هل الشرعيون من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد والردة في الأمة ؟ (6)

كتب أحد الأساتذة الشرعيين هذه الكلمة :

قال مُحدِّثي: هناك ظاهرة ردة وإلحاد في الدول الإسلامية.

قلت له: نحن الشرعيين سببها الرئيس، لو كنا قدوة وتخلّقنا كما أمرنا الله، وبلّغنا الدِّين بثقافة هذا الزمان بعد أن ندرك واقع الناس وظرف الأمة.. لما حصل ما حصل.

وقد نشرنا في الحلقات الأربع السابقة بعض التعقيبات، ونتابع نشر تتمة التعقيبات:

أجاب الأستاذ محمد صبرة : 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النّبيّيّن رسول الهدى محمد وآله وصحبه، وبعد:

جاءتني هذه الرسالة : 

(قال مُحدثي: هناك ظاهرة ردة وإلحاد في الدول الإسلامية.

قلت له: نحن الشرعيبن سببها الرئيس، لو كنا قدوة وتخلّقنا كما أمرنا الله، وبلّغنا الدِّين بثقافة هذا الزمان بعد أن ندرك واقع الناس وظرف الأمة.. لما حصل ما حصل).

جوابي على هذه الرسالة ورأيي بالحلّ المطروح:

بالنسبة لموضوع الردة الحاصلة وانتشار الإلحاد واللاأدرية أرى أن الجواب المقترح تسطيحٌ للمشكلة وقفزٌ فوقها وليس بحثاً عن حلٍ لها ولا لأسبابها الحقيقية.

أو يبدو أن صاحب الحل لا يعايش واقع الإلحاد جيدًا ولا الأسباب المؤدية له.

لو تحدثت مع أحدهم لقال له: نبيّكم تزوج طفلة، شهواني، ونبيكم نبي الإرهاب، والقتل، نبيكم ديكتاتور يلغي الآخرين، ولا يعترف بالآخر وحقوقه، بل يقتله ويتزوج بزوجته.!!

ولو تحدثت إلى آخر منهم: لقال لك: إنك لا تعرف الحياة ولا تعلم أين وصل العلم، نحن كتلة بيولوجية متطورة، أنتم أغبياء لا تتمتعون وتحرمون على أنفسكم المتع والمثلية، ووو...تعيشون في تابوهات اختلقها لكم أجدادكم وأسلافكم قبل تفسير العلم لها أنتم متخلفون ولن تخرجوا من تخلّفكم وجهلكم إلا بتعلّم النهضة العلمية الحديثة والمعاصرة....الخ

على فكرة أقوم بجعل الكلام غير متكبر ولا متعالي لأن كلامهم وأجوبتهم متعالية ومتكبرة أكثر مما ذكر بمراحل، باختصار ما أراه سبب مشكلة ردةالإلحاد المعاصرة عندنا:

1- هي كثرة الشبهات والإشكاليات المطروحة والمختلقة بكثرة وانتشارها بسرعة وتجهيز أجوبة مضادَّة لأجوبتها لعملائهم، والتي تدفع بها وترمي بها مصانع الأفكار ودور الاستشراق الغربية، استناد إلى تراثنا وأحيانا باستخدام بعض الأكاديميين منّا واستحمارهم واستذلالهم بالدولار والشهرة والحياة الرغيدة، تطرح هذه الأسئلة باستعلاء وثقة تستذل شبابنا غير المثقف ثقافة شرعية وهو يدخل المنتديات العامة وجلّ مسؤوليها منصّرين وخبراء تضليل .

2-انتشار الفكر اللاديني أو ما يسمى ثقافة العَالمانية نسبة للعَالم الدُنيوي وليس للعلِم، وإلغاء أو تكميم حسبان الآخرة ومعاني " ربّ اغفر لي وتب عليّ " ، أي انتشار الفحش وتحليله ثم تحوّله لشيء طبيعي فيصبح الدين والآخرة عدو لصاحب الشهوة والرغبة، إن الإعلام العربي اللاديني أكبر مفرخة لانتشار الإلحاد واللادينية ونسيان الآخرة والحلال والحرام، وبأحسن الأحوال تفسير الزنا تفاسير معصرنة باستحلالها هي والخمر ومع إعدام أي اعتبار أو حسبان للآخرة، 

لقد نسي العالم جميعه من شرقه إلى غربه اليوم الآخر أو اعتبار من يتكلم عنه متخلف خارج هذا العصر ومفاهيمه.

4- انتشار العلم الغربي المُألحَد وتحوّله إلى شمّاعه أو قشّة يتعلّق بها من يريد الخلاص من قيود الدين وحلاله وحرامه، فمثلاً: اعتبار نتائج نظرية التطور حقيقة لا غنى عنها لتفسير ظهور الحياة البشرية على الأرض، وأننا كومة بيولوجية تمّ لفظنا عن تطوّر الكائنات، فالغبيّ من يضع لنفسه القيود التي تحدّ من رغباته وشهواته، إن انتشار هذا الفكر الملحد هوّن وسهّل التفلّت من الدين وقيمه.

5- ندرة الممثل الشرعي المخلص، أو استخفاء الممثل الشرعي للدين وصاحب القيم والمتعالي على رغبات الدينا والمتعيّش على موائد الحاكم وانتشار أمثلة لا تمثل سوى ترقيع مستهتر لقيم الدين المتعالية عن رغائب ورهائب الدنيا، أو هذا ما يريده الإعلام العربي والغربي بتسليط الضوء على ما يشين ويهين الدين وقيمه من رجاله وحملته ومفاهيمه.

6- جدار القدر (أو جدار الزمن ): لا أدري إن حسُنت الصياغة اللفظية عن الفكرة، إن للظالم يوما أكيدا والذين امتلؤوا شبهات وشهوات وكرهوا أعمال الشرعيين يستعجلون هذا اليوم، وإن لم يحصل ما يريدون سريعاً كما يشاؤون، سبّوا القدر ولعنوا الدنيا والآخرة، إنها قلّة معرفة بمفاهيم الدين وأسسه، والله تعبّدنا بالصبر وجعله وعاء للعبادات جميعها.

موضوع الخروج عن الدين ومفاهيمه واستسخافه موضوع معقّد ومتداخل الأسباب وأسبابه نفسية شهوية أكثر منها، كره لأهل الدين ونقائصهم، والتي توضع تحت مجهر التكبير والانتشار السريع وتحت مباضع الجراحين للانتقاد والتفسير والأخذ والرد.

انتشر الإلحاد في الأرض جميعا شرقها وغربها وأصبح مفهوم "رب اغفر لي وتب عليّ" عيب وعار وصاحبه بعيد عن الحداثة والعلم والمفهومية، وكأن الأرض تنتظر حدثا عالميا كونيا شبيها بما حصل زمن سيدنا نوح عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام لتشابه الأسباب.

اللهم نجّنا بفضلك وردنا إليك غير خزايا ولا نادمين.

وكتب الأخ الشيخ عبد الرحمن ياسرجي :

يوجد شيء مما ذكر لكن ليس على الإطلاق. وكذلك ليس هذا الذي وصل إليه الشباب بسبب العلماء الثقات إنما بسبب من تخرج من العلماء من مدارس الاستشراق والتشكيك والشبه وهم كثر.

وكذلك بسبب ضعف كثير من طلبة العلم علميا وفكريا وثقافيا ، وعدم متابعتهم واهتمامهم بالمهارات العلمية والمعرفية ومهارات التواصل والإقناع ووو...

لذلك أرى أننا فعلا نحتاج لإعادة بناء الدعاة أولا والبدء من الأطفال واليافعين والشباب من سن 15 سنة فما دون لتمكينهم وتحصينهم علميا وفكريا ومهاراتيا . وهذا لن يكون إلا بإعادة صياغة المناهج والمنهج من خلال إعداده من قبل نخبة من أهل الخبرة والكفاءة في العلم والتربية والإدارة من المخلصين والثقات .

الحلقة الخامسة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين