الاجتهاد الجماعي في العصر الحاضر(3)

 

من يقوم بالاجتهاد؟

وقد بسط فقهاء الإسلام القول فيما لابد من معرفته لمن يقوم بالاجتهاد، ولعل أحسن ما كتب في هذا الصدد هو ما جاء في كتاب المستصفى للإمام الغزالي.

والعلوم التي لا بد منها لتحصيل منصب الاجتهاد عند الإمام الغزالي هي كالآتي:

1 – الكتاب.

2 – السنة.

3 – الإجماع.

4 – العقل.

5 - نصب الأدلة وشروطها طريق

6 - اللغة والنحو وهذان علمان مقدمان الاستثمار

7 - الناسخ والمنسوخ

8 - علم الرواية وهما علمان متممان

وإليكم تفصيل هذا الإجمال في ضوء كتاب "المستصفى": 

كتاب الله:

1 - لا يشترط معرفة جميع الكتاب، بل ما تتعلق به الأحكام منه وهو مقدار خمسمائة آية.

2 - لا يشترط حفظها عن ظهر قلب، بل يكفي أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج إليها في وقت الحاجة. 

السنة:

1 - لا بد من معرفة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام، وهى وإن كانت زائدة على ألوف فهي محصورة.

2 - لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ وأحكام الآخرة وغيرها.

3 - لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل يكفى أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام كسنن أبى داود ومعرفة السنن لأحمد والبيهقي أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام، ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه وقت الحاجة إلى الفتوى وإن كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل.

الإجماع:

1 - ينبغي أن تتميز عنده مواقع الإجماع حتى لا يفتى بخلاف الإجماع.

2 - كما يلزمه معرفة النصوص حتى لا يفتى بخلافها. والتخفيف في هذا الأصل أنه لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كل مسألة يفتى فيها فينبغي أن يعلم أن فتواه ليس مخالفا للإجماع، أما بأن يعلم أنه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان، أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض فهذا القدر فيه كفاية.

العقل:

نعنى به مستند النفي الأصلي للأحكام فإن العقل قد دل على نفى الحرج في الأقوال والأفعال وعلى نفى الأحكام عنها من صور لا نهاية لها.

أما ما استثنته الأدلة السمعية من الكتاب والسنة فالمستثناة محصورة، وإن كانت كثيرة، فينبغي أن يرجع في كل واقعة إلى النفي الأصلي والبراءة الأصلية. 

العلمان المقدمان:

1 - معرفة نصب الأدلة وشروطها التي بها تصير البراهين والأدلة منتجة والحاجة إلى هذا تعم المدارك الأربعة، (من الكتاب والسنة والإجماع والعقل).

2 - معرفة اللغة والنحو على وجه يتيسر له فهم خطاب العرب هذا يخص فائدة الكتاب والسنة. ... والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد، وأن يعرف جميع اللغة ويتعمق في النحو، بل يكفيه القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويستولى به على مواقع الخطاب ودرك حقائق المقاصد منه(3).

ولابد إلى جانب هذا كله معرفة حاجات الناس وعاداتهم وطبائعهم فإن شريعة الله لا تنفذ إلا على الناس ولا تطبق إلا في بيئة من الناس. 

وبدون معرفة ما يتعلق بعاداتهم وطبائعهم لا يمكن للمجتهد أن يصل إلى نتيجة إيجابية. وأشار الإمام ابن القيم إلى أهمية هذه المعرفة، فيقول:

"ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتاب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب، على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم"(4).

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين