أيها المستمع الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
تحدثت في حلقة الأمس عن وصايا لقمان الحكيم لولده، وكانت عشر وصايا، انتهيت فيها بالأمس إلى الوصية الرابعة والخامسة، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واليوم أتمم بقية تلك الوصايا العشر فأقول:
الوصية السادسة: الصبر على الأذى يصيب الإنسان في سبيل الله تعالى إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر، فإن ذلك من لوازم القيام بدعوة الناس إلى الجادة والبعد عن المخالفة، لأن النفوس الجاهلة أو الضعيفة كثيرًا ما تتنكَّب طرق الخير وقبوله، وتقابل الدعوة إلى الخير بالشر والأذى لمن يدعوها إليه، ولهذا قال: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾.
الوصية السابعة: التواضعُ للناس ولِينُ الجانب معهم وخفض الجناح لهم، فإن ذلك مدعاة الألفة والمحبة بين الناس، ولذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمن: المؤمن آلِفٌ مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلَف. ومن هذا قال لقمان لابنه: ﴿وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾، وهذا الأدب من أهم آداب الداعية إلى الله تعالى، إذ الدعوة للخير لا تجيز التعالي على الناس والتطاول عليهم باسم قيادتهم إلى الخير، ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل.
الوصية الثامنة: الِمشيَةُ بالأدب والتواضع من غير خيلاء ولا كبرياء ولا استعلاء على الناس، فإنَّ اللهَ فطرَ الناسَ على محبتِهم لمن تواضع لهم، ونفورِهم ممن تكبَّر عليهم، لأنه مخلوق من بينهم فهو مثلهم أو دونهم، فلا معنى لتكبره عليهم إلا صِغَرُ نفسه وضَعْفُ خُلُقه: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور﴾.
الوصية التاسعة: الاعتدالُ في المشي دون سرعة أو تباطؤ متكلَّف: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِك﴾، وذلك عنوان الكياسة والكمال، فإن السرعة في المشي دون سبب تذهب ببهاء المؤمن ووقاره، كما أن التواني في المشي والتراخي فيه دون مقتضى لذلك يخالف الشكيمة والقوة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، ومن أجل هذا أنكر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مِشْيَةَ رجل رآه يمشي متماوتا متراخياً وهو سليم معافى، فسأله: ألستَ مسلماً؟ قال: بلى. فقال: لا تُمِتْ علينا ديننا! ارفع رأسك وامدد عنقك، فإن الإسلام عزيز منيع. ثم خفقه بالدرة تأديبا له من أن يعود إلى مشيته المتماوتة.
الوصية العاشرة: خفضُ الصوت عند المحادثة ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾، ورفعُ الصوت في الحديث دون حاجة تقتضيه؛ عنوانُ نقصٍ في كمال الإنسان وأدبه، ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكلمونه كأخي المُسَارِّ، أي المتحدث مع آخر بِسِرٍٍّ، يخفضون أصواتهم بحيث تؤدي الغرض ولا تخرج عن الأدب أو تصك الأسماع بخشونتها.
هذه عشر وصايا نافعة قد حكاها الله سبحانه عن لقمان الحكيم، في كتابه الكريم، ليتمثلها الناس في حياتهم، وليقتدوا بها في سلوكهم وأدبهم، وخير الأدب ما أدَّبَنا الله به أو رسوله، فإليكم أيها الأبناء خير وصايا الآباء مما قصَّه الله علينا، لنسير عليه ونعمل به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة
الحلقة السابقة هـــنا
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول