أبرز مثارات الغلو في فكرنا الإسلامي (4-7)

3.عدم وضع ضوابط للمُحكم والمتشابه، وفهم المتشابه في ضوء المحكم

آيات القرآن الكريم منها المُحكَم ومنها المتشابه، والأصل في هذا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [سورة آل عمران: آية 7] ومما دخل تحت هذا المثار عند كثير من العلماء النصوصُ التي توهم تشبيه الله تعالى بخلقه، فإذا كان الله سبحانه وتعالى مُنزَّهًا عن النقائص وعن صفات المخلوقات، فكيف نفهم النصوص الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية مما يوهم ظاهرها تشبيه الله تعالى بخلقه؟ من ذلك قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [سورة المائدة: آية 64] وأحاديث كثيرة وردت قريبة من هذا المعنى، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) (1).

اتفق أهل السنة والمعتزلة ابتداء على تنزيه الله تعالى عن المشابهة، لكن عند تطبيق هذه النصوص في ضوء تنزيه الله تعالى، وقع الاختلاف، وهذا الاختلاف مرده إلى تنزيه الله تعالى كلٌّ بحسب فهمه للتنزيه، مع يقيننا بصحة مذهب أهل السنة، ولم يكن الخلاف قاصرًا بين المعتزلة وأهل السنة، بل حصل بين أهل السنة أنفسهم، ومثار الخلاف كان عدم الاتفاق في ضبط مذهب السَّلف على وجه الدقة، فهل كانوا يسكتون عن هذه النصوص؟ ولا يخوضون فيها بتفسير أو تأويل، ويُفوضون المُراد منها كاملًا لله تعالى، - وهذا ما أراه - أم كانوا يحملونها على ما يليق بكمال الله تعالى مع تنزيه الله عن المشابهة والمُماثلة؟ وأيهما أسلم، هل مذهب السلف أم الخلف؟ وما الحدود الزَّمنية لمذهب السَّلف؟ وما علاقة هذه النُّصوص بالمجاز؟ وهل هذه النصوص تدخل تحت المحكم والمتشابه أم لا؟ وما معيار المحكم والمتشابه... كانت هذه مثار خلاف(2). 

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

تنظر الحلقة الثالثة هنا 

===-

(1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم رقم: 1827

(2) الغزالي، إلجام العوام عن علم الكلام، ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي، ط. دار الفكر، بيروت، ط. الأولى: 1996م. ص:304 و326، النووي، شرح مسلم، ط. دار إحياء التراث العربي، ج12، ص:211، 212. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، تح: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ج13، ص 275

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين