كيف أكون أبًّا مثاليًّا (3)

قال: ذكرتَ لي أنه مازال هناك ما تخبرني به من أخلاق الأب المثالي.

قلت: الأب المثالي يُربّي أبناءه ليكونوا مسلمين كما أراد الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قال: أعرف آباء لايُبالون أصلَّى أبناؤهم أم لم يُصَلوا!

قلت: وأعرف آباء يُشجعون أبناءهم على اللّهو وهم يقولون: (خلهم يستمتعوا بشبابهم)!

قال: هؤلاء وأولئك ليسوا بمثاليين.

قلت: بالتأكيد.

قال: ولعلّ الصلاة أهم ماينبغي أن يتابعوا أبناءهم فيها؟

قلت: نعم، ينبغي أن يأمروهم بها ويعلموهم إياها وهم أطفال كما قال صلى الله عليه وسلم: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها). صحيح الجامع.

قال: أذكر رواية أخرى للحديث بصيغة الجمع:(مُرُوا أولادكم).

قلت: نعم، ونَصّ الحديث: (مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع). حديث حسن.

قال: هل هذه مسؤولية الآباء وحدهم أم مسؤولية الأمهات أيضًا؟

قلت: لا شك في أن الأمهات مسؤولات أيضًا، فالأمهات أقرب إلى الأبناء والبنات، وأطول مكثًا معهم من الآباء الذين يطول بقاؤهم خارج البيت.

قال: الأمر إذن في حديثه صلى الله عليه وسلم (مروا أولادكم) موجَّه للآباء والأمهات؟

قلت: نعم، ويؤكّده حديثه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكُلكم مسؤول عن رعيته)، فقد جاء فيه: (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها). متفق عليه.

قال: أريد أن أسألك عن ضرب الأولاد إذا لم يُصلُّوا حين يبلغون العاشرة.

قلت: لابد أولًا من عدم التعجُّل في اللجوء إلى الضرب؛ فالله سبحانه يقول:

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) طه(32)، والاصطبار أشد من الصبر، وهذا يعني أن يُحاور الأب ولده مبشِّرًا إياه بثواب الصلاة العظيم، وأنها سبب في توفيقه في الدنيا، ويقرأ عليه أحاديثه صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة، وأنها مثل نهر بباب أحدنا يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ويُحذِّره من أنه بعدم صلاته يقترب من الكُفر، ويقرأ عليه حديثه صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (إن بين الكفر والإيمان ترك الصلاة)، ويُخبره أن أول مايُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة (فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).

قال: فإذا لم يستجب الولد لهذا كله واضطررت إلى ضربه فكيف يكون هذا الضرب؟

قلت: ذَكَر العلماء أنه يُشترط في ضرب الصبي أو البنت أن يكون ضربًا هيّنًا غير مبرح، ويكون على الظَّهر أو الكتف وما أشبه ذلك، ويتجنب الوجه لأنه يحرُم ضربه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

ويكون الضرب للتأديب والتربية فلايظهر به الرغبة في العقاب خشية نفور الصبي والفتاة، وينبغي ألا يكون الضرب أمام أحد صيانة لكرامتهما أمام نفسيهما وأمام الآخرين.

قال: وإذا كان الأب يعرف أن هذا الضرب يزيد ولده عنادًا ويُنفِّره من الصلاة فهل يضربه؟

قلت: قيَّد الشيخ ابن عثيمين الضرب بذلك فقال رحمه الله: الأمر للوجوب، لكن يُقيَّد بما إذا كان الضرب نافعًا، لأنه أحيانًا تضرب الصبي وما ينتفع بالضرب، مايزداد إلا صياحًا وعويلًا، ولايستفيد، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المُبرّح، الضرب السهل الذي يحصُل به الإصلاح ولايحصل به الضرر.

قال: جزاك الله خيرًا على هذا البيان لأمر الأولاد بالصلاة وتعليمهم إياها في صبر وحِلم.

قلت: في المرة المقبلة إن شاء الله نواصل حديثنا: كيف يكون الأب مثاليًا وكيف يُعلم أولاده الرّفق وكيف يكون هو رفيقًا بهم.

الحلقة الثانية هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين