الحدود بين الغلو والرفض ضوابط وموانع (5)

ضوابط وسائل إثبات الحدود

ثانيًا: ضوابط وسائل إثبات الحدود

إضافة إلى الضوابط التي ذكرها الفقهاء في الحدود، توجد ضوابط أخرى خاصة بوسائل إثبات الحدود، ومن هذه الضوابط:

1- اتحاد المجلس:

ذهب الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى أنه لا بد أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد عند أداء الشهادة في إثبات الزنا، فإن جاؤوا متفرقين يشهدون واحدًا بعد واحد، لا تقبل شهادتهم، ويُحدون وإن كثروا (1).

2- عدم التقادم:

والمقصود بالتقادم هو مضي مدة من الزمن على ارتكاب الجريمة، وذهب الحنفية إلى أن عدم التقادم في البينة شرط، وذلك في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر، وليس بشرط في حد القذف، وذكر ابن أبي موسى أنه مذهب لأحمد.

ووجه ذلك: أن الشاهد إذا عاين الجريمة فهو مخير بين أداء الشهادة حسبة لله تعالى: {وأقيموا الشهادة لله} [سورة الطلاق: آية 2]، وبين الستر على أخيه المسلم لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)) (2). 

فلما لم يشهد فور المعاينة دل ذلك على اختيار جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك دل على أن الضغينة حملته على ذلك، فلا تقبل شهادته، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ((أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن، ولا شهادة لهم)) ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد، فيكون إجماعًا، ولأن التأخير والحالة هذه يورث تهمة، ولا شهادة للمُتَّهَم (3).

3- تكرار الإقرار:

ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشترط أن يقر الزاني أو الزانية أربع مرات، وبهذا قال الحكم وابن أبي ليلى وإسحاق واستدل الحنفية والحنابلة بما روي أن ماعزًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم إلى الأربع، فلو كان الإقرار مرة موجبًا للحد لما أخره إلى الأربع (4).

4- علم الإمام أو نائبه في الحدود:

ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في قول: إلى أنه ليس للإمام أو نائبه إقامة الحد بعلمه لأن تجويز القضاء بعلمه يفضي إلى تهمته، والحكم بما اشتهى، ويحيله على علمه، يقول ابن قدامة: ("ولا يحكم الحاكم بعلمه" ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حد ولا غيره، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها، هذا قول شريح، والشعبي، ومالك، وإسحاق، وأبي عبيد، ومحمد بن الحسن، وهو أحد قولي الشافعي) (5).

واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه)) (6)، فدل على أنه إنما يقضي بما يسمع لا بما يعلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الحضرمي والكندي: ((شاهداك أو يمينه)) (7).

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

الحلقة الرابعة هنا

========-

(1) الفقه الإسلامي وأدلته، 7/5376

(2) أخرجه مسلم (4 / 1996)

(3) البدائع 7 / 46

(4) البدائع 7 / 49- والمغني 8 / 191

(5) المغني: 10/50

(6) صحيح البخاري: 6967

(7) المغني: 10/50، والحديث رواه البخاري: 2669

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين