آداب وسائل الاتصال الحديثة (3)

آداب استعمال جهاز الهاتف

إعدادات الجهاز وتنبيهاته

اختر لجهازك رنَّة أو تنبيهاً يلائم شخصيتك المسلمة السوية الفاضلة، وراعِ أن تجعله صامتاً أو هزازاً تنبهاته أو عند الكتابة، وذلك في المناسبات التي تقتضي ذلك، مثل زيارة مريض أو تعزية بوفاة أو في أوقات النوم والراحة، ومثل ذلك في الاجتماعات سواء كانت للعمل أم للمناسبات الاجتماعية، فإن ذلك من حق من حولك عليك، لتبتعد عن إزعاجهم أو تشويش اجتماعهم.

التشاغل بالهاتف في الزيارات

إن التشاغل بالهاتف في الزيارات الاجتماعية واللقاءات الأخوية من أسوأ العادات التي طرأت، لأن من تشاغل به يقول لمن حوله بلسان الحال: إن اجتماعي بهاتفي أهم من اجتماعي بكم! فعلينا أن نعوِّد أنفسنا وبخاصة شبابنا أن يتركوا هواتفهم في المناسبات الاجتماعية ويصيخوا سمعهم ويستنفروا عقولهم لسماع ما يقال والاستفادة منه والمشاركة فيه، ففي كل حديث فوائد لمن أراد أن يستفيد، فمن حضر مجلساً ودار فيه حديث لم يعجبه مضمونه أو أسلوبه، فإن فيه توجيهاً له ليتجنب ذات المزالق ويتعلم ما يقال وما لا يقال وكيف يقال. 

وعلى من يدير هذه الاجتماعات من صاحب الدعوة أو كبير القوم أن يدعو كل من حضر ليكون له نصيب من المشاركة وإبداء الرأي، وأن يختار المواضيع التي تهم جميع الحضور، فإن أول تشرذم الاجتماع هو اختيار موضوع للحديث لا يكون مرغوباً فيه أو مناسباً لكل الحضور.

وقد ابتدع بعض العقلاء بدعة حسنة، إذ لاحظ استحكام هذه العادة الذميمة، وهي أن يترك المدعوون لديه هواتفهم لدى الباب، ويأخذوها إذا غادروا بعد انتهاء الجمع.

وقت الاتصال

كن حصيفاً في اختيارك لزمان اتصالك ومكان من تتصل به، فلا تتصل في أوقات الراحة التي حددها القرآن الكريم أو صلاة الجماعة، وأوقاتُ الراحة قد تختلف قليلاً باختلاف البلد والعرف والعادة ، ويمكن أن نحاول تحديدها فنقول: لا تتصل بأحد قبل الثامنة صباحاً، وبين الثانية وبين الرابعة بعد الظهر، وبعد التاسعة ليلاً.

ولا تتصل بأحد عقب الأذان لإحدى الصلوات، فقد يكون في المسجد يصلي مع الجماعة، فيكون اتصالك مزعجاً للمصلين وشاغلاً لمن اتصلت به، وإن كان يصلي في بيته أو عمله فقد شوشت عليه صلاته.

مكان المتصل به

و قبل أن تتصل تأمل مكان من تتصل به، فلا تتصل بمن هو في عمله إن كان حديثك معه لا يتعلق بعمله، ولا تتصل بمريض في مشفى فإن ذلك قد يشق عليه، وحديثك معه قد يزعج من حوله من المرضى، وخير من ذلك إرسال رسالة نصية لمن تعرف أنه مشغول تسأله عن الوقت المناسب للاتصال به، وبخاصة إن كان حديثكما سيطول ويتشعب.

التأني في إعادة الاتصال

وإذا اتصلت بمن تريد فلم يُجِب، فلا تستمر في الاتصال، بل اقطعه بعد ثلاث رنات هي بمثابة السنة في الاستئذان، ولا تكرر الاتصال بعد دقيقة أو اثنتين، ولا تتصل على هاتف آخر له، كأن تتصل على منزله، فإن لم يُجِب اتصلتَ على عمله أو بهاتفه الجوال، بل انتظر بُرهة من الوقت لا تقل عن ربع ساعة ثم أعد اتصالك بمن تريد.

ترتيب الأفكار 

وقبل اتصالك استجمع ذهنك ونظِّم أفكارك فيما تريد الحديث فيه أو معرفته أو التشاور فيه مع من اتصلت به، وذلك قبل اتصالك، حتى لا تفوتك نقطة أو أمر تريد تناوله معه، وإن كان الأمر يتعلق بزواج أو تطبب أو تجارة أو نحو ذلك فإن من الأفضل أن تسجل هذه النقاط في ورقة تكون أمامك عند إجراء اتصالك مع الطرف الآخر.

وإذا فعلت ذلك سهل عليك تقدير المدة اللازمة للاتصال الهاتفي المزمع، ولهذا أهميته في مراعاة ما سبق ذكره من تخير الزمان والمكان.

ابدأ بالسلام والتعريف بنفسك

إذا اتصلت وردَّ عليك من اتصلت به أو أحد ممن يلوذ به، فابدأ بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم عرِّفه بنفسك، إلا إن كان من تتصل به من الأصدقاء المقربين، وإذا كان من تتصل به صديقاً مضى على اتصالك به فترة طويلة، أو كان في بلد آخر، فيلزم كذلك أن تعرِّف نفسك، ويكون ذلك بذكر اسمك وكنيتك بشكل ترى أنه قد أزال أي لَبس محتمل، وقد أشرنا في مكان آخر أن الأسماء قد تتقارب والأصوات قد تتشابه.

وانتقل بعد تعريف نفسك إلى سؤال من اتصلت به إن كان وقته يسمح لاتصالك والحديث معه، وتقبّل اعتذاره إن اعتذر عن الاستمرار، فهو بمثابة تطبيق للأدب القرآني في سورة النور: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا، هُوَ أَزْكَى لَكُمْ، وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾. وإن اتصل به أحدٌ وكنتَ مشغولاً أو غير مستعدٍّ لاتصاله فلا بأس من أن تعتذر له، وعلينا أن ننمي هذا الأدب القرآني في أوساطنا بعد أن أصبح الهاتف الجوال لا يكاد يفارق الإنسان في ليله ونهاره، وصار كثير من الناس لا يراعون القواعد التي ذكرناها قبل قليل في تخير وقت الاتصال ومكانه.

الاستئذان في الاتصال

وإذا كان اتصالك لا يتعلق بالمجاملات، فمن المفيد أن ترسل رسالة نصية تكون بمثابة الاستئذان تحدد فيها ما تريد الحديث عنه والوقت الذي تريد الاتصال عنده، فيكون المتلقي جاهزاً لاتصالك ومتفرغاً له وقتاً وذهناً، وقد يحتاج ما تريد منه إلى مراجعة وتحضير فيقوم المتلقي بذلك قبل اتصالك، لما قدمت بين يديه من تمهيد وإعلام.

ترك رسالة في البريد الصوتي

وقد ينتهي اتصالك دون أن يردَّ المتلقي، ويحولك الهاتف إلى البريد الصوتي لتترك رسالة، فإذا حصل ذلك، فابدأ بالسلام ثم اذكر اسمك وعرّف بنفسك، ثم اذكر باقتضاب حاجتك من اتصالك، على أني أستحسن ألا تلجأ لهذا إلا في أضيق الظروف، فمراجعة البريد الصوتي تكلف المتلقي وقتاً إضافياً للاستماع إليه، والملاحظ كذلك أن كثيراً من الناس لا يراجعون بريدهم الصوتي إلا في أوقات متباعدة.

تجنب الاتصال في الضوضاء

تجنب ما استطعت الاتصال من الأماكن العامة كالأسواق المكتظة والمطارات والحافلات ومحطات القطار وغيرها من الأماكن التي تغلب فيها الضوضاء، فإن ذلك يُضطرك إلى رفع صوتك ويجهد المتلقي لسماع كلامك، وقِسْ على ذلك كل ما يشبه ذلك من المناسبات الاجتماعية كالولائم والأفراح والتعازي، فإن لا بد من الاتصال فتنح جانباً أبعد ما يكون عن الضوضاء، وبعيداً عن مسامع غيرك، وأجْرِِ اتصالك ثم عُدْ إلى مكانك.

لا تفسخ اللقاء بالرد على المتصلين

وإذا كنت في مناسبة اجتماعية مما ذكرنا أو ما يماثلها كزيارة مريض، وجاءك اتصال هاتفي، فلا تُجب إن كانت هناك مندوحة عن الإجابة، ويمكن تأجيل ردك على المتصل، فإن ذلك أفضل لما فيه من مراعاة حق الحضور من ضيوف ومضيفين، ولما فيه من الإبقاء على جو الاجتماع ووحدة موضوعه.

ظاهرة استعمال الهاتف وسط الطائفين والمتعبدين في الحرمين الشريفين

وهنا أشير إلى ظاهرة انتشرت في الحرمين الشريفين وفيها إساءة أدب مع الله تعالى وانشغال عن الطاعات والدعاء، وتشويش على الطائفين والمصلين، إذ كثيراً ما نرى الطائفين والطائفات والزائرين والزائرات يتحدثون إلى أحبابهم في طوافهم أو سعيهم أو زيارة المسجد النبوي، وقد غلبت عليهم مشاعرُهم فأنستهم ما ينبغي في هذه المقامات من الوقار والخشوع واستحضار هيبة الله تعالى وطلب مغفرته ورحمته، ومثيل ذلك اعتراض الطائفين والمصلين لأخذ الصور في حرم الله، فابتعد عن ذلك ولا تكن من الغافلين.

ومن هذا الباب ما نسمعه من رنات هاتف أثناء في المساجد أثناء صلوات الجماعة أو الجمعة، فينبغي التحرز من هذا التشويش وإسكات الهواتف قبل الدخول إلى بيوت الله.

تلقي اتصالين في آن واحد

وإذا تلقيت اتصالا هاتفياً ثم أعقبه اتصال من شخص آخر لا بد من إجابته، وأردت أن تضع المتصل الأول على الانتظار، فاعتذر منه ثم أجب المتصل الثاني، فإن كان حديثك معه سيطول ولا بد منه، فعُد إلى المتصل الأول معتذراً، وأنهِ الاتصال معه واعداً أن تتصل به فور انتهائك، أو في موعد تحدده لك، فإذا انتهيت فاتصل به على الفور أو في الموعد المضروب، موفياً بوعدك فقد قال الله في آخر سورة الإسراء: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾.

لا تقاطع من يتحدث على الهاتف

لا تقاطع من يتحدث على الهاتف، سواء كان ذلك لسؤال تسأله إياه أو أمر تود إخباره به، فإن كان الثاني فاكتب ما تريد على ورقة أو على هاتفك المحمول، واعرضه عليه ليراه، فذلك أدعى لئلا تُشتِتَ أفكاره، وقد لا يرغب في إبداء ما تريد إعلامه به، فذكرك له بالقول عرضة لأن يسمعه المتصل فيخرج الأمر من يدك ويد المتلقي.

أدب الحديث بالهاتف في السيارة

وللحديث بالهاتف في السيارة آداب كذلك، منها ما يتعلق بحديث السائق، ومنها ما يتعلق بحديث مع معه.

لا تخالف أنظمة المرور

وأول هذه الآداب الالتزام بالتعليمات الحكومية التي تمنع السائق من الحديث الهاتفي إن لم يكن من خلال مكبر الصوت في السيارة، وهذه التعليمات قد وُضِعت لما تبين من أضرار جسيمة وأخطار مشهودة لاستعمال جهاز الهاتف أثناء القيادة، وبعد أظهرت الإحصائيات ارتفاعاً شديداً في عدد الحوادث التي تقع من جراء ذلك، فمخالفة التعليمات الحكومية تدخل فيما نهى الله عنه بقوله في سورة النساء:﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، وقوله تعالى في سورة البقرة:﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾.

وإذ بينّا هذا الحكم الشرعي، نود أن نشير إلى أن كثيرا من الناس يتساهلون في الالتزام بالتعليمات الحكومية التي تتعلق بالمصلحة العامة مثل أنظمة المرور والعمران ومكافحة الأوبئة والعدوى وأمراض الإنسان والحيوان والنبات، وهذا محرم شرعاً لما يترتب عليه من الضرر الذي نهى الشرع عنه نهياً شديداً، وكل مخالفة من هذا القبيل إنما هي تَعَدٍّ على أرواح الناس وممتلكاتهم، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قادحاً في تمام الإيمان في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي شُريح الكعبي، خويلد بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقه.

تنبيه المتصل إلى من معك في السيارة

ونعود إلى آداب الحديث الهاتفي في السيارة فنقول: إن أول آدابه أن تبيِّنَ للمتصل أنك في السيارة وأن معك فلاناً وفلاناً، وذلك ليكون على بينة فلا يتحدث معك بما لا يريد إطلاع أحد عليه من شؤونه الخاصة أو أمور قد تتعلق بمن معك، وعليك أن تبادر إلى إخباره قبل أن يسألك أو يبدأ في حديثه معك، فذلك أفضل من سؤاله وإجابتك وتحفظه بعد ذلك في الحديث، وأفضل من مقاطعته وقد باشر في حديثه، فكل ذلك مما يوقعه ويوقعك ومن معك في الحرج، وبخاصة إذا كان المتصل أحد أهل بيتك كالزوجة والأم ونحوهما وتحدَّث ببعض الخصوصيات التي لا تحب أن يطلع عليها من معك في السيارة.

الرد على المخاصِم

ومن آداب الحديث الهاتفي في السيارة، إن كانت معك صحبة في السيارة، ألا تجيب على متصل بينك وبينه خلاف أو خصومة أو شجار، فإن سماع الآخرين لما يدور بينكما يزيد في فرصة تفشي أخباره، وقد يبدر من أحدكما بحق الآخر كلامٌ في حالة الغضب يزيد في تعميق الخصومة لكونه بَدَرَ في حضور الآخرين وشهودهم.

مراعاة الضجيج أو قوة الإشارة

ومن آداب الحديث الهاتفي في السيارة أن تراعي مقدار الضجيج أثناء مسيرها، أو قوة الإشارة الهاتفية، وأثر ذلك على وضوح المحادثة، وفي الحالة الأولى لا بأس في الحالة من أن تقف جانباً، أو تعتذر عن الاستمرار وتعد المتصل أنك ستتصل به في أقرب فرصة ممكنة.

مراعاة حال المتصَل به

وإذا كنت تريد الاتصال بشخص وتبين لك أنه في سيارته، وكانت محادثتك تتضمن معلومات أو أرقاماً ينبغي عليه تسجيلها، فينبغي عليك مراعاة أنه لا يستطيع الكتابة وهو يقود سيارته، وفي هذه الحالة فإن الأفضل والأحوط إرسال رسالة له بعد انتهاء الاتصال تتضمن هذه المعلومات. 

الحلقة الثانية هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين