آداب وسائل الاتصال الحديثة (4)

آداب الرسائل 

آداب الرسائل النصية

البدء بالسلام

ونعني بها الرسائل مدفوعة الأجرة، غير تلك المجَّانية التي وفرتها برامج الاتصال الحديثة، وهذه ينبغي أن يكون شعارنا فيها قول العرب: خير الكلام ما قلَّ ودل، وينبغي أن نبدأها بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن لم يمكن للاختصار، فلنقل: السلام عليكم. لئلا نفوت بركة السلام من الله وملائكته، وليكون التزاماً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلون الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابَوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم.

الرجاء والشكر

وإذا كانت الرسالة النصية تتعلق بأمر تريده أو حاجة ترغبها من المتلقي، فابدأها بعد السلام بالرجاء، وزينها باللطف الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. وشتان بين قولك: أحضِرْ معك كذا وكذا. وقولك: لطفاً أو رجاءً أحضِرْ معك كذا وكذا. وإن كان ثمة متسع، فاختم رسالتك بكلمة: شكراً. أو: جزاك الله خيرا.

آداب المراسلة البريدية

البريد الإلكتروني

إن للبريد الإلكتروني مزايا كثيرة في المجاملات الاجتماعية والمراسلات التجارية والمباحثات العلمية، وقد حل محل الرسائل الخطية البريدية التي ندر تبادلها واضمحل شأنها، وأول هذه الآداب اختيار الاسم المناسب لحسابك البريدي، فاسم بريدك إنما هو عنوان شخصيتك، فلا تختر إلا اسماً راقياً كريماً عربياً بعيداً عن التفرنج، ولا تختر ما يدل على إعجاب بأشخاص لا خلاق لهم في الآخرة، أو فِعال ليست من شيم الكرام والصالحين.

عيوب البريد الإلكتروني

وللبريد الإلكتروني عيوب منها هزال اللمسة البشرية فيه، فالرسالة بخط مرسلها أوقع في النفس كثيراً من رسالة بنفس النص يحملها الحاسوب إليك، ففي الخط اليدوي قطعة من الإنسان، وأثر من شخصية صاحبه ولمحة من نفسيته، ولذا فإني أستحسن، إن أمكن ذلك، إرسال الرسائل الخطية في المناسبات الاجتماعية كالزواج والولادة والمرض والوفاة.

لا ترسل رسالة وأنت غضبان

على أن أخطر عيوب البريد الإلكتروني هي أنه إذا أرسلته فقد فاتك استرجاعه، وما بَدَرَ منك من خلاله قد يصعب استدراكه، ولذا فإن القاعدة الأولى فيه هي ألا يرسل المرء رسالة وهو غضبان، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الشديد القوي من يملك نفسه عند الغضب، كما أرشدنا إلى الوضوء والصلاة وتغيير الحال عند الغضب، فعلينا اتباع ذلك الهدي النبوي الشريف قبل أن نرسل رسالة على إثر خصومة أو خلاف أو استقالة أو واقعة مزعجة من رئيس أو مرؤوس أو قريب أو بعيد أو صديق أو جار.

واعلم أن ما تريد إرساله اليوم وأنت ثائر غضبان، يمكنك إرساله في الغد بعد فتور الغضب وسكون الهيجان، وقد قال الشاعر العربي:

ولم أر في الأعداء حين اختبرتُهم ... عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب!

وإذا أردت أن ترسل رسالة من هذا القبيل، فتريث وشاور في أمرها من تثق بدينه وعقله، واعرضها قبل ذلك على ميزان الشرع والعقل لئلا يكون فيها للشيطان نصيب، ولا للنفس الأمارة بالسوء حظ، ففي الحديث المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة وعن الإمام علي رضي الله عنه: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.

وقد رأينا بعض الناس إذا أرسلوا رسالة من هذا النوع، أرسلوها إلى عدد من الأشخاص تشفياً وانتقاماً، وهذا سلوك مكروه يدخل في باب الغيبة المذمومة، ويعمق العداوة والبغضاء، ويسعد الشيطان وأعوانه.

وضوح الرسالة وتسلسلها المنطقي 

وإذا أرسلت رسالة رسمية أو شبه رسمية، فلتكن أفكارك وما تعرضه فيها واضحاً لا غموض فيه، ولا يمكن أن يدخله لبس أو اشتباه، والتفصيل هنا خير من الاختصار، وراعِ أن تكون رسالتك مبنية على المنطق المتسلسل، فلا يحتاج قارئها إلى التنقل بين أجزائها ذهاباً وإياباً ليعرف الوقائع أو يربط بين المقدمات والنتائج، واجعل لها موضوعاً يعرِّف بغرضها، فذلك كله مما تعلمناه من القرآن الكريم، حيث كل مجموعة من الآيات لها موضوعٌ محدد، وتسلسل منطقي واضح، وربط بين المقدمات والنتائج، وغايةٌ توصل القارئ إليها.

مراعاة قواعد اللغة العربية وعلاماتها

وراعِ في رسالتك قواعد اللغة العربية وعلامات الضبط والتنقيط، واضبط ما ينبغي ضبطه بالشكل، وإذا داومت على ذلك صار سجية لديك، وتميزت رسائلك عن غيرها بالوضوح والإتقان.

ونقتصر على هذا القدر فيما يتعلق بالرسائل، لكونه ألصق بها فيما انتهى إليه استعمالها، وسنتناول جوانب أخرى عند حديثنا عن وسائل الاتصال الحديثة بعد قليل.

مراجعة المقالات والكتب والعقود

وإذا كانت الرسالة مقالة أو كتاباً أو عقداً يراجعه طرف أو أكثر، فينبغي إظهار المحذوف والمستبدَل والبديل بما توفره برامج الحاسوب من مزايا عديدة، وذلك تأسياً بأجدادنا الكرام الذين استحدثوا وضع خط فوق الكلمة أو تضبيبها بكلمة صح صح، أو غيرها من الرموز، فكانوا شامة بين الأمم في تقدمهم على أقرانهم في أزمنتهم وعصورهم.

قال ياقوت الحموي رحمه الله تعالى في معجم الأدباء: وإنما قصدوا بكتبهم على الحرف "صح"، أنه كان شاكاً في صحة اللفظة، فلما صحت له بالبحث، خشي أن يعاوده الشك، فكتب عليها "صح"، ليزول شكه فيما بعد، ويعلم هو أنه لم يكتب عليها صح إلا وقد انقضى اجتهاده في تصحيحها، وأما الضبة التي صورتها (ص) فإنما هو نصف صح، كتبه على شيء فيه شك، ليبحث عنه فيما يستأنفه، فإذا صحت له أتمها بحاء، فيصير صح، ولو علَّم عليها بغير هذه العلامة، لتكلف الكشط، وإعادة كتبه صح مكانها.

وقال ياقوت في ترجمة ابن الكوفي، علي بن محمد بن عبيد بن الزبير الأسدي، صاحب الإمام اللغوي ثعلبٍ والخصيص به، والمولود سنة 254 والمتوفى سنة 384: وهو صاحب الخط المعروف بالصحة، المشهور بإتقان الضبط وحسن الشكل، فإذا قيل: نقلتُ من خط ابن الكوفي، فقد بالغ في الاحتياط، وخطه اليوم يؤتدم به، وبيعت جزازات كتبه ورقاع سؤالاته العلماء؛ كل رقعةٍ بدرهمٍ. ثم قال ياقوت: ورأيت بخطه عدة كتبٍ فلم أر أحسن ضبطاً وإتقاناً للكتابة منه، فإنه يجعل الإعراب على الحرف بمقدار الحرف احتياطاً، ويكتب على الكلمة المشكوك فيها عدة مرارٍ: صح صح صح.

وإذا كانت المراجعة تدور بين أطراف متعددة، فيستحسن أن يوكلوا لأحدهم مهمة تحرير هذه المراجعات وصياغتها، وعليه أن يتحرى الدقة والأمانة في عمله، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾.

الحلقة الثالثة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين