هل الشرعيون من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد والردة في الأمة ؟ (7)

حوار مع عدد من الشرعيين

كتب أحد الأساتذة الشرعيين هذه الكلمة :

قال مُحدِّثي: هناك ظاهرة ردة وإلحاد في الدول الإسلامية.

قلت له: نحن الشرعيين سببها الرئيس، لو كنا قدوة وتخلّقنا كما أمرنا الله، وبلّغنا الدِّين بثقافة هذا الزمان بعد أن ندرك واقع الناس وظرف الأمة.. لما حصل ما حصل.

وقد نشرنا في الحلقات الخمس السابقة بعض التعقيبات، ونتابع نشر تتمة التعقيبات:

كتب الأستاذ محمد جليلاتي :

هذه الكلمات وضحت ولخصت ما أجد أنه الداء الحقيقي للأمة حاليا 

فنحن نتحمل الجزء الأكبر لما أسميه الانحراف الإيماني وليس فقط باتجاه الالحاد او الردة بل باتجاه التطرف و"الدعشنة"

وقد ساعد على عدم ظهور هذه الأمراض للعلن بهذه الكثافة الضغط السياسي والاجتماعي في البيئة المغلقة اجتماعيا وسياسيا ومع اول فتحة تنفس انفجر الوضع إلى أشد اليمين وأشد اليسار.

لذلك فمن الحلول على المستوى الشخصي لطلبة العلم هو عين ما ذكره الأخ الدكتور محمد أبو زيد في كلماته وهو ما سينعكس وعيا إيمانيا أكبر على مستوى العامَّة

هذه الكلمات هي في صميم ما أحاول وأركز مطالعتي العلمية فيه ومحاولة تكوين تصور متكامل وواضح له.

وسأحاول تضمين بعض أفكاره في رسالتي للماجستير في قسم علم الكلام في جامعة حران بتركيا .

وكتب الأخ وليد دمشقية :

الموضوع المطروح للنّقاش أو إبداء الرّأي حوله جلل جلل، ولا يمكن 

حصره بحدث أو تفصيل أو سبب هنا أو هناك..

هو أقرب لنتاج تراكمات لتراجعات أصاب هيكل الأمّة وبنيانها تدريجيّاً

على مدى عقود، بل قرون طويلة، أسبابها بنيويّة ذاتيّة، وأخرى مرتبطة

بالصّراع العقائدي والحضاري مع الغرب والشرق على حدّ سواء..

ولعلّ بداية المقاربة لهذه الإشكاليّة، "هل الشّرعيّون من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد والرّدة؟" ، بما تطرحه وتدّعيه، صحّ أم لم يصحّ،

يكمن في تحديد معنى العبارات المفاتيح، لمحاولة فهمها 

والرّبط بين كلماتها وعباراتها..

وأرى بدايةً أنّ أقرب توصيف وتحديد للإلحاد عند الأكثريّة السّاحقة ممّن يصفون اليوم أنفسهم بالملحدين..يرتبط بمنظورهم ارتباطاً مباشراً بـ "عبثيّة الحياة والوجود"..

عبثيّة أطّر لها بالمناسبة وعبَّر نظريّاتٍ وكتاباتٍ العديد من فلاسفة الغرب

في رسائل ومؤلّفات، من أشهرهم نيتشه وماركس وكامو

وسارتر وغيرهم كُثر..

في هذا الإطار وضمن تلك المنظومة الفكريّة العبثيّة للحياة والوجود، يكون الإلحاد في الكثير من مظاهره وخلفيّاته 

نوع من تعبير متطرّف شاذّ عن ضياع وحيرة وفوضى في أنماط الفكر، وصولاً إلى العجز التام والمطلق عند هؤلاء في الإجابات على أسئلة وجوديّة يطرحها أيّ إنسان على نفسه 

في مرحلة ما من وجوده..مايؤدّي في بعض الحالات إمّا الجنون 

(نيتشه مثالاً على ذلك) أو إلى الإنتحار (والأمثلة هنا كثيرة جداً)..

هذا على المستوى الفكريّ والبحثيّ ومنه إلى الواقعي..

أمّا على الجانب الآخر من تجلّيات الواقع، فيغذّي ما تقدّم 

انعدام العدالة وشيوع الظّلم على مستوى الجماعات والدّول،

خاصّة في بلادنا المنكوبة بحكّامها من أشباه الرّجال، بل أشباه البشر، ما يُنتِج رفضاً لواقع بئيس يعبث بأحداثه العابثون بأرواح البشر وأرزاقهم وكراماتهم وأمنهم، تقف وراءهم مراكز

أقوى هيمنت على مراكزالقرار وأدواته..

أطلت فيما تقدّم لأصل إلى أنّنا أمام واقع مستجدّ ومتسارع 

غير مسبوق على أكثر من مستوى، ينبغي أن يقابله مقارعة ومواجهة غير مسبوقة تكون على مستوى التّحدّي والنّزال الحضاري، 

وألّا نكون دوماً متأخرين خطوة إلى الوراء ولو حسنت النّوايا، 

ونهدر العمر والأوقات في ردّات الفعل المحدودة في أطر المكان والزّمان.

وعليه فالقضية أعقد بكثير من أن نلصق التهمة بما يُسمّى بالشّرعيّين

عموماً فقط، فضلاً عن المعاصرين منهم، من دون الأخذ بعين الاعتبار بالظّروف الاستثنائية المحيطة بهم والتّحديات الصعبة الّتي يتّسم بها واقعهم، لكن أيضاً من دون إهمال أو إنكار لدورهم الرّيادي وموقعهم في

الصّف الأوّل ومسؤوليّتهم العظمى في توعية الأجيال ونشر الفضيلة وحمل أمانة نهضة هذه الأمّة، لكن من دون أدنى شك، لا بمفردهم، بل هم حجر أساس لا يكتمل البناء من دونه، وإن كان لا يقوم ويستوي البناء بهم فقط..

القضيّة شائكة والمعوّقات لا شكّ كبرى، من بني جلدتنا وممن يتكلّمون بلساننا قبل غيرهم، ولا داعي لوضع النّقاط هنا على حروفها، حيث أنّنا وبكلّ بساطة نحن أمامواقع جديد يتطلّب بعض المقاربات غير التقليديّة

في مكوّناتها وطرق علاجها للإشكاليّات المطروحة..

عطفاً على ما تقدّم، لن نملّ من تكرار أنّه ينبغي أن ندرك أنّنا في 

زمن العمل والتّكامل الجماعي والخبراتي والعلمي بامتياز، بحيث يستحيل على فرد مهما بلغ من الفهم والعلم والعبقريّة أن يُحدث تغييراً 

جذريّاً ونوعيّاً مستداماً..

 نعيش اليوم عصر الهيكليّات والمؤسّسات الّتي تديرها مهارات إداريّة 

وتنظيميّة عالية الكفاءة، نتاج تراكم علوم نظريّة وتجريبيّة وخبرات حياتيّة واقعيّة عديدة..

والأمر ينطبق على ما يُسمّى بالشّرعيّين، علماً بأنّني أؤمن بتعدّد معاني 

وتوصيفات هذه الكلمة، ولعلّ مسؤوليّتهم شرعيّي زماننا الكبرى، بنظري طبعاً، هي أنّهم لم يستطيعوا مسك زمام المبادرة لقصور نظرهم

في إدراك متغيّرات زمنهم وطبيعة واقعهم، هذا إن سلم عندهم 

الجانب والفهم العقائدي والفكري، وتلك قضيّة أخرى وقصّة كبرى..

ولعلّ مسؤولية الشّرعيّين الكبرى في رأيي، وأخصّ بالذّكر المعتبرين والوسطيّين في فكرهم ونهجهم، أنّهم لم يجتمعوا على وضع "خارطة طريق" جماعيّة ومتدرّجة لمشروع مقاومة الانهيار الحاصل على كافّة المستويات، ومن ضمنه الإلحاد.. 

والله المستعان وهو وليّ الأمر والتّدبير والتّوفيق .

الحلقة السادسة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين