رحلة الحج (7)

يوم الأربعاء 26 من ذي القعدة سنة 1439هـ

محمد أنس الفلاحي:

الأخ محمد أنس الفلاحي متخرج من جامعة الفلاح بأعظمكراه، وهو الآن طالب في السنة الأخيرة في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وقد اشتغل في مركز "تحقيقات إسلامي" تحت إشراف زميلنا الكاتب الإسلامي الشهير محمد رضي الإسلام الندوي، قابلته اليوم قبل صلاة العصر، وتحدثنا عن طلاب الهند في الجامعة، وعلاقته بزميلنا رضي الإسلام، وشؤون جامعة الفلاح، ووضع المسلمين في الهند، ووجدته طالبا جادا في اعتدال، من دون تطرف في عقيدة أو مذهب، أو غلو في الانتماء إلى حزب وجماعة، ووددت لو كان المتخرجون من المدارس الإسلامية مثله في هذا الاعتدال، فما أشد الغلو جناية على الوحدة الإسلامية، وما أبلغ التعصب حجزا لذوي العلم من اتباع الحق، أعاذنا الله من التشتت والتفرق والتعصب والتعامي.

الدكتور ألطاف أحمد المالاني:

ولقيت قبل العشاء الدكتور ألطاف أحمد المالاني، وقد عمل الدكتوراة من الجامعة الإسلامية، ويشتغل الآن مع فضيلة الدكتور ضياء الرحمن الأعظمي في مشروعه الحديثي، وكان موضوع رسالته في الدكتوراة "الشعر العربي في الهند في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، أغراضه وخصائصه، وحدثني عن بعض أجزاء كتابه، منها شعر الخواجة ألطاف حسين الحالي عن الإمام المحدث عبد الغني الدهلوي رحمه الله تعالى.

الشيخ عمر فلاتة:

وخرجت مع أخينا الكريم أحمد عاشور وابنه عبد الله سلمه تعالى بعد العشاء لزيارة فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن حسن فلاَّته، واصطحبنا في الطريق العالم البحاثة الدكتور سعيد بن وليد طولة.

والشيخ عمر فلاتة هو عمر بن حسن بن عثمان محمد فلاتة نسبة إلى قبيلة الفلان المنتشرة في قارة إفريقيا، هذا ، وقبيلة فلاتة أو فلانة - أحيانا يلفظونها بالتاء وأحيانا بالنون - قبيلة كبيرة ينسب إليها أكثر من عالم اسمهم عمر، ولد في المدينة المنورة سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف، درس القرآن الكريم بمكتب الشيخ عبد الحميد هيكل بالحرم النبوي، وتابع دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس المدينة ومعاهدها، وحصل على الشهادة الثانوية من المعهد العلمي، وحصل على شهادة البكالوريوس سنة ست وثمانين وثلاثمائة وألف من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة، وعلى درجة الماجستير من الكلية نفسها اثنتين وتسعين ثم حصل على شهادة الدكتوراه من قسم السنة والحديث، بكلية أصول الدين من جامعة الأزهر بالقاهرة سنة سبع وتسعين، وحضر حلقات المشايخ عبد الحميد هيكل، وعمر محمد فلاتة، ومحمد المختار مزيد، وحماد بن محمد الأنصاري، وعبد العزيز بن باز في المدينة المنورة. والمشايخ عبدالله بن محمد بن حميد، والسيد علوي بن عباس المالكي، ومحمد أمين كتبي، وحسن محمد مشاط، وغيرهم في مكة المكرمة، وحصل على إجازات علمية من بعض العلماء، عمل محاضراً بكلية الشريعة بمكة المكرمة من 1390هـ إلى 1397هـ، فمدرساً ورئيساً لقسم الشريعة من عام 1398 إلى عام 1400هـ، ثم رئيساً لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية سنة 1401 هـ في كلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، ثم وكيلاً للكلية من 1401 إلى 1402هـ ثم عميداً من 1402 إلى 1405هـ، قام بالتدريس في المسجد الحرام من عام 1398 إلى 1400هـ، ويقوم بالتدريس في المسجد النبوي من عام 1401 هـ.

وصلنا إلى منزله فأُخبرنا أنه لم يرجع من الصلاة في الحرم، فانتظرناه قليلا وأنا مستفيد من حديث الشيخين أحمد عاشور وسعيد طوله عن المدينة المنورة ووضعها الاجتماعي والعلمي والتعليمي إبان سقوط الدولة العثمانية.

دخلنا بعد قليل منزل الشيخ وطلاب من العلم ينتظرونه، فلما شَّرفنا الشيخ بالحضور سلمنا عليه، ورأيناه شيخا متصفا بحلم وسمت علمي وتواضع كبير، محترما لجلسائه ومستمعا لهم ومهتما بحديثهم، وحريصًا على الإفادة، وكريما سخيا بإهداء كتبه إلى طلبة العلم، فبارك الله فيه وجزاه عن العلم وأهله خيرا.

وسمعنا منه المسلسل بالأولية، وأعطى كل واحد منا إجازته المطبوعة (تحفة الحرمين الشريفين) موقعا عليها مجيزا لنا ولأولادنا، يروي عن عبد الله بن علوي الحداد، وأبي بكر بن أحمد الحبشي، وأحمد الغماري، وعبد القادر بن أحمد السقاف، وعلوي بن طاهر الحداد، وعبد الحي الكتاني، وعبد الحفيظ الفاسي، وسسليمان بن عبد الرحمن الصنيع، ومحمد بن إبراهيم الختني، والسيد علوي المالكي (شافهه بالإجازة)، وسالم بن أحمد آل جندان، وسليمان عبد الرحمن الحمدان، وقاسم بن أحمد البحر، وحسن المشاط (شافهه بالإجازة)، ومحمد بن صالح الخطيب الدمشقي، وعبد الله اللحجي المكي، ومحمد ياسين الفاداني (أجازه مشافهة وكتابة)، وعائشة بنت طاهر سنبل، وإبراهيم بن عمر بن عقيل، واحمد مشهور الحداد، وعبد الملك بن عبد القادر الدرناوي الطرابلسي، بإجازتهم العامة لأهل عصرهم.

وله آثار مطبوعة، أهدى إلينا بعضها:

منها: " الوضع في الحديث"، وهو رسالته للدكتوراة، طباعة دار المنهاج سنة 1437هـ، جمع فيه ما تفرق في مؤلفات الأئمة في الأحاديث الموضوعة، ولم ما تشتت بين طياتها، عارضا لها في ثوب قشيب، وناظما لها في سلك بديع، وقال إبراهيم بن محمد نور بن سيف في تقديمه للطبعة الثانية للكتاب:

"جلىَّ هذا الكتاب - وهو في الأصل رسالة علمية بمرحلة (العالمية العالية) - الخطوط العريضة في كتاب ابن الجوزي، واستشف من تصرف مؤلفه فيه دقائق حيثيات أحكامه على الأحاديث بالوضع، لأن كتابه هذا رائد في هذا الباب، ومتميز في معالجة قضاياه، تميزا سلَّم له أولو الألباب، فصار له القبول الواسع لدى أهل العلم، ممن دقق وانتقد وتحرى".

ومنها: "الحديث الحسن مطلقا ومقيدا عند الإمام الترمذي"، طبع سنة 1426هـ، وقد استشكل الأئمة معنى الحسن في استعمال الترمذي في سننه مطلقا ومقيدا، فأجرى المؤلف دراسة جديدة قسمها إلى مبحثين اثنين:

أحدهما في استخدام بعض الأئمة قبل الترمذي لمصطلح الحسن، ومرادهم من ذلك.

وثانيهما مراد الترمذي من استخدام مصطلح الحسن مطلقا ومقيدا.

قال في مقدمته: وقد توصلت الدراسة إلى نتائج جديدة ظهرت في خاتمة الدراسة، من أبرزها أن هذا المصطلح "حسن الإسناد"، "حسن الحديث" استعمله أئمة كبار قبل الإمام الترمذي، منهم الإمام مالك، والإمام الشافعي، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، والإمام البخاري، وعلي بن المديني، والإمام العجلي، وكلهم استخدم المصطلح في معنى واحد - الأحاديث التي تدور رواياتها على صغار التابعين وأتباعهم - وهو المعنى الذي استخدم فيه الإمام الترمذي مصطلح (حديث حسن) مطلقا، وأما المقيد بالصحة والغرابة فله دلالة أخرى.

أما من جاء بعد الترمذي من لدن الخطابي فمن بعده حتى عصرنا الحالي فهو مستخدم في أنه درجة متوسطة بين الصحة والضعف، والحديث الحسن قسيم لكل من الصحيح والضعيف".

ومنها:" الحديث الصحيح والحديث الصحيح الغريب عند الإمام الترمذي"، طبع سنة 1438هـ، قال في المقدمة: "هذا البحث ... دراسة حديثية استقرائية لما جاء في جامع الإمام الترمذي رحمه الله حيث أكثر من استعمال هذين المصطلحين، وهذه الدراسة متابعة لدراسة سابقة لمصطلح الترمذي: (حديث حسن) مطلقا ومقيدا، والتي ظهرت من قبل في كتاب بهذا العنوان، وقد وجدت الحاجة قائمة لإجراء هذه الدراسات لمصطلحات الترمذي التي يتضمنها كتاب الجامع، لما فيها من الغموض، وكثرة اختلاف العلماء في بيان المراد منها، الذي طفحت به كتب علماء الحديث وشراحه، من بعد عصر الترمذي حتى العصر الحاضر، ولم تنته إلى رأي مقنع لمراد الترمذي.

وقد قامت هذه الدراسة بفضل من الله على التتبع والاستقراء والتحليل للأحاديث التي وصفها الإمام الترمذي بالصحة، والصحة مع الغرابة، ومما زاد في إشكالات الموضوع كثرة اختلاف نسخ الإمام الترمذي، مما حمل على جمعه والتنسيق وتضييق وجوه الاختلاف فيما بينها."

سَفَر برْلِك:

واسمه الكامل "سفر برلك وجلاء أهل المدينة المنورة إبان الحرب العالمية الأولى (1334-1337هـ) " للدكتور سعيد بن وليد طوله، وقد حدثني أخونا أحمد عاشور كثيرا عن هذا الكتاب منذ أن لقيته في هذه الرحلة، حتى قابلت المؤلف خلال زيارتنا لفضيلة الشيخ عمر فلاتة، فأهدى إلي منه نسخة، والكتاب في أكثر من ستمائة صفحة، وأعجبني من الدكتور سعيد تمكنه من موضوعه واحتواؤه لجوانبه ورغبته في دراسته بحثا وتحقيقا وتحليلا، وقلما لاحظت مثل هذا الجد في الناشئة من الباحثين والمؤلفين.

"سفربرلك" بفتح السين والفاء والباء، وكسر اللام، وهي في الأصل تعبير تركي، استمدت فيه التركية من العربية "السفر"، وبرلك، وتعني الجماعي، وترجمتها الحرفية: السفر معا أو جماعة مهيأة للسفر، ومعناها الاصطلاحي: إعلان الدولة النفير العام والتأهب للحرب عمومًا، ومعناها عند أهالي المدينة المنورة والحجاز يتجه مباشرة إلى الحرب بين الدولة العثمانية والأشراف، والترحيل القسري الجماعي لأهل المدينة المنورة إلى بلاد الشام وتركيا من قبل الحاكم التركي فخري باشا، وهو المعنى المراد في عنوان هذا الكتاب.

قال مؤلفه في مقدمة الطبعة الأولى: "لم تكن حادثة (سفر برلك) منعطفا سياسيا فحسب، بل كانت مأساى نقشت في أذهان المدنيين وطبعت في نفوسهم، حتى صارت حديث المجالس بينهم، وجعلوها عنصرا أساسيا تعزى إليه الأسباب، وحدثا يؤرخون به أحوالهم، ومأساة يرويها الرجال والنساء في قصة سينمائية عجيبة، يزيدون أحيانا كثيرة وينقصون، ليحكوا لأولادهم قصص الثكالى واليتامى والأسر التي تبددت بالرحيل والجوع والوباء والموت".

وقال: "إن الكثير ممَّن تطرق إلى هذا الموضوع في كتبه لم يلتفت إلى ما عاناه أهل المدينة من عذاب وتشرد وجوع وفقر وما نتج عن ذلك من تبعات أثرت كثيرا في شريحة المجتمع المدني فغيرت ملامح حياتهم الاجتماعية والثقافية".

وقال: وقد عنيت في هذا الكتاب بتصوير هذه المعاناة وإبرازها بشكل أساسي، وإلقاء الضوء على جوانب المأساة مع إيراد نماذج حية لأناس عايشوا ورأوا وسمعوا تلك الأحداث، مستندا في ذلك على كتابات المدنيين وما نثروه في كتبهم ومقالاتهم ومذكراتهم المطبوعة والخطية التي لم يكتب لها الخروج إلى حيز النشر والطباعة والانتشار".

جامع المنافع في قراءة الإمام نافع:

ولما رجعت من عند فضيلة الشيخ عمر بن حسن فلاتة، وجدت كتابا لفضيلة الشيخ المقرئ بشير أحمد صديق ينتظرني أهداه إلي، اسمه (جامع المنافع في قراءة الإمام نافع)، برواية قالون من طريقي الشاطبية والطيبة، طبع سنة 1421هـ، قال فضيلة الشيخ المقرئ يوسف عبد الوهاب السمبري في تقريظه للكتاب: "وجدته كتابا مهذبا مبسطا مرتبا قد جمع فيه مؤلفه خلاصة القول في أصول، وفرش القراءات المتعلقة بهذه الرواية بأسلوب ميسر، وليس لطالب هذا الفن حجة بعد هذا التيسير المبارك، فقد جمع أبواب الأصول في مجاريها وحاد عن الشطط في مراميها وبين كلمات الفرش في جداول منتظمة ميسرة في أيسر ما يمكن تيسيره، والحقيقة التي ر مرية فيها أن طلاب هذا الفن كانوا في أمس الحاجة إلى هذا الكتاب الميسر".

ولقد سررت جدا باهتمام الشيخ التأليفي في موضوعه إلى جانب إسهامه البارز في مجال الإقراء والتدريس في المدينة المنوررة وخارجها، وقلما رأيت المقرئين في شبه القارة الهندية يعنون بالكتابة والتأليف، ومن ثم يعدمون التحقيق والتدقيق في تقريرهم لدروسهم على طلابهم، وأدعو الله تعالى أن ينفع بعلمه.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين