مؤسسات الجهاد والدعوة في الدولة الإسلامية (4)

 

التعقيبات

1 – د. محمد الدسوقي:

شكراً للأستاذ الدكتور جمال الدين عطية على ما قدَّم، وإن كنت أرى أن الموضوع الذي عرضه طغى عليه الجانب القانوني على الجانب الإسلامي من وجهة نظري، وقد أكون مخطئاً، ومن جهة أخرى فإنه قد تعرض إلى قضية خطيرة وهي قضية النسخ في القرآن الكريم، وكنت أرجو أن يتسع وقته لمراجعة كتاب (النسخ في القرآن الكريم) والذي احتوى على دراسة طيبة عن آية السيف وعمَّا يقال عن أن هذه الآية قد نسخت كثيراً من آيات الجهاد أو القتال، على كل حال لقد فتح الأخ الكريم موضوعاً حيويَّاً ومهمَّاً، والحوار حوله لا شك سيثري هذا الموضوع ويوضح كثيراً من قضاياه وجوانبه.

2 – د. عبد الحميد مدكور:

أعتبر أن موضوع هذه الندوة مهم جداً وهو يقدم إسهاماً في تقديم تنظير ما يمكن أن تقوم عليه دولة إسلامية تلتزم بشرع الله تعالى وحكمه إذا أتيح للناس أن يعيشوا في ظل هذه الدولة المرتقبة، فهو تنظير فكري يسهم في تقديم الاحتمالات والبدائل والدراسات التي كثيراً ما يُعاب على المسلمين بأنهم لا يقدِّمونها ولكن يقدمون شعارات مجملة.

لعلنا استمعنا إلى الرأي الخطير الذي يُقسم العالم إلى دار إسلام ودار حرب، وإن كان هذا الرأي لم يُذكر صراحة في الندوة وأصحاب هذا الرأي يقولون بالجهاد المطلق سواء حدث اعتداء أو لم يحدث اعتداء حتى يكون الدين كله لله تعالى، وقد جاء هذا الرأي في وقت كان فيه المسلمون يملكون القوة والسيادة، لكن ذلك انحصر الآن بعد أن ضعفت الأمة الإسلاميَّة، كنت أرجو أن يوضح لنا الدكتور جمال توضيحاً كافياً عن الأدلة التي استند إليها أصحاب هذا الرأي وليس فقط الآية التي نسخت مائة وعشرين آية. 

وكذلك أن يذكر لنا أعلام هذا الرأي في الفكر القديم أو المذهب الذي يتبناه حتى لا نمر مروراً سريعاً على فكرة نجدها الآن تتسلل إلى عمل بعض الجماعات الإسلامية وتتبناها هذه الجماعات وهي فكرة تكفير الدولة وتكفير المجتمع وحرب الناس جميعاً والانعزال عن المجتمع إذا لم يتيسر المشاركة في حكم هذا المجتمع... فكنت أود أن يتولى الدكتور جمال تفصيل هذا الرأي تفصيلاً أوفى.

بخصوص ما أُثير بشأن موضوع كلية الشريعة، هناك اتجاه للربط بين الدراسة والتوظيف، والفكرة التي طرحت تفتح باباً جديداً للدعوة الإسلامية ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العالمي. وشكراً.

3 – الطالب معتز:

السؤال الذي أطرحه: بالنسبة لعنوان الندوة ماذا يعني الدكتور جمال بالدولة الإسلامية؟ هل يعني بها الدولة الإسلامية التي كانت على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية أم الدولة الإسلامية المنقذة في الوقت الحاضر؟

السؤال الثاني: ما هو موقع الحركات الإسلامية من مؤسسات الجهاد والدعوة الإسلامية؟ وشكراً.

4 – الطالب حمين:

أبدأ بالتعليق على العنوان حيث أرى أن الدكتور المحاضر فصل الدعوة عن الجهاد، وكأن الدعوة لا تمس الجهاد بأي صلة، والمعلوم أن الحديث النبوي الشريف جاء فيه: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) فهل ما جاء بالعنوان من عطف الدعوة على الجهاد من باب عطف الخاص على العام أم أن هناك فصلاً بين الدعوة والجهاد؟

السؤال الثاني: كيف يمكن للدولة الإسلامية المرتقبة – بإذن الله – أن تقوم بواجب الجهاد في ظل القوانين الدولية القائمة التي تمنع الحرب والاعتداء على الدول المجاورة؟

والسؤال الثالث: باعتباركم من أساتذة القانون الدولي هل يمكن في ظل القوانين الدولية المتعارف عليها أن تسمح دولة لدولة أخرى بأن تنشر أفكارها في داخل هذه الدولة؟ وما هو الحكم الشرعي إذا ما طالبتنا دولة غير إسلامية بأن تسمح لنا بنشر مبادئها داخل ديار الإسلام؟ وشكراً.

5 – د. عثمان سيد أحمد:

أرى أن الموضوع لا يمكن أن يُعالج في ساعة واحدة، وقد اتضح أن الدعوة لم تأخذ حقها في العرض، بالنظرة التاريخية نستطيع أن نقول: إن قضية تثبيت الدولة في الجزيرة واعتبار ما حدث بعد ذلك دفاعاً هو صحيح إلى أبعد حدّ، الدولتان الكبيرتان الموجودتان في ذلك الزمان، لم تكن للتعايش سلميَّاً مع الدولة الإسلامية، وكان يجب أن يقوم كل منهم بمحاولة التخلص من الآخر، ومن ثَمَّ كان من واجب الدفاع أن تسعى الدولة الإسلامية ضد الدول الأخرى التي لن تحترم وجود الدولة الإسلامية إلا قسراً، فأسقطت الدولة الإسلامية الدولة الفارسية، ثم واجهت بعد ذلك الدولة البيزنطية، وظلت هذه المواجهة مستمرة باستثناء فترات الهدنة التي تخللتها...وحتى الآن العالم غير المسلم لا يعايش المسلمين، ويسعى بالطرق المختلفة أن يقضي عليهم، وما حدث في البوسنة والهرسك سابقاً وفي الشيشان وغيرها يكفي للتدليل على ذلك... والواقع أن الإسلام قد انتشر في معظم الدول عن طريق الدعوة وليس عن طريق الجهاد، والمستقبل للدعوة وليس للقتال.

6 – د. يحيى ربيع:

فيما يتعلق بالآيات المتعلقة بالجهاد... الدكتور جمال عرضها دون ترجيح، وكنا نتمنى أن يقوم الدكتور جمال بالترجيح بينها، هل نقاتل غير المسلمين جميعهم أم نقاتل من يقاتلنا؟

- أعتقد أن المقصود بالجهاد والدعوة في العنوان التعريفات الاصطلاحية وليس اللغوية، وإذا كان الأمر كذلك فما هو الفرق بينهما؟ هل تقصد ترجيح الرأي الأول وهو أن الجهاد أحد وسائل الدعوة وأن القتال العام هو الوسيلة الأساسية لنشر الدعوة وبالتالي يصدق ما ادعاه المستشرقون بأن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف؟

نقطة أخرى تتعلق بما اقترحته حضرتك من ضرورة إنشاء مؤسسات شعبية وحكومية والتنسيق بينها، فهل يمكن أن يحدث هذا في مجتمعاتنا الإسلامية بينما الخصام في معظم بل كل الدول الإسلامية بين المؤسسات الشعبية والمؤسسات الحكومية قائم؟

- بخصوص موقف الأمة الإسلامية من إسرائيل التي تنتهك الأرض والعرض، ما هو الحكم الشرعي في موقف الدول الإسلامية من هذه القضية، هل هو موقف إسلامي أم موقف غير إسلامي؟ شكراً.

7 – د. محمد رأفت سعيد:

أحسن الأستاذ الدكتور جمال الدين عطيه صنعاً حينما ذكر أن مؤسسات الجهاد والدعوة ينبغي أن يذكر معها الحديث عن المؤسسات السابقة والمؤسسات اللاحقة... فالحديث عن الجهاد والدعوة لا يصح أن يأتي منفرداً بل ينبغي أن يتكامل في دائرة مؤسسات توجه بالتربية كما أشرتم، فالإعداد مثلاً تتكاتف فيه جهات ومؤسسات أخرى، وكذلك الدعوة.

الأمر الآخر: هو ما تعودنا أيضاً من الحديث عن التنظير القابل للتطبيق، أو بمعنى آخر وضع التصورات العملية لمؤسسات ت قام في الدولة الإسلامية إلا أنه لا يكتفي فقط بعرض الآراء المختلفة دون الترجيح بينها، فمثلاً مسألة الجهاد هل هو دفاعي أم جهاد لأجل إكراه الآخرين؟ ما هو موقفكم من هذه الآراء؟ وما هو التصور القابل للتطبيق بناء على هذا التصور؟ مع خالص شكري.

8 – د. محمد نعيم ياسين:

أخطر موضوع سمعته – الحقيقة – هو ما قيل عن حكم الجهاد أو غايته هل دفاعي أم هجومي؟

لابدَّ للإجابة على هذا السؤال من بيان الهدف من بعث الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وبيان وسائل تحقيق هذا الهدف، فالهدف هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور.... ووسائل تحقيق هذا الهدف في مجموعاها يمكن أن يطلق عليها الجهاد، سواء كان ذلك باللسان أو بالبيان أو السيف أو حتى بالجنان، وهو إنكار المنكر بالقانون، ولكن تغيير قلوب الناس لا يكون بالسيف ولكن السيف يمكن أن يحرس الوسائل الأخرى التي ليس من ضمنها الإكراه فآية:[لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ] {البقرة:256} لم تنسخ في الحقيقة، ولا يمكن القول بنسخها، ولكن القتال أو الجهاد يمكن أن يكون حارساً حتى يستطيع الناس أن يختاروا بحرية، أما القول بأن القتال أو الجهاد للهجوم فهذه مقولة عصرية في الحقيقة، ولم يوجد في كتب السلف ما يشير إليها، ولكنها م وجودة فقط في كتب المستشرقين، وأكبر دليل على ذلك هو إجماع الفقهاء على أن الجهاد له حكمان: الأول: أن يكون الجهاد فرض كفاية، وذلك حينما لا يكون هناك عدوان، ومعنى ذلك أن يكون واجب على الأمة.

والثاني: أن الجهاد يكون فرض عين حينما يكون هناك عدوان، فالعدوان يحول الجهاد من فرض كفاية إلى فرض عين، وهذا التقسيم معروف عند الفقهاء جميعاً، ولا يوجد من الفقهاء من يناقش فيه، فالجهاد في الأصل هو لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية، وذلك بكافة الطرق... والدول العظمى مثل أمريكا تستخدم هذا الأسلوب الإسلامي لنشر فكرتها غير الإسلامية، فإذا استطاعت من خلال الإعلام وبث الإشاعات وغيرها في تحقيق فكرتها فإنها تكتفي بذلك، وإلا فهي مستعدة لإرسال قواتها إلى الدول الأخرى كما فعلت مع كل من الصومال وهاييتي... فالإسلام له هدف يحققه بكافة الوسائل المشروعة وهو أعظم دين وأطهر تشريع حيث يحرم قتل النساء، ويحرم الإبادة...

وبخصوص ما ذكر من أن المرحوم سيد قطب رحمه الله تعالى هو أول من قال بالتدرج والأحكام المرحلية فإن هذا رأي قديم وجدته عند ابن القيم في زاد المعاد، وربما ذكره غيره، وهو رأي صحيح، والله أعلم. وشكراً.

9 – د. أحمد حمد:

كنت أنتظر من الدكتور جمال أن يفرق التفريق الظاهر بين الجهاد والدعوة، فقد أتى في الجهاد بإنقاض المستضعفين وحقوق الإنسان وغير ذلك... وفي الدعوة كذلك أتى بهذا... في الحقيقة إنني أرفض ذكر الجهاد منفصلاً عن الدعوة، فإنه لا يكون هناك مجاهد إلا إذا كان داعياً، والداعية لا يكون كذلك إلا إذا كان مجاهداً.. وأنا لا أوافق كذلك على حصر الجهاد في القتال وحصر القتال في المؤسسة العسكرية، حيث يجب أن تكون الأمة كلها قادرة على أن تقاتل... ولذلك كنت أريد أن يكون العدوان أكثر دقة من ذلك.

ما قاله الدكتور جمال عن الدفاع الجماعي جعلني أخلط بينه وبين الدفاع الاجتماعي، وكنت أود توضيح التفرقة بينهما.

وبخصوص ما طرحه الدكتور جمال عن المنظمة الدولية فهذه ليست منظمة دولية، ولكنها منظمة الدول الكبرى أو منظمة أمريكية، فأنا أعتبرها منظمة إقليمية وليست منظمة عالمية.

وأخيراً أشير إلى أنني قد تناولت هذا الموضوع في كتاب (نحو قانون موحد للجيوش الإسلامية) وشكراً.

10 – د. محمد الحفناوي:

الحقيقة أن ما قيل من أن آية السيف نسخت كل الآيات سببه أن مفهوم النسخ عند علماء السلف كان أوسع منه عند المتأخرين فكانوا يطلقون على تخصيص العام نسخاً، وكذلك على تقييد المطلق، ومن قرأ (الناسخ والمنسوخ) لابن سلامة أو لأبي جعفر النحاس أو لابن الجوزي يرى كثيراً من هذا... وأما المتأخرون فقد حصروا مفهوم النسخ في أنه إبطال حكم شرعي أو رفعه بدليل شرعي متأخر.

أرى أن السبب في اللبس الذي حدث بين الآراء الثلاثة التي أشار إليها الإخوة المتحدثون لم يكن لوجود تعارض في ظاهر الآيات القرآنية فلا توجد في القرآن آية قد نسخ حكمها بآية السيف، ولكن اللبس الذي حدث ونتجت عنه الأقوال الثلاثة كان سببه هو تعارض بين حديثين:

حديث ابن عوان الذي فيه: (كتبت إلى نافع أساله هل كانت الدعوة قبل القتال؟ فقال: كان ذلك في أول الإسلام أو في أول الأمر ثم قال: أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون (ساهون غافلون).

والحديث الثاني: (ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط حتى دعاهم).

والرأي الثالث كان وسطاً وهو أنه من بلغتهم الدعوة تجوز مباغتتهم بالقتال، ومن لم تبلغهم لا نباغتهم بالقتال... فالحديثان المذكوران هما سبب الخلاف وليس الآيات القرآنية... وشكراً لكم.

11 – د. يوسف القرضاوي:

شكراً للأخ الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية على ما قدم وأنا أعلم اهتمامه بموضوع الدولة الإسلامية من عشرات السنين... الموضوع كبير وطويل وخاصَّة أنه ربط بين موضوعين وهما حقيقان بالربط فعلاً، وهما الجهاد والدعوة... وقد أثار أشياء مهمة جداً في الحقيقة كانت تحتاج إلى وقفات...

ما يتعلق بالإعداد... التصنيع الحربي... الاكتفاء الذاتي من الغذاء حتى لا تكون الأمة عالة على غيرها، هذه الأشياء التي يقول عنها الفقهاء: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

ثم مسألة القتال، وقد أثار قضية القتال هل هو هجومي أم دفاعي؟ وما ثار حولها من كلام وخصوصاً في عصرنا منذ أثارها الشيخ رشيد رضا ثم الشيخ محمود شلتوت في (القرآن والقتال) ثم الشيخ خلَّاف، وأبو زهرة و د. محمد عبد الله دراز في (مبادئ القانون الدولي في الإسلام) والشيخ الغزالي... وكل كُتَّاب العصر تقريباً فيما عدا رجلين خالفا جمهرة الكُتَّاب وهما الأستاذ المودودي، و تبعه الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى، والأول هو الذي بدأ بهذه القضية حين قدر أن الإسلام جاء لإحداث ثورة عالمية وأن الجهاد من أجل إحداث هذه الثورة العالمية... والقضية قضية كبيرة جداً، وإذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم فهناك تعارض فعلاً بين ظواهر هذه الآيات، وهنا أخالف الأستاذ الدكتور الحفناوي لأن الحديثين اللذين ذكرهما يخصَّان قضية أخرى (مسألة الإغارة) ولكن القضية المعروضة هنا هي هل الجهاد لكفر الكفار أم لعدوانهم؟ وهناك رسالة لابن تيمية تحمل هذا العنوان ذكرها الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى في كتابه الكبير عن ابن تيمية، وإن كان إخواننا السلفيون ينكرون نسبة هذه الرسالة لابن تيمية، ولكن الحقيقة هذه رسالة لابن تيمية فعلاً... والذي يظهر من القرآن فعلاً أن القتال ليس لكفر الكفار وإنما لمن يقاتل منهم وهذا واضح فعلاً:[ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا] {النساء:90}، وذكر الدكتور جمال الآيات التي احتج بها أصحاب كل رأي... ولكن الفقهاء اختلفوا في آية السيف التي نسخت مائة وعشرين آية (البعض ارتفع بهم إلى مائتي آية) هل هي آية الجزية أم [فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ] {التوبة:5}، أم آية:[ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً] {التوبة:36}.

وأنا أقول: على كل حال، نحن في هذا العصر لا نحتاج إلى أن نقول أنه لابدَّ من قتال هجومي، وكما قال الدكتور نعيم أن الفقهاء متفقون فيما مضى على أن الجهاد منه فرض كفاية ومنه فرض عين، ولكن بماذا يتحقق فرض الكفاية: هناك من قالوا – مثل ابن حجر في التحفة والرملي في النهاية – إنه يكفي لتحقيق فرض الكفاية شحن الثغور بالمقاتلين لحراسة الدولة، والأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى قال بالمرحلية في الآيات وهي ليست كما قال ابن القيم، لأن ابن القيم قال بحدوث النسخ في الآيات، ولكن سيد قطب لم يقل بوقوع النسخ، ورأيه هذا سبق أن قال به الإمام السيوطي في كتابه (الإتقان) حيث عاب على من قالوا بأن هذه الآيات نسخت بآية السيف، وقال: إن هذه الآيات لم تنسخ وإنما أُنسئت، والمنسأ هو الذي يعمل به في وقته وفي مثل ظروفه، أي أن هذه الآيات منها ما ينطبق في حالة ضعف المسلمين، ومنها ما ينطبق في حالة قوتهم، وأنا أقول: إن ما قاله الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى وما قاله الأستاذ المودودي وعللوا به حمل المسلمين للسيف من تهيئة الجو للدعوة وإزاحة السلطات الطاغية التي تحول بين الدعوة وبين الوصول للشعوب... لم يعد له مبرر الآن، فأنت تستطيع أن تملأ العالم بنشراتك، وأن تخاطبه بإذاعتك الموجهة... فإن كنت ماهراً وجاداً فأعد الدعاة الذين يقومون بهذا الأمر.

بكل اسف ليس عندنا ترجمة أمينة ودقيقة لمعاني القرآن في أي لغة من اللغات مع أن الإسلام لا يخاطب المؤسسات فقط بل يخاطب كذلك الأفراد، حتى في الجهاد الجيش الإسلامي ليس جيش أساسي فقط، ولكن هناك جيشاً احتياطيَّاً، يشمل أفراد الأمة كلها، لأنه من الممكن أن ينقلب إلى فرض عين، وحينئذ يطلب من الأمة القتال فلابد أن تكون مستعدة لذلك وأن تتدرب باستمرار حتى لا تنسى ما تتعلمه من فنون القتال... ومن ناحية الدعوة كذلك يجب أن تقوم الأمَّة كلها بالدعوة، ومعروف أن الإسلام انتشر في العالم ليس عن طريق مؤسسات أو أناس محترفين للدعوة، ولكنه انتشر بواسطة متطوعين للدعوة كالتجار، والصوفية وغيرهم، فالقضية قضية كبيرة، ولكنني لا أريد أن أطيل عليكم، وفي النهاية أريد أن أقول كلمة: إن ما قاله الدكتور جمال بخصوص ضرورة إنشاء أو تخصيص كليات للدعوة أمر مهم وأنا أؤيده في هذا... وأكفي بهذا القدر وشكر الله لكم...

تعقيب الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية على التساؤلات والملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم، اشكر الإخوة المعلقين جميعاً، وأرى أن بعضهم رد على البعض الآخر خاصَّة في مسألة الجمع بين الجهاد والدعوة، وفي مسألة الرأي القائل بالنسخ... وبقيت بعض المسائل البسيطة منها ما تساءل عنه الدكتور أحمد حمد... ليس المقصود بالدفاع الجماعي الدفاع الاجتماعي، ولكن الدفاع الجماعي يكون حينما تساعد دولة غير معتدى عليها دولة أخرى معتدى عليها فهذا ما يعبَّر عنه بالدفاع الجماعي.

- تساؤل الطالب حمين عن كيفية القيام بالجهاد في ظل القانون الدولي المعاصر، في الحقيقة أن هذا كان هدفي الأساسي من هذه الندوة، وكما أشار الدكتور القرضاوي من أننا لا نحتاج للجهاد لتوصيل الدعوة لأنه توجد في الظروف الحالية وسائل أكثر فاعلية في توصيل الدعوة، ويبقى أن يحدث انسجام بين مفهوم الجهاد على أساس الدفاع وبين المفاهيم الدولية التي تحكم العالم الآن، وما سردته من صور للدفاع التي يمكن أن يقوم بها المسلمون الآن كفيلة بأن تستغرق جهودهم في كل الميادين الموجودة، فما من جبهة مفتوحة الآن إلا والمسلمون معتدى عليهم فيها، وبالتالي فإن القيام بنصرة هؤلاء يكون مستنداً إلى الإسلام وإلى القانون الدولي في الوقت ذاته، ولا داعي لأن نفتعل خلافاً غير موجود بين مفاهيم القانون الدولي وبين مفهوم الجهاد في الإسلام.

- الدكتور يحيى ربيع، تساءل عن عدم قيامي بترجيح أحد الآراء الثلاثة... أنا قلت: إنني أتفق مع رأي الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى بعدم وجود نسخ في آيات القتال، ورأيه في أن الدفاع يكون له مفهوم أوسع، وحاولت أن أوضح هذا المفهوم الأوسع لأن المفاهيم الدولية الحديثة لا تقتصر على صورة الدفاع ضد العدوان المسلح المباشر على حدود الدولة، ولكنها امتدت إلى صور كثيرة للعدوان، وبالتالي للدفاع ضد هذا العدوان.

أكتفي بهذا القدر وأشكركم جميعاً، وأشعر أن الحديث قد أدى هدفه في تحريك هذه المسائل التي – بطبيعة الحال – لا تكفي هذه الندوة لتغطيتها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

* هذه الحلقة الخامسة من سلسلة ندوات (مؤسسات الدولة الإسلامية) والتي عقدت بكلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية في 3/10/1995م.

المصدر: مجلة المسلم المعاصر، شوال – ذو القعدة – ذو الحجة 1423 - العدد 107

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين