حوار مع اللاقرآنيين ( 8 - 5)

هذا بحث نافع كتبه الأستاذ البحاثة بلال فيصل البحر في الرد على القرآنيين، ونشره باسم :" الفَنْقَلةُ مع اللاقرآنيين". والفنقلة – كما هو معلوم - محاورة الخصم بأسلوب فإن قالوا قلنا. وهذه الحلقة الخامسة.

فإن قالوا: نـهى عمرُ بعضَ الصحابة عن التحديث.

قيل: لم ينههم عن مطلق التحديث بالسنن، ولا يقول هذا عاقل يدري ما يخرج من رأسه، فإن حديث عمر رضي الله عنه يملأ دواوين السنة وهو القائل: (تعلموا السنة والفرائض واللحن كما تتعلمون القرآن) رواه ابن عبد البر وغيره.

وإنما معنى هذا عند العلماء، الإقلال من الحديث للتفقّه في القران وأصول السنن، وذم الإكثار من الغرائب والأفراد وما لا يعرفه العلماء من الحديث، فأما الحديث المعروف الصحيح فهو خير كله، كما قيل لسفيان الثوري: إلى متى تطلب الحديث؟ فقال: (وأي خير أنا فيه خير من الحديث حتى أصير إليه! إن الحديث خير علوم الدنيا).

ولهذا قال عمر لمن ابتعثهم من الصحابة إلى العراق: (إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا شريككم) فتأمل كيف أمرهم بإقلال الرواية لا تركها كما يقول اللآقرآنيون. 

ولهذا قال ابن عبد البر: (إنما أمرهم بذلك خوف مواقعة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخوف الاشتغال عن تدبر السنن والقرآن، لأن المكثر لا تكاد تراه إلا غير متدبر ولا متفقه). 

وهو معنى ذمّ السلف للإكثار من الرواية، كما قال الضحاك وغيره: (يأتي على الناس زمان يعلق فيه المصحف حتى يُعشّعش عليه العنكبوت لا يُنتفع بما فيه، ويكون أعمال الناس بالروايات والأحاديث) يريد غرائب الروايات المخالفة للأصول من القران والسنن وما جرى عليه العمل. 

كما قال ابن الجوزي: (ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يُباين المعقول أو يُخالف المنقول أو يُناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع) قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجا عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة، وقد بسطنا تقرير هذا الأصل وبيانه في كتاب (علل الأصوليين).

ومن هنا قال ابن وهب: (لولا مالك والليث هلكت، كنت أظن أن كل ما روي من الحديث يُعمل به) هذا في آحاد الأخبار الغرائب والمفاريد والمناكير، وأما الحديث الصحيح قولياً كان أو فعلياً فلم نؤمر برده وتركه كما يقول اللآقرآنيون، وإنما أُمرنا أن نحمله على أحسن محامله، ونتأوله على أقوم وجوهه. 

كما قال علي عليه السلام: (إذا حُدّثتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً، فظنوا به الذي هو أهياه وأهداه وأتقاه) رواه أحمد وغيره، وفي رواية ابن ماجه: (أهناه) بالنون، وعن ابن مسعود أيضا نحوه، وقد صححه الشيخ أحمد شاكر بمجموع طرقه، قال العلامة السندي: (أي: اعتقدوا فيه الذي هو أوفق به من غيره، وأهدى وأليق بكمال هداه وتقواه) وأهيأ أي: أحسن هيئآته ومعانيه وأصلحها.

الحلقة الرابعة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين