيره كما أن الحنبلية مذهب رصين أصيل لا يسوغ رميه بالشذوذ لتفردات ابن تيمية ونحوه.

وأما ما عند الفريقين من الغلط في المسائل بحسب نظر كل منهم، فليس ينبغي إطلاق الأحكام على وَفقه جزافًا بحيث يفضي إلى إكفار المخالف أو تبديعه، والواجب حصر هذه المباحث في الأروقة العلمية وتنزيلها منزلة مسائل الخلاف، فإن النظر فيه بحر لا ساحل له، وهي بقول أبي تمام أولى:

ولو كان يفنى الشعرُ أفناه ما قرت...حياضُك منه في العصور الذواهبِ

ولكنه صوبُ العقول إذا انثنت ......... كتائبُ منه أُتبعت بكتائبِ 

بل الحنابلة ينفون عن المذهب ما اختاره ابن تيمية وانفرد به ولا تلتحق اختياراته التي انفرد بها بالمذهب عند حذَّاق الحنابلة، وقد صنَّف ابن صوفان جزءاً في هذا المعنى أسماه (المنهج الأحمد في درء المثالب التي تُنمى لمذهب أحمد) فهذا كذاك. 

وعامَّة ما كتبه ابن تيمية في نقد الأشعرية قد رد عليه فيه الأشعرية، لكن عامَّة السلفيين يتحامون من النظر فيه إما خوفًا من رمي شيوخهم لهم بالبدعة، أو لأن عقولهم غلقت على ما قرَّره لهم شيوخهم من تحريم النظر في كتب الكلام. 

وما يتعلق من مقالات ابن تيمية بأجزاء الفلسفة والكلام فقد زلَّ في بعضه ابن تيمية وأخطأ الجادة، فهو يبني مذهب القوم فيها على ما فهمه، فيتأسَّس النظر الفلسفي عنده على الخطأ في فهمه، ولما وقف العلامة مستجي زاده على كلامه في هذا المعنى قال: (هذا كلام رجل واسع الاطلاع إلا أنه كثير الزلل لأنه أخذ الفلسفة من الصحف ولم يتلقها عن الشيوخ). 

وابن تيمية معظِّم للأشعري وأصحابه في الجملة ولا سيما أصحابه المتقدمين لكنه في متأخِّريهم كالغزالي والفخر والإمام والخسروشاهي ونظرائهم، يتردد كلامه بين النقد العلمي تارة، وبين التعسف والتعنُّت عليهم تارة أخرى، وهذا راجع إلى مؤثر نفسي يهيج لابن تيمية تارة فيندفع في إطلاق عبارات فجَّة ويسرف في البحث، وإذا سكن انحدر في كلام هو الغاية في التحقيق والإنصاف. 

فالرجل له ما يؤثِّر عليه من الواقع الذي عاشه من سجن وقهر وحرمان وعداوة وحسد، ولهذا يستحسن للدارسين له أو لغيره من الأعيان مراعاة هذه المؤثِّرات النفسيَّة في اختياراته ومواقفه، وهو مع غيره سواء في هذا كقول القائل:

كم كنتُ أكتم نارَ الغيظ محتسبا...وكم صبرتُ على من كان آذاني

لي مبدأٌ في التغاضي لا أُبدّله ... إلا إذا ما تمادى الجاهلُ الجاني

هل تحسبون فؤادي كان من حجر...أو أنني مَلَكٌ من عالم ثاني

لي مثلكم قلبُ إنسان يطاوعني...حينا ويخذلني في بعض أحياني

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن تيمية نفسه، فإنه قال: (من سألني متعنِّتًا حاققته، ومن سألني مستفيداً حقَّقت له). ولما ضاق به السجن كتب إلى أمه لتشفع له عند الناصر في إطلاقه، وقد كان يُطلب من خصومه بالانتقام، كما يشعر به جواب ابن جماعة حين سئل عن فتياه بسجن ابن تيمية، فقال: (السجن مصلحة له)! وقد ألمع بعضهم إلى احتمال سمِّه في السجن، فهذا ونحوه ممَّا يؤثر في الرجل ونظره ومواقفه. 

وما أجود ما دبجه يراع صاحبنا الدكتور محمد الوليد (البيان في الخصومة بين ابن تيمية وأبي حيان) فإنه اعتبر ملاحظة ما وقع للرجلين من المؤثرات النفسية في الحكم على ما وقع بينهما، وأما ما يطلقه الغلاة من أنه كسر الأشعرية ونسف المتكلمين والمنطقيين، وقهر الصوفية، وعجن النحاة ونظير هذا من الهمط، الذي هو نفاخات صابون، فهذا إنما يقوله الأحداث والأغمار أو الغلاة، ويربأ عنه العلماء العقلاء من المنصفين. 

كما يربأ العلماء عن مثل الكلام الفج الذي يطلقه المتقفرون للعلوم الدخلاء فيها كالسقاف في ابن تيمية، بتجهيله تارة، وتصويره على أنه إرهابي تارة أخرى، أو بأنه كان نزّاعا للرياسة والدنيا، وهو سفه وطيش ينبغي أن يؤدبوا عليه، ويمنعوا من الاستطالة في أعراض أمناء الله على شرعه، والتنفير عن كتبهم، ولا سيما مثل ابن تيمية في جهاده وقيامه بالحق والعلم بما عزَّ وجوده إلا من الأفراد، ولو حفظ السقاف ما نسيه ابن تيمية من العلم لصار به عالما، وفي ابن تيمية قال اليماني:

أتته زهرةُ الدنيا وهي راغمة ... فردّها وتمادى في تجنُّبهِ

وغيره بذل الدينَ المكرّم في ... تحصيلها وتناهى في توثُّبهِ

وفي كتبه وتصانيفه يقول:

هذي تصانيف هذا الشيخ سائرة...بشرق ذا الكون لا تخفى ومغربهِ

صفو بلا كدر طابت مواردها ... لذيذة كجنى نحل وأعذبهِ

دليلها النقل والآيات ساقتها ... والعلم يعرض فيها خيلَ موكبهِ

لكن عيون العِدا تُبدي المحاسن في...ثوب المساوئ فاعجبْ من تقلُّبهِ

وليس هو بالصورة الخيالية التي يصورها له الغلاة من أتباعه المتأخرين؛ الرجل الخارق الذي لا يغلب في مناظرة كما يظنه الساذج من مقلِّديه المتأخرين، مع أن ابني التلمساني قطعاه في مناظرة شدِّ الرحل، وقطعه ابن الزَّمْلَكاني وغيره، وتـهيّب ابن تيمية من مناظرة العلاء الباجي لما رأى من فرط اطِّلاعه وعلمه في المعقولات. 

وقال له الصفي الهندي في مناظرته: (أنت كالعصفور تفر من غصن إلى غصن) فقال خصومه: أراد أنه إذا نوظر وأُلزم الحجَّة تبرم مما قاله ونفاه عن نفسه، كما حكى الحافظ ابن حجر أنه كان إذا حوقق على قول نفاه عن نفسه أن يكون قاله، وقال أتباعه: بل أراد أنه لسعة علمه لا يقتدر على إلزامه الحجة. 

ومن الطريف أن بعض غلاة أتباعه كتب لتأييد هذا القول بأن الصفي الهندي لم يكن يحفظ القران فكيف ينتهض لقطع ابن تيمية وإلزامه الحجَّة وهو دونه في العلم، فأجبته بأن الألباني عندك أعلم من الغزالي المصري، ومع هذا فالألباني رحمه الله لا يحفظ القرآن، بل لا يقيم تلاوته على رسم أهل الأداء، وأما الغزالي فلا يحصى كم مرة ختم القران من حفظه في طريقه إلى الأزهر، كما أفاده الشيخ حسن الشافعي في (تذكرته) على أن حفظ القران ليس من شرط المجتهد عند الجمهور خلافا للشافعي وابن تيمية، فما أكثر حفاظ زماننا للقرآن وما أقل الفقه فيهم في كتاب الله.

وقد ساعدهم على هذا الإطلاقات والتصورات المبالغ فيها، عبارات تسامح في إطلاقها بعضُ من ترجم لابن تيمية على طريق المبالغة والإفراط في التعظيم، كقول الذهبي: (كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث) مع أن خطأ ابن تيمية في الكلام على أسانيد الأحاديث، فضلا عمَّا لا يعرفه من الحديث كثير، ولا سيما في كتاب (الرد على ابن المطهر) وقد تعقبه في هذا بعض الحفاظ كابن حجر وغيره.

وقد نقل الحافظ وغيره أن الحافظ أبا الحجاج المزي كان يبالغ في تعظيمه والثناء عليه، حتى كان يقول: (لم يُر مثله منذ أربعمائة سنة) ونحوه لابن الزَّمْلَكاني، وكذلك كان أخوه ابن تيمية الشيخ شرف الدين يبالغ في تعظيمه جداً، وكذلك المشايخ العارفون، كالقدوة أبي عبد الله محمد بن قوام، ويحكى عنه أنه كان يقول: (ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية) وعن ابن دقيق العيد: (ما أظن الله بقي يخلق مثله) فتأمل كيف أن من نقلها نسب القائل للمبالغة.

ولا نزاع في فرط اطلاع ابن تيمية وسعة علمه، لكن الإشكال عند هؤلاء الصورة الخيالية للرجل الخارق في أذهانـهم لابن تيمية، وقد رأيت مقالا ساذجاً كتبه شيخ يقال له السكران، وهو الغاية في الغلو بحيث إنَّ من طالعه من الأحداث انطبع في ذهنه خيال أن ابن تيمية أرفع من الأئمة المجتهدين رتبة وعلما، ومثل هذه المقالات سببها غير ما تقدم الغلو في التقديس والخيال الذهني، الجهلُ بأحوال العلماء وطبقاتـهم في المعارف والعلوم ومراتبهم، ولا يقول هذا من يعرف الكمال ابن يونس الذي كان يدرّس أهل الذمَّة التوراة والإنجيل، وليس في علوم الإسلام علم لا يعرفه، ولا من يدري أبا الوليد الوقشي عالم الزمن الذي قيل فيه:

وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالمَ في واحد

ولا من يعرف ابن جرير الطبري والسيرافي وأبا جعفر البحاثي ومن دونـهم كصاعقة العلوم الطوفي والبهاء السبكي الذي كان يعرف عشرين فنًّا لا يعرفها غيره، وابن جماعة الذي برع في ثلاثين علما، وابن المرحل وابن القوبع ونظراءهم كثير، فضلا عمن بعدهم كالعلامة المجدد إبراهيم الكوراني، من قيل فيه: (واحد الدنيا في المعارف)، والعلامة ابن عبد الرسول البرزنجي، والفاسي الذي نظم أزيد من (200) علم، وكل هؤلاء وغيرهم ممن قيل فيهم:

وكان من العلوم بحيث يقضى ... له في كل فن بالجميعِ

وما أجود ما قال الصفدي: وعلى الجملة، فكان الشيخ تقي الدين بن تيمية أحد الثلاثة الذين عاصرتـهم، ولم يكن في الزمان مثلهم، بل ولا قبلهم من مئة سنة، وهم الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وشيخنا العلامة تقي السبكي. وقلت في ذلك:

ثلاثةٌ ليس لهم رابعُ ... فلا تكنْ من ذاك في شكِّ

وكلهم منتسبٌ للتقى ... يقصُر عنهم وصفُ من يحكي

فإن تَشَا قلتَ ابنَ تيمية ... وابنَ دقيق العيد والسبكي

وللحافظ الذهبي جزء (أربعة تعاصروا) يسوق فيه من تعاصر من الأقران في طبقة واحدة، وتميَّز عنهم بعلم أو فن، وذكر فيه أربعة في زمانه هم قال: (ما رأيت أحفظ منهم: ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي، فالأول أعرفهم بالعلل وفقه الحديث، والثاني بالأنساب، والثالث بالمتون، والرابع بأسماء الرجال).

ويمكن أن نقول: (أفقههم بالفقه والأصول ابن دقيق العيد، وأحفظهم الدمياطي، وأعلمهم بالحديث المزي، وأجمعهم للعلوم ابن تيمية) على أنه قد شارك ابن تيمية في استجماع العلوم غيره من أهل عصره كالسبكي والطوفي وابن المرحل وغيرهم.

وقد سمعنا الغلو في ابن تيمية من بعض الغلاة، وهم معذورون؛ لأن مغالاة بعض شيوخهم في شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه جعله فوق الخطأ، حتى إنك لتجادل الواحد منهم في مسألة فتقيم عليه جمهرة الدلائل ولا يقتنع، فإذا قلت له: هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، بـهت وأذعن لك....

ومن اعتزل عصبيَّة الطوائف؛ نبذ عنه طعون الجفاة في ابن تيمية وغمصهم لعلو شأنه في المعارف، ومحا عن عقله تلك الصورة الخيالية الخارقة التي يبالغ بـها الغلاة فيه، فيقنعون أنفسهم بتصورها عن تصور كلامه وتبصُّر مواقع الخلل في دليله، وتمييزها عن مواقع الصواب، ولا ينقضي العجب من كلمة ابن الحصار: (ثلاثة رجال حرم الناسُ بالتعصب عليهم من الانتفاع بـهم: ابن حزم وابن عربي وابن تيمية). 

ومن ارتقى منهم في الاستبحار في المعارف، ظهر له أن كثيراً من مقالات ابن تيمية ولا سيما في الكلام والرد على الملل والطوائف المخالفة؛ تلخيص وبسط لمقالات من تقدمه مع زيادة فتح الله له بـها، فإن من كلامه في أعمال القلوب ما هو ملخص من مقالات الشيخ محيي الدين ابن العربي وغيره مع مزيد بسط، ومقالاته في الرد على الملل والأهواء تلخيص مع مزيد بسط من كلام الأشعري والباقلاني والغزالي ونظرائهم، وكلامه في المقاصد والعلل الحكمية تلخيص وبسط لكلام العز والقرافي ونحوهم، بل عامة ما انفرد به من الفتاوى التي ينسب إليه فيها الميل للتيسير ومراعاة مقاصد الشارع، قد تقدَّمه إليه فيها عالم مثل فتاوى الطلاق وغيره.

ومن قبيح تناقضات الغلاة من أتباعه دون العقلاء منهم، أنـهم يمتدحونه بـهذه المقالات واختراعها، حتى إذا نُبز فيها بالشذوذ واضطروا للذب عنه، قالوا: لم ينفرد بـها.! 

وقد كان عالم اليمن المقبلي يرفع ابن تيمية على ابن دقيق العيد من جهة أن ابن تيمية مع كل ما وقع له من الحرمان وضيق الحال صنَّف وجاهد وقام بأمر الدين بخلاف غيره، وكان يقول: إن ابن تيمية يخطئ لسعة علمه وغيره يخطئ لتقصيره في العلم يريد لأنه لم يشتغل بالدنيا والأهل وتجرد للبحث فاطلع على ما لم يطلع عليه أقرانه في الغالب.

والإشكال أن بعض غلاة الكتَّاب من الأشعرية يظلمون ابن تيمية، والغلاة من كتَّاب السلفية يبخسون فضلاء الأشعرية من خصوم ابن تيمية، وهذا يثير المخالف لابن تيمية ويدفعه للعصبيَّة عليه وما هكذا تورد الإبل.

والذي يتعيَّن فهمه وعقله وغرسه في المتفقهين، أن هذا الدين شرع الله، وهو أعظم من أن ينحصر في واحد أو طائفة أو مذهب، لكن خساسة الهمم وتدني العقل في دركات التقليد، شغفًا بالمذهب المعيَّن أو الشيخ المعيَّن، يدفع إلى ضيق العطن، فينماع الحق في معامع العصبيات كما ينماع الملح في الماء، ويختلط الأمر على عوام المتفقهين، ويقنع كل فريق بقسمه وحظه، فيتشعَّب الشقاق، ويتسع الخرق على الراقع.

وقد كان ابن تيمية كثيراً ما يتمثل بقول القاضي أبي حامد المروروذي الشافعي الذي كان إذا رأى تراجع المتكلمين في مسائلهم وثباتـهم على مذاهبهم بعد طول جدلهم، ينشد:

ومَهْمَهٍ دليلُهُ مطوّح ... يدأبُ فيه القوم حتى يطلحوا

ثم يظلون كأنْ لم يبرحوا ... كأنما أمسوا بحيثُ أصبحوا.

تنظر هنا مقالة: توبة ابن تيمية هـــنا

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين