فلسفة الإسلام في الصراحة (3)

الباعث على الصراحة

ثمة أسباب تدفعنا لمصارحة الآخرين، ومن هذه الأسباب.

1.النصيحة:

فعندما ترى صديقك أو أحد معارفك قد أخطأ، فالمطلوب منك أنْ تكون صريحا معه، والصديق من صارح صديقه ولم يتماشى معه، وهذا خلق عظيم لا ينبغي أنْ يغيب عنّا، فعندما نتصادق ينبغي أنْ نكون صُرَحاء فيما بيننا، فالصداقة تقتضي الصراحة لأنّها دليل المحبة، والمؤمن مرآة لأخيه.

2. قول الحق:

إذا كان الأمر متعلقا بدعوة أو قضاء أو تخاصم وطُلبت شهادتك، سواء أكان أمام عدوك أو قريبك أو صديقك فإن الأمر يحتاج إلى صراحة وعدم استخدام الكنايات والألفاظ الموهمة المشكلة، يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، وقد جاء في الصحيح أنّ الغامدية رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني)[14].

3.الاستفتاء: يحدث في أيامنا هذه أنّ بعض الأشخاص يطلق زوجته، ولا ينقل الصورة الحقيقية في كيفية حصول الطلاق، وما الأسباب؟ وكيف تلفَّظ وكم عدد الطلقات؟ ويوهم المفتي بأنّه كان شبه مجنون ليجد فتوى تناسبه وتُرد له الزوجة، وهو في زعمه هذا يتصور أنه يخدع المفتي وما علم أنَّ الفتوى تكون على حسب السؤال وأنَّ الفتوى لا تحلُّ حراما ولا تحرم حلالا.

4. المشورة:

عندما يستشيرنا أحد ينبغي أنْ نظهر له ما في أنفسنا وأنْ نكون صريحين معه، ولو كان هذا يزعجه أو يغضبه وهذا أصل أخلاقي عظيم، وإلا كان النفاق، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أشيروا عليَّ أيها الناس))، وكان الصحابي يعرض رأيه من غير مجاملة، بل كان بعض الصحابة يعرض ما يعتقد من صواب حتى قبل أن يُسأل ذلك.

ومن شواهد ذلك اقتراح الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ تغيير مكان المعركة يوم بدر، فقد أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم مصرحا أن المسألة ليست تشريعا[15]، ومنه ما وقع عندما همّ النبي عليه الصلاة والسلام مصالحة غطفان، فقد عرض عليهم ثُلُث تمر المدينة، وطالبوا بالنصف فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيد على الثلث، وقبلوا ذلك، فأقبل أسيد بن حضير رضي الله عنه إلى رسول الله عليه السلام فقال: يا رسول الله إن كان أمراً من السماء فامض له، وإنْ كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل شيء أصنعه لكم))[16].

5. بناء حياة جديدة

قد تجد بعض الناس لديه مشكلة مع الطرف الآخر كالصديق مع صديقه، أو التاجر مع من يتاجر معه أو الزوج مع زوجه، فالسكوت ليس حلا بل قد تتفاقم الأمور بسبب عدم التصريح بالمشكلة لأنّ في ذلك استمرارا لما قد يؤثر في التواصل في الحياة، فتصوَّر لو أنَّ رجلا يشكُّ بزوجته أو هي تشك بزوجها أو التاجر يخوِّن شركاءه في العمل، فليس الحلُّ السكوت بل إظهار ما في النفس ولعل ما في النفس عبارة عن أوهام تنزاح، وبقاؤها يشكِّل عقبة في العلاقات وربما عدم الصراحة يجعل بعضهم يشكُّ في بعض وقد يؤدي هذا إلى التجسس والاتهام من غير دليل، فالحلُّ في هذا أنْ نكشف عمّا في قلوبنا لمن نحبُّ من أقربائنا وأصدقائنا حتى تستمر الحياة، ويمكن بعدها بناء حياة جديدة أو شراكة جديدة مبنية على الوضوح، والأمثلة على هذا كثيرة، من ذلك (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟)) قَالَتْ: (نَعَمْ)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً))[17].

فليس هناك حلٌّ آخر غير الصراحة، فمن غير الصراحة ستصبح الحياة جحيما وربما يؤدي ذلك في بعض المجتمعات إلى الخيانات الزوجية.

المصدر: العدد العاشر من مجلة "مقاربات" الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين