حركة القرآنيين في ميزان القرآن الكريم (2)

خامسًا ادعاؤهم أنَّ العمل بالسُّنة شركٌ

ادَّعى القرآنيُّون أنَّ تحليل الرَّسول صلى الله عليه وسلم وتحريمه شركٌ؛ لأنَ هذا مخالفٌ لقول الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ [الأنعام:57]، يقول الخواجة أحمد الدِّين: قد وضع النَّاس لإحياء الشِّرك طرقًا متعدِّدةً، فقالوا: نؤمن إنَّ الله هو الأصل المطاع غير أنَّ الله تعالى أمرنا باتِّباع رسوله فهو اتِّباعٌ مضافٌ إلى الأصل المطاع، وبناءً على هذا الدَّليل الفاسد يصحِّحون جميع أنواع الشِّرك، فهل يُصبح الأجنبيُّ زوجًا لمتزوجةٍ بقول زوجها إنَّها زوجته ألا وإن الله لم يأمر بمثل ذلك، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ [الأنعام:57].

الجواب:

القرآن يَقبل كلَّ مَن قال: لا إله إلَّا الله محمدٌ رسول الله مقبولَ التَّوحيد، ويراه القرآنيُّون مشركًا!

إنَّ ادِّعاء هؤلاءِ القرآنيِّين مِن أكبر التَّناقضات العقليَّة في التَّاريخ، حيثُ يقولون: إنَّنا لا نعمل ولا نقبل إلَّا القرآنَ ثمَّ يقولون: إنَّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر القرآن شركٌ، فإنَّ المتأمِّل في هذا الادعاء يراه إنكارًا صريحًا للآيات التي تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب:36]، فالنَّاظر في الآية يرى أنَّ القرآنَ الكريم عَطَفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى بــ (الواو)، و(الواو) تفيد المغايرة كما يقال: جاء أحمد ومحمد، فيفهم مِن هذا المجيء أنَّهما شخصان متغايران، والنَّاس لا يأخذون الحكم مِن الله مباشرةً بل يأخذونه مِن كتاب الله تبارك وتعالى، فيفهم من هذا أن المراد بـ ( الله ورسوله) الكتاب والسُّنة، فالله علَّق إيمان المؤمن والمؤمنة بقبول حكم الله ورسوله، مَن لم يَقبل حكم الرَّسول صلى الله عليه وسلم لا يكون مؤمنًا.

وقال الله تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65]، الله سبحانه وتعالى أمر أن يرجع إلى الله ورسوله في القضاء، والقرآنيُّون يقولون أنَّ الرجوع إلى سنَّة رسول الله شركٌ.

القرآن ماضٍ إلى يوم القيامة، وهو أمرنا أن نقتديَ بأحكامه وأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذن كتاب الله يأمرنا أن نقتديَ بسنَّته صلى الله عليه وسلم، ومِن ثمَّ إن لم يقدِّر الله حفظ سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم هل يأمرنا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ولنفرض جدلًا أنَّه لم يميَّز بين الأحاديث الصَّحيحة والضَّعيفة، فهل يأمرنا الله جلَّ وعلا بطاعته ثمَّ يعاقبنا لأخذنا بالأحاديث غير الصَّحيحة، رضاء المسلم بحكم حديثٍ صحيحٍ هو رضاؤه برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن يدَّع أحدٌ مِن النَّاس أنَّ الله لم يُرد طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فالجواب: إنَّ قول الله تبارك تعالى في هذه الآية ﴿يُحَكِّمُوكَ﴾ بكاف الخطاب و﴿قَضَيْتَ﴾ بتاء الخاطب لا يكون مستقيمًا، وكان من الواجب أن يكون لفظ الآية حتَّى (يحكِّموا القرآن، ومما قضى فيه القرآن) وهذا لا يكون.

وفي آيةٍ أخرى قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59].

عطف الله في هذه الآية طاعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم على طاعته جلَّ وعلا، بإعادة فعل الأمر ولم يفعل ذلك مع "أولي الأمر" لماذا؟

لأنَّ الكتاب والسُّنة دليلان مستقلَّان، وأمَّا قول أولي الأمر فلا يُعتبر دليلًا مستقلًّا، إذن فلا تجب طاعة أولي الأمر في كل الأحوال بل لا بدَّ أن تكون موافقةً لطاعة الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالله عزَّ وجلَّ أمر المؤمنين عند التَّنازع بالرُّجوع إلى الله ورسوله، فإن لم تكن السُّنة دليلًا مستقلًّا فما فائدة التَّكرار.

وقال الله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:32].

ونرى هنا أيضًا أنَّ القرآن الكريم عطف طاعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ثمَّ أسند الكفر إلى مَن أعرض عن طاعة الله وطاعة رسوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.

هل الشَّيطان يجترَّأ أن يدَّعي بما ادَّعى القرآنيُّون؟ هم يُسندون الشِرك إلى مَن أطاع رسول الله، والله يقول إنَّ الإعراض عن طاعة النَّبي كفرٌ.

إذن استدلال القرآنيين بقول الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ ليس صحيحًا؛ لأنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم جُعِلَ مأمورًا مِن طرف الله بتفسير القرآن: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:44]، وما يقوله في تفسير أيِّ آيةٍ مِن القرآن الكريم فهو وحي مِن الله تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة:19]، الله تكفَّل ببيان القرآن وأوحى إلى رسوله هذا البيان.

الأحكام التي احتوتها الأحاديث الصَّحيحة مأخوذةٌ مِن الله تبارك وتعالى؛ لأنَّ الله قال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران:164]، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الصف:2] وقال أيضا: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء:113]، عطف الله تبارك وتعالى في ثلاث آيات كلمة الحكمة على الكتاب، وقال: "أنزلنا" إذن أنزل الله الكتاب والسُّنة؛ لأجل هذا قال الله تبارك وتعالى في كتابه: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء:80] فجعل عصيان الرسول عصيان لله.

سادسًا: أحاديث رسول الله مقيدة بزمانه

يدَّعي القرآنيُّون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسَّر القرآن موافقًا بعقول معاصريه، واعتَبَرُوا هذا دليلًا كافيًا كون أحاديثه تاريخيَّة وإقليميَّةً لا تناسب ظروف العصور الأخرى، وقد تحدَّث الخواجة فقال: "اعلم أنَّ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت طاعةً مقيدة بزمنه، وامتثال أحكامه لا تتجاوز حياته وقد أُوصِدَ هذا البابُ منذ وفاته صلى الله عليه وسلم" [القرآنيون وشبهاتهم حول السنة لخادم حسين إلهي بخش:231، مجلة البيان صحفة 32 عدد أغسطس 1951].

الجواب:

ادِّعاء القرآنيِّين أنَّ السُّنة تاريخيَّةٌ وإقليميَّةٌ يجمعهم مع مَن ادَّعى أنَّ آيات الأحكام تاريخيَّةٌ؛ لأنَّ مصدر القرآن والسُّنة هو الوحيُ، فإن كانت السُّنة تاريخيَّةً وإقليميَّةً يكون القرآن أيضًا تاريخيًّا وإقليميًّا، وإن كانت السُّنةُ عالميَّةً وأبديَّةً فالقرآن عالميًّا وأبديًّا.

الله جل وعلا أعطى صلاحيَّة بيان القرآن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإعطاء يُظهر أنَّ القرآن يحتاج للبيان، وعلى سبيل الفَرَضِ إن نقبل قول من قال: أنَّ السُّنة إقليميَّةٌ وتاريخيَّةٌ فمَن يُفسِّر الآيات مِن القرآن أليس رسول الله عليه صلوات الله وسلامه؟

من هذا المقام ليس أمام القرآنيين إلَّا طريقان: إمَّا أن ينصِّبوا أنفسهم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذون وظيفة البيان عنه ويقبلون أنفسهم أنبياء، أو يقولوا لا يصلح القرآن في عصرنا هذا لعدم فهم آياته التي فسَّرها رسولٌ تاريخيٌّ إقليميٌّ، فماذا هم فاعلون؟!

إن يَرجع القرآنيُّون إلى القرآن الكريم بدل رجوعهم إلى أساطير المستشرقين يرون أنَّ سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة عالميَّة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف:158]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ:28]، فكيف يفهم القرآنيُّون هاتين الآيتين؟

هل يستطيع القرآنيُّون أن يجعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم نبيَّا لجميع النَّاس في كلِّ زمانٍ مع أقواله ويدعون في نفس الوقت أن أقواله تاريخيَّةٌ وإقليميَّةٌ هل يستقيم هذا لهم؟

القرآنيُّون الذين افتروا على سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا بأنَّها تاريخيَّةٌ وإقليميَّةٌ، هم في نفس الوقت يفترون على القرآن الكريم؛ لأنَّ نسبة القرآن إلى السُّنة ونسبة السُّنة إلى القرآن نسبةٌ لا تنفك أبدًا.

سابعًا ادعاؤهم أنَّ القرآن كتابٌ مبينٌ لا يحتاج للبيان

يدَّعي القرآنيُّون أن القرآن الكريم لا يحتاج إلى تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فالواجب على كل مسلم أن يقرأ قوله تعالى: ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف:1-2].

الجواب:

إن يكن القرآن مبينًا ومفصَّلًا فهل يقول الله تبارك تعالى لرسوله أن يبينه ويفصله، إن يأمر المعلم أحد الطُّلاب في الصَّف أن يُغلق الباب المغلوق أو يفتح الباب المفتوح ماذا يقول الطلاب عنه: هل جنَّ المعلم؟ لماذا يتكلَّم عبثًا؟، إن يكن القرآن كتابًا مبينًا ولا يحتاج إلى بيان رسول صلى الله عليه وسلم لماذا أمر الله رسوله أن يبينه؟: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:44].

إذن لماذا أمر الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم تبيين الكتاب المبين؛ لأنَّ الله علَّام الغيوب يعرف أنَّه ينزل القرآن على رسوله خلال ثلاث وعشرين سنة، ويصير القرآن في نهاية هذه السنين كتابًا مبينًا ببيان رسول صلى الله عليه وسلم.

ثامنًا ادعاؤهم أنهم يدافعون عن الإسلام

يدَّعي القرآنيُّون أنَّ صحيح البخاري وصحيح مسلمٍ مملوآن بالأحاديث التي تخالف العقل وهذه الأحاديث تسبَّبت بعدم اهتداء النَّاس أو بردتهم فالواجب علينا حماية الإسلام من الأحاديث التي تخالف العقل كمعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الجواب:

هذا الادِّعاء ذريعةٌ لفتح باب الإنكار على القرآن، إضافة إلى ذلك نرى أنَّ القرآنيِّين يقبلون عقولهم ميزانًا ومعيارًا، فما يَقبله العقل يقبلونه وما يَردُّه يردُّونه.

هل أدركوا بعقولهم القاصرة معجزات موسى عليه السَّلام كشقه البحر بعصاه: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء:63]، وهل أدركوا عدم احتراق النَّار لسيدنا إبراهيم عليه السَّلام: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء:69]، وهل أدركوا إبراء سيدنا عيسى عليه السَّلام الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى: ﴿وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ [المائدة:110].

في الحقيقة أنَّ هذه المعجزات ليست مخالفةً للعقول السَّليمة بل مخالفةً لما هو مألوفٌ في العادة، في الحقيقة أنَّ مَن يخلق الدُّنيا مِن العدم، ويخرج الحيَّ مِن الميِّت، ويُخرج مِن الخليَّة الإنسان الذي يمرُّ مِن طورٍ إلى طورٍ حتَّى يَصير إنسانًا سويًا، ويخرج الشَّجرة العظيمة مِن البذرة الصَّغيرة، فهل يكون عاجزًا أن يحيي الموتى بمس رسوله، و يسلب من النَّار الإحراق أو يفلق البحر بعصًا.

ليس الإشكال في الكتاب المكرم والسُّنة المطهرة بل الإشكال في عقول القرآنيِّين الذين: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الأعراف:179] وما أجمل قول الشاعر:

وكم مِن عائبٍ قولًا صحيًا=وآفته مِن الفهم السَّقيم

هم يقبلون إحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن ربه معقولًا، ولا يقبلون أن يجريَ الماء مِن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، النَّصارى يَرفعون نبيَّهم إلى درجة الألوهيَّة، وهؤلاءِ حتَّى معجزات رسولهم صلى الله عليه وسلم لا يقبلونها موافِقةً للعقل.

تاسعا القرآنيُّون يدَّعون أنَّ السنة تمزق الأمَّة

القرآنيُّون يدَّعون أنَّ القرآن جمع شمل الأمَّة ووحد صفوفها أمَّا السُّنة فرقت الأمَّة إلى شِيَعٍ أحزابٍ، يقول عبد الله جكرالوي: "لا ترتفع الفرقة والتَّشتت عن المسلمين ولن يجمعهم لواء ولا يضمهم مكتب فكر موحد ما بقوا متمسكين بروايات زيد وعمر" [القرآنيون وشبهاتهم حول السنة لخادم حسين إلهي بخش:208، مجلة إشاعة القرآن ص:39 عدد شعبان 1321ه 1902مـ].

الجواب:

يدَّعي القرآنيُّون إنْ لم تترك الأمَّة كُتُبَ الأحاديث، وطاعة الرَّسول لا توحَّد كلمتها ولكن اعلموا أن كل من يدندن كثيرا عن التوحد في مقاله ومحاضراته دائمًا له مقصد خبيثٌ في التَّوحد، انظروا إلى الخميني ما هو الشِّعار الذي رفعه ليخدع المسلمين به: "لا شيعيَّة ولا سنيَّة وحدة وحدة إسلاميَّة"، وانظروا إلى التَّكفيريين هؤلاءِ الذين يتحدَّثون في كلِّ كلامهم عن التَّوْحيد ومع ذلك يكفِّرون معظم أهل القبلة ويستحلُّون دماءهم.

إن صحَّ ادعاؤهم بأنَّ السُّنة مزَّقت صفوف المؤمنين، فمن الواجب أن تكون صفوفهم واحدةً، ولكنَّ الحال غيرُ ذلك، فالفرقة تُعشِّش بينهم، حتَّى كفَّر بعضهم بعضًا، علاوةً على ذلك لم يتَّفقوا حتَّى في كتابة علم الحال، ولم يتَّفقوا حتَّى في أداء الصَّلاة، فمِن قائل يقول: إنَّ للصَّلاة خمسة أوقاتٍ، وآخر يقول: أربعة أوقاتٍ، وثالثٌ يقول: ثلاثة أوقاتٍ، رابعٌ يقول: إنَّ الصَّلاة تؤدَّى مرَّتين في اليوم واللَّيلة، وكلُّ صاحب رأيٍ مِن هذه الآراء يَزعم أنَّها صلاة القرآن، وأمَّا اختلافهم في جزئياتها مِن عدد الركعات والهيئات فحدِّث عنه ولا حرج.

ومنَ يفهم القرآن بالسُّنة المطهَّرة مِن الأئمَّة الكبار كأبي حنيفة والشَّافعي ومالك وأحمد فضلًا عن اختلافهم يجمع ولا يفرق، فالنَّاظر في اختلافهم يرى مع اختلافهم اتفاقهم في عدد الركعات والركوع والسُّجود، فهل السُّنة تمزّق أم توحِّد صفوف المسلمين.

لأجل هذا تحارب الكنيسة القرآن بواسطة إنكار السُّنة، ولولا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر القرآن بعمله تكون الصَّلوات بأشكالٍ متعدِّدةٍ وفق أهواء النَّاس، إن لم يرَ الصَّحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يؤدِّي الصَّلاة، يفهم بعضهم مِن كلمة الصَّلاة الدُّعاء وبعضهم يفهمها أنَّها مجرد الالتجاء إلى الله، وبعضهم يبدأ في الصَّلاة في القيام وبعضهم في القعود وبعضهم يَسجد في كلِّ ركعة مرَّةً وبعضهم مرتين أو مرات وبعضهم يُصلِّي الفرائض ركعةً وبعضهم ركعتين، وبعضهم ركعات، ثمَّ يكفِّر بعضهم بعضًا كما كفَّر القرآنيُّون بعضهم بعضًا لكن الله رحمنا وأرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم وبيَّن ما أمره في كتابه.

القرآنيُّون لا يَستندون إلى القرآن في إنكار السُّنة بل إلى الكنيسة التي تَرى نفسها العدوَّ اللدود للإسلام، والتي تعمل ليلًا ونهارًا؛ لإبعاد النَّاس عن الإسلام والسُّنة بافتراءاتٍ مختلفةٍ، اعلموا أنَّ حركة القرآنيين هذه مِن أخطر أسلحة الكنيسة الجديدة التي تحارب سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّاريخ الإسلامي.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين