نقض منهجيّة القراءة المعاصرة للنّصّ القرآنيّ عند المهندس محمد شحرور(2-7)

المسألة الأولى: شبهته حول علم أصول الفقه

من المسلَّم به عند أهل العلم والمعرفة في النظريات المعرفية ومناهج العلوم، أن العلوم سابقة بالاكتشاف والتطبيق على قوانينها، وليست لاحقة لها.

فاللغة مثلًا سابقة في الممارسة والوجود على علم النحو والإعراب، والفقه سابق في الوجود والتطبيق على علم أصول الفقه، والسنة سابقة على علم الرواية والمصطلح، والناس كانت تتعامل مع قانون الجاذبية قبل أن يكتشفها نيوتن.

من هنا نريد الوصول إلى قضية كثيرًا ما يدندن بها المهندس محمد شحرور عندما يقول: "إن مشكلتنا تكمن في كتاب من مئتي صفحة - يعني به (كتاب الرسالة) للإمام الشافعي رحمه الله - إذا تجاوزناها؛ فإن مشكلتنا كلها مع التراث ستحل تلقائيا"، حتى يقول: "أنا كافر بما جاء به محمد بن إدريس الشافعي" (1).

يظن شحرور أن الشريعة الإسلامية هي منتج علم أصول الفقه الذي دوَّنه الإمام الشافعي رحمه الله، وأننا إذا كسرنا هذا المنهج الأصولي وتجاوزناه، واستعضنا عنه منهجًا معرفيًا آخر نقرأ من خلاله نصوص الوحي والكتاب: ستنتهي مشكلتنا المعرفية مع الشريعة، لأن المنتج الشرعي والفقهي سيختلف تماما باختلاف منهج الاستنباط القياسي الذي أتى به الإمام الشافعي رحمه الله، وأن التجديد في الفقه الإسلامي سيتحصل بما يتناسب مع تطور المجتمعات والحضارات البشرية.

ولم يتفطن شحرور إلى الخطأ المنهجي الكبير الذي وقع به؛ إذ لم يدرك أن الشريعة الإسلامية كانت قائمة طوال أكثر من قرن من الزمان في جيل الصحابة والتابعين، قبل أن يولد الشافعي نفسه، ولم يزد الشافعي رحمه الله على أن استخرج من منهج الصحابة والسلف في التعامل مع النصوص الشرعية قواعد الاجتهاد الموجودة في أذهانهم، ودوّنها لتكون ضابطًا لفهم فروع الشريعة وفق المنهج الاجتهادي لدى الصحابة الكرام، وليس لإعادة إنتاجها من جديد.

وكان لعلم أصول الفقه المستَنِد في قواعده على اللغة العربية دور كبير في ضبط حركة الاجتهاد، وحماية الشريعة الإسلامية من تحريف المبطلين والمتسلقين. 

فشحرور يرى أن أزمة الأمة المعاصرة هي أزمة التمحور حول النص، وأن الحل يكمن في إعادة قراءة النص قراءة معاصرة، وحتى يصل إلى هذه القراءة المعاصرة لا بد من نسف قواعد أصول الفقه التي تشكل حجر عثرة أمام رؤيته، متوهمًا أن الشريعة؛ هي وليدة القواعد الأصولية التي وضعها الإمام الشافعي. 

نعود ونؤكد الفكرة التي انطلقنا منها، وهي أن الشريعة سابقة في الوجود والتطبيق على منهج أصول الفقه، وليست متولدة منه كما يظن شحرور، فالمنهج الأصولي يكمن دوره في فهم الشريعة وليس هو المنتج لأحكامها، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويزكون ويتزوجون ويبيعون ممتثلين في كل ذلك أحكام الشريعة الإسلامية، ولم يدون علم أصول الفقه بعد.

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

تنظر الحلقة الأولى هنا 

======-

(1) من لقاء على قناة العربية، https://www.youtube.com/watch?v=-jbCwvb1AuQ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين