كورونا والملاحظات التسع 4-5

وأما قول الكاتب في ملاحظته السابعة:

سابعا- ينبغي التأسيس لاعتقاد ديني يقوم على القانون العام والسننيّة الكونية ، بحيث يكون القانون العلمي والقانون الاجتماعي العام والقيم الأخلاقية الانسانية هي التعبير المباشر عن مفهوم الله أو إرادة الله، وليس شيء آخر! اهـ

فأقول: أيها القارئ الكريم، هذه دعوة سافرة صلعاء، يدعو الكاتب من خلالها، إلى الكفر بما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والاستبدال به دينا آخر، واعجب ما وسعك العجب أن ذلك الدين الآخر الذي يريده الكاتب، ليس له حظ من الوحي قليلٌ ولا كثير، وإنما سَداه ولُحمته القانون العام والسنن الكونية، والأعجب من ذلك العجب أن الكاتب يصر على أن يسميه (دينا) معبرا عن الله أو عن إرادة الله.

يعني أنك إذا أردت أن تعرف ما ذا يريد الله منك فانظر ماذا يريد منك القانون العلمي والقانون الاجتماعي والقيم الأخلاقية الإنسانية.

وهذا كلام مرسل يعرف كاتبه أنه ليس له في الذهن صورة واضحة محددة.

وإلا فعن أي قانون اجتماعي أو عن قيم أخلاقية يتحدث؟

هل القانون الاجتماعي الذي يحول بين الوالدين وبين تربية أبنائهما وبناتهما على الدين والصلاة والعفاف والاحتشام، بذريعة عدم مصادرة الحرية الشخصية لهم أو لهن، كما هو السائد في عموم الدول الغربية وغير الغربية، هل هو مراد الله؟!! والله سبحانه يقول في محكم التنزيل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]

ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]

هل القانون الاجتماعي الذي يبيح نكاح المحارم كما عند بعض المجتمعات الدينية أو العرقية، هل هو مراد الله؟ والله سبحانه يقول: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء: 22، 23]

هل القانون الاجتماعي الذي يبيح المثلية الجنسية التي أقرها المشرعون ورجال القانون في أكثر الدول الأوربية، وفي الولايات المتحدة، وفي عدد غير قليل من دول آسيا وأفريقيا والأمريكيتين... هل هذا مراد الله؟ وهل هذا تعبير عن مفهوم "الله" كما يزعم الكاتب"!! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

كيف وهو سبحانه القائل عن قوم لوط أهل قرية سدوم وأخواتها: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)} [الأعراف]

وقال عن عذابهم: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود]

إن التصور الصحيح عن "الله" وعن مراد الله من عباده، لا تستقل به عقول العباد، وإنما تبَلغهم إياه الرسل من بني آدم، الذين اختارهم سبحانه لتبليغ رسالته لعباده.

ولو كانت العقول والقوانين الاجتماعية والأعراف الأخلاقية تستقل بذلك، لأغنى ذلك عن إرسال الرسل إلى القرى والأقوام والأمم.

ولكن الله الخالق سبحانه، الذي خلق الإنسان وخلق له العقل، لم يكله إلى عقله في تدبير شأنه، لأن عقلك إذا تنكب عن سبيل الوحي فإنه يقودك لا محالة إلى ما يضرك، وينأى بك عما ينفعك.

إنَّ عقلك مهما بلغ من الجودة وحسن النظر، فإنه لا يحيط بما يحيط به الوحي الصادر عمَّن يعلم غيب السموات والأرض سبحانه. أليس كذلك؟

أليس قد قال الحق سبحانه: {..وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]

اللافت أن عتاة قادة وساسة العالم اليوم، ممن يرون أنهم قد بلغوا أوج القوة العسكرية والاقتصادية والهيمنة السياسية، قد وقفوا ذاهلين مبهوتين أمام جائحة فيروس كورونا 19 الذي استنفروا له الطاقات البشرية الأمنية والصحية، ورصدوا لمواجهته الميزانيات المالية الهائلة، ولكنه ما زال يستعر فيهم وينتشر انتشار النار في الهشيم، فلم يجدوا بدا إلا أن يرفعوا رؤوسهم إلى السماء فيقولوا: يا رب، معترفين بقصور أسبابهم المادية، وأنه لا غنى لهم عن الأسباب السماوية الغيبية.

في عصر كورونا 19 رُفع الأذان في عدد من الحواضر الأوربية، واستأنس به من يسمعه هناك، بعد أن كان ذلك محظورا بشدة من قبل.

وهذا دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يدعو في تغريدة له عبر تويتر، تناقلها الإعلام، يدعو الأمريكيين إلى صلاة الأحد من أجل رفع بلاء كورونا الذي قتل وأصاب الآلاف من البشر حول العالم.

وقال في تغريدته: (إنه لشرف عظيم أن أعلن الأحد 15 مارس يوما وطنيا للصلاة، نحن بلد على مر تاريخنا نتوجه إلى الله من أجل الحماية والقوة في أوقات كهذه)

هذا في الوقت الذي ترى فيه بعض الليبراليين والعلمانيين من أبناء المسلمين، أقسى قلوبا وأشد تشبثا بالكفر من عتاة الكفر والظلم، فهم يصرون على قطع الصلة بالسماء قطعا باتا، معتدِّين بعقل وعلم وقوة الإنسان، مع أنهم يرون بأم أعينهم أن كل ذلك لم يغن عن الإنسان شيئا.

وليتَهم يعلمون أن ذلك لو أغنى شيئا فإنما يغني بإذن الله، لأن ما أصاب الناس من ذلك لم يكن إلا بإذن الله.

ليتهم يتأملون قول الحق سبحانه: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)} [النحل]

.......... يتبع

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين