حوار مع اللاقرآنيين ( 3-8)

هذا بحث نافع كتبه الأستاذ البحاثة بلال فيصل البحر في الرد على القرآنيين، ونشره باسم :" الفَنْقَلةُ مع اللاقرآنيين". والفنقلة – كما هو معلوم - محاورة الخصم بأسلوب فإن قالوا قلنا. وهذه الحلقة الثالثة.

فإن قالوا: فأنتم تقولون: إن السنة أحوج إلى القران منها إليه، وأنـها قاضية عليه،

فيقال لهم: هذا أحد القولين لأهل العلم، منهم مكحول والأوزاعي ويحيى بن أبي كثير وغيرهم، وقد خالفهم أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وإسحاق وغيرهم، وأنكر قولهم هذا على إطلاقه، الإمامُ أحمد كما رواه عنه ولده عبد الله في (مسائله) والنظر يقتضي أنـهم إن قصدوا أنـها تُفسّره وتُبيّـنه، فصحيح وإلا فلا.

قال السيوطي والعلماء: (معنى احتياج القرآن إلى السنة، أنـها مُبيّنة له ومُفصّلة لـمُجملاته، لأن في القران كنوزاً تحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها فيُبرزها، وذلك هو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، وهو معنى كون السنة قاضية عليه، وليس القرآن مُبيّناً للسنة ولا قاضياً عليها، لأنـها بَيّنة بنفسها، إذ لم تصل إلى حد القرآن في الإعجاز والإيجاز، لأنـها شرح له وشأن الشرح أن يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح).

ومن تعاجيبهم أنه إذا أورد عليهم مخالفوهم أن من تفاصيل الأحكام ما لا يُعلم إلا ببيان السنة كصفة الصلاة وكيفياتـها وغير ذلك، كاعوا فقالوا: هذا مقبول لأنه هكذا بلغنا ووصلنا بالتواتر.! 

فيقال لهم: فيلزمكم ولا بد، الإقرار بوجوب الأخذ والعمل بما صحَّ وثبت من السنن النبوية الفعلية على الجملة، لأن هذه الكيفيَّات غالبها من أفعاله المنقولة إلينا ممن شاهدها من الصحابة.

فإن قالوا: العبرة بتواتر نقلها لا بمجرد نقل الفعل.

قيل لهم: أفتجعلون التواتر شرطاً في قبول الفعل النبوي الذي تلقته الأمة بالقبول، وتحتجون بأفهامكم للقرآن التي هي ظنون أحادية، وأيّ إزراء بالسنة أعظم من هذا.؟!

ويقال لهم: تواتر نقلها كيف ثبت لكم؟

فإن قالوا: بتلقي الأمة لها وعملها بـها جيلاً عن جيل في كافة الأعصار والأمصار.

قيل لهم: وكذلك عامة السنن الفعلية المنقولة في أصول دواوين السنة الصحيحة، قد تلقتها الأمة بالقبول فعمل ببعضها عامتهم، وعمل ببعضها الآخر، بعضهم ممن يبلغ حد التواتر. 

فإن قالوا: التواتر إنما هو في مجمل نقل هذه الكيفيات لا في تفاصيل آحادها.

فيقال: يلزمكم قبول السنن الفعلية في الجملة ولا بد ولا مفرَّ لكم منه، وهو خلاف مقالتكم، وما بقي من آحادها الذي لم يبلغ حد التواتر فهو محل نظر واجتهاد راجع لطريق ثبوته ووجه دلالته، وليس الكلام في قبول آحاد السنن، وإنما في قبولها من حيث الجملة.

ويُتصور أن التواتر من حيث هو نوعان: مجمل ومفصَّل، فالمفصَّل ما يختص بآحاد السنن والآثار، فيلزم تلقيها بالقَبول والتسليم بالنظر إلى آحادها ولا إشكال في هذا، والمجمل ما يتعلق بجملة المنقول من السنن، فالتواتر المجمل يفيد وجوب قبول السنن في الجملة، سواء كانت قولية أم فعلية أم غير ذلك، وهذا حاصل بتلقي الأمة لها بالقبول، مما يدلك على شذوذ مقالة اللاقرآنيين وتـهافتها. 

بخلاف تصرف العلماء في العمل بسنة معينة أو عدم العمل بـها، فإن هذا راجع إلى اختلاف أنظارهم واجتهادهم في نفس المروي منها، ثبوتاً ودلالة من حيث آحادها، لأنـهم قبلوها من حيث الجملة، ولم يُنقل عن إمام منهم ردُّها في الجملة كما يقوله اللاقرآنيون.

فإن قال قائلهم: إن الله يقول: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء).

قيل: يلزم أن لا نتبع مقالتكم بالأولى لدخولكم في عموم مسمَّى الأولياء، على أن الله توعَّد في كتابه من اتبع غير سبيل المؤمنين، ولا نعلم مقالة اتبع فيها أصحابـها غير سبيل المؤمنين كمقالتكم هذه في السنة، فإن المؤمنين كلهم في عامة الأعصار وكافة الأمصار على خلافها، وفرق بين أولياء أمر القرآن باتباعهم كالسنن النبوية والصحابة وأهل العلم من بعدهم، وبين أولياء نـهانا القرآن عن اتباعهم، وهم أهل الأهواء المخالفون للسنن المجانبون لها.

الحلقة الثانية هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين