تعلموا العربية أيها الجهلة (2)

"قل هو الله أحد " ليست سريانية ولا عبرية؟ رد على المتنصّر رشيد حمامي الحلقة (2)

كنت قد ذكرت في الحلقة السابقة أنني سأتحدث في هذه الحلقة عما أثاره المتنصر الضال رشيد حمامي حول معاني "الصمد" وكثرتها، لكني وجدت أن من الواجب أن أنهي كل ما أثاره رشيد مع ضيف له اسمه إبراهيم حول أسلوب "قل هو الله أحد" ثم أنتقل لرد ترهاتهم الأخرى المثارة حول سورة الإخلاص، لقد زعم مع ضيفه أنه أسلوب سرياني أو عبري، يعني أن الرسول أخذه من النصارى أو من اليهود، فهو ليس من عند الله، ذكر الكذاب إبراهيم الذي قدمه رشيد عالما باللغة السريانية في مداخلته أن أسلوب "قل هو الله أحد" - أي مجيء ضمير ثم الإخبار عنه بجملة - هو أسلوب سرياني! فرقص رشيد بهذا الخبر تيهاً، وتهلل وجهه الكالح، وقال: إن اليهود أيضاً يستعملونه بل يكتبون نظيره على أبواب كنائسهم وبيوتهم وفنادقهم، ففي التوراة "اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا، رب واحد"؟ وفي كل ظهور لرشيد يردد القول: إن السريانية أسبق من العربية، لذا فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الآخذ من السريانية أومن العبرية! والجواب أيها الجهلة من وجوه:

1- الأول: أنه لم يثبت حتى الآن أن السريانية أو العبرية أسبق من العربية ظهوراً، لقد بات لكل ذي نُهية أنه حين نزلت التوراة ثم نزل الإنجيل كانت العربية مع اللغات الأخرى السامية موجودة، فلا يعني نزول التوراة والإنجيل قبل القرآن أن لغة الأسبق هي الوحيدة التي كانت موجودة! وأنه لا وجود للغات سامية أخرى، يتكلم بها ساميون آخرون؟ وبناء على هذا الفهم يجب القول: إن الإنجيل- المتأخر - كله مأخوذ من التوراة – المتقدمة – فالإنجيل يا جاهل على فهمك ليس كتاباً سماويا؟ نعوذ بالله من جهلكم وزيفكم، إن السبق الزمني لا يعد معياراً في هذا الشأن، فهل حين نزلت التوراة بالآرامية أو الإنجيل بالسريانية لم تكن هناك عربية أو حبشية أو يمنية قديمة؟ وبعبارة أخرى لكي تفهم أيها الغبي نقول: إن اللغات السامية المنبثقة عن لغتها الأم ومنها العربية كانت كلها موجودة حين نزلت التوراة والإنجيل؟ اسمع أيها الجويهل واستفد: إن هناك ظواهر لغوية عامة تشترك فيها اللغات السامية المتولدة عن لغة أم تولدت منها هذه البنات واشتركت ببعض الظواهر الدالة على أنها تنتمي إلى أم واحدة مفترضة (1)، لقد أشار الدكتور علي وافي إلى ما ذكرناه مؤكداً أن الظواهر اللغوية – أي كنحو "قل هو الله أحد" على فرض وجودها في بعض اللغات السامية -قد تحصل بين اللغات السامية لكنها لا تعني أن واحدة أسبق من الأخرى أو أنها هي الأم التي أخذت اللغات الأخرى منها، قال: كان أحبار اليهود يعتقدون أن العبرية هي أقدم لغة إنسانية، وذهب بعضهم إلى أن الآشورية البابلية هي أقدم اللغات السامية "ثم قال: وجميع هذه الآراء قائمة على أساس فاسد، وذلك لأن جميع اللغات قد اجتازت مراحل كثيرة في التطور قبل أن تصل إلى الحالة التي أتيح للعلماء معرفتها فبعدتْ بذلك كل لغة منها عن النقطة الأولى التي ابتدأ منها تطورها" وانتهى إلى القول: فمن الخطأ إذن النظر إلى واحدة منها – أي من اللغات السامية - على أنها أول لغة تكلم بها الشعب السامي (2)، ولذلك نقول: إن فكرة الأسبقية لا تقوم دليلاً على أن "قل هو الله أحد" سرياني لأن السريانية أسبق من العربية؟ وليس عبرياً أيضاً لأن العبرية أسبق من العربية؟ فهات يا جويهل غيره، لقد ضاقت بك الحيل؟

- ثم ماذا تقول يا جويهل لطائفة كبيرة من العلماء القدماء والمحدَثين الذين ذهبوا إلى أن العربية هي أصل اللغات أي هي أم اللغات السامية، قال عبد الملك بن حبيب: كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربياً (3)، وأشار الدكتور وافي إلى تبني بعض المحدثين – من المستشرقين وغيرهم - الرأيَ القائل: إن العربية هي أقرب لغة تشبه اللغة الأم بل هي أم اللغات السامية فقال: وذهبت طائفة من المحدثين وعلى رأسهم العلامة "أولسهوزن" في مقدمة كتابه عن العبرية "إلى أن اللغة العربية هي أقرب اللغات السامية إلى اللغة السامية الأولى (4) وقد قوِيَ هذا الاتجاه فرأينا كثيراً من المحدثين يعتمدون هذا القول فأوردوا الأدلة الكثيرة على ذلك، والمقال هنا لا يتسع لذكرها كلها، من هؤلاء الدكتور عبد الحق فاضل، وجواد علي، والدكتور جاسر أبو صفية، ومن المستشرقين الباحث الفرنسي بيير روسي، والباحث الباكستاني الشيخ محمد أحمد مظهر والدكتور نبيل الجنابي وغيرهم كثير" (5) وأكد الدكتور وافي هذا الاتجاه بقوله: من المسلم به الآن لدى معظم المحدثين من علماء الاستشراق أن اللغة العربية قد احتفظت بكثير من الأصول السامية القديمة في مفرداتها وقواعدها وأنه لا تكاد تعدلها في ذلك أية لغة سامية أخرى ويرجع السبب في ذلك إلى نشأتها في أقدم موطن للساميين، وبقائها في منطقة مستقلة منعزلة فقلَّت بذلك فرصُ احتكاكها باللغات الأخرى ولم تذلل لها سبلٌ كثيرةٌ للبعد عن أصلها القديم(6).

فلو اعتمدنا هذا الرأي أيها المفتريان لظهر لنا أن الساميات هي التي أخذت من العربية، وليس العكس، كما تفتري يا رشيد مع زميلك إبراهيم؟ فما بالك يا إبراهيم المتغافل المتجاهل المدعي أنك عالم بالساميات؟ ألا تعلم هذه الحقائق العلمية؟ لقد أفصحتْ مداخلتُك عن جهل وكذب وليٍّ للحقائق، ضعيف عاذ بقَرمَلة، ولا ريب أنكم مجموعة من الممثلين الدجالين، فالمُخرج أقام مهزلتكم على أن يكون رشيد هو الممثل الشاطر، وهناك مجموعة من الممثلين الثانويين وظيفتهم المداخلات والتعقيبات المشوشة الكاذبة ليصلوا إلى تشويش المسلمين ليس غير. والله محيط بهم، وكفى به نصيراً.

والمهم أخيراً أن هذا الجواب وحده كاف لإبطال دعواكم، وكشف ركاكة حججكم، على أني سأضيف ردوداً أخرى ترِدُ على ترهاتكم وتبطل زعماتكم إن خطر ببالكم نزغ شيطاني آخر، ونفثتموه في حلقاتكم الضالة المضلة للشباب المسلم الذي قد يستمع إليكم فيتشوش عقله ويختلط فكره فأقول:

2- الجواب الثاني: أن القول بأن "قل هو الله أحد" سرياني أو عبري، يعني في النهاية أنه عُرّبَ أو لنقل ترجم أو لنقل أُخذ أو دخل من السريانية إلى آخر ما يمكن التعبير عنه بأنه ليس عربياً أصيلاً (7) نقول: بأن هذا الزعم مردود بأن العرب في قضية التعريب عموما سواء أكانت هذه الظاهرة بين اللغات السامية أم كانت بين العربية والأعجمية كالفارسية والرومية والقبطية، عرَّبتْ ألفاظاً مفردة ولم تعرّبْ جملاً كاملة، نقل السيوطي عن بعض العلماء قوله إن ما عربته العرب من اللغات من فارسي ورومي وحبشي وغيره وأدخلته في كلامها على ضربين:

أ‌- أسماء الأجناس كالفِرِند واللجام والقِسطاس والإستبرق.

ب‌- ما كان في تلك اللغات علَماً فأجرَوه على علميته كما كان لكنهم غيروا لفظه وقربوه من ألفاظهم وربما ألحقوه بأمثلتهم وربما لم يلحقوه(8)" وإذا نظرتم إلى كتاب الصاحبي لابن فارس(9)، والمزهر للسيوطي فسوف تدركون أن أكثر المعرَّبات هي ألفاظ مفردة، وليست جملاً كاملة" كقوله تعالى "قل هو الله أحد". وقد أكد الدكتور محمد المبارك على هذه الظاهرة حين قال: إن أثر اللغات الأجنبية في اللغة العربية اقتصر على دخول بعض (المفردات) الغريبة في اللغة العربية وهو ما سماه علماء اللغة العربية تعريباً "وقال أيضاً: وليس التعريب الذي بحثه علماء اللغة قديما إلا أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من اللغات وهو (المفردات) ولم يبحثوا في المظاهر الأخرى لانعدام التأثير أو ضعفه(10)" ثم جزم بعد ذلك بعدم حصول تأثير في التراكيب(11).

3- الجواب الثالث: على فرض أن أصله أعجمي - سرياني أو عبري - فما المشكلة في ذلك؟ من المعلوم أن القرآن والكتب السماوية الأخرى - قبل تحريفها – هي كلها من عند الله، فالمصدر واحد، وتعال معنا واقرأ ما ذكره قرآننا من آيات تؤكد أن المصدر واحد، وأن الكتب السماوية الثلاثة هي من عند الله، وأن القرآن الكريم يبين الحق، ويصحح ما وقع في الكتب التي سبقته من تحريف، قال تعالى "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزلَ من قبل" وقال "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمِنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم" وقال في سورة المائدة "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" ثم تحدث عن عيسى بعد آيتين فقال "وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة" ثم أنهى الحديث عن القرآن الكريم مفيداً أن الكتب الثلاثة هي من عند الله لكن القرآن نزل بالحق فقال "وأنزلنا إليك الكتاب بما أنزل الله بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله" قال الزمخشري: إن "أل" الداخلة على لفظة كتاب الأولى للعهد لأنه عنى به القرآن والثانية للجنس لأنه عنى بها الكتب المنزلة (12) وهذا كله يؤكد أن المصدر واحد كما ذكرنا، فلو وقع اشتراك في لفظ أو تركيب بين لغتين من لغات هذه الكتب فهل هذا يعني أن واحدة أخذت من الأخرى، فهل عيسى أخذ إنجيله من توراة موسى؟! هذا سفه في العقل وطيش في الفكر!لِمَ لا يقال: إنها تشابهت لأن المصدر واحد، وهذا هو التفسير الذي يدل على كمال العقل، ويتفق مع مقتضى العقول السليمة، إن من الطبيعي جداً أن يقع تشابه بين الكتب السماوية، لكن التحريف أصاب التوراة والإنجيل فجاء القرآن مصححاً مبيناً حقيقة القصص والأخبار وحقيقة الربوبية، وسورة الإخلاص تمثل هذا الغرض تماما، فهي تبين لهم فساد عقائدهم وترشدهم إلى التوحيد النقي الصافي، ثم ألا تعلم أيها الجويهل أن كل المشتغلين في علوم العربية يجيزون وقوع تشابه بين اللغات السامية، ولم ينكر أحدٌ استحالةَ حصوله، فإذا حصل فله تفسيرات متعددة كلها تعد ردوداً عليكم:

أ‌- التفسير الأول: أن القرآن نزل على لغة العرب أي كانتِ العرب تستعمل في كلامها كلَّ الألفاظ المفردة والتراكيب اللغوية التي قد يُقال: إنها أعجمية - فهي - الآن - مهما كان أصلها -عربيةٌ؟ لقد أشار علماؤنا إلى وقوع الاشتراك بين العربية وغيرها من اللغات، قال أبو عبيدة "وقد يوافق اللفظُ اللفظَ ويفارقه ومعناهما واحد، وأحدُهما بالعربية والآخرُ بالفارسية أو غيرها، ثم ذكر أمثلة كثيرة تفيد وقوع ذلك منها: الاستبرق قال: هي في الفارسية إستبره "وختم قوله: بأن ذلك من لغات العرب، وإن وافقه في لفظه ومعناه شيء من غير لغاتهم (13)" أي دخل في كلام العرب (14) وصار عربياً، فلا شيء إذن في المشكلة؟ لا سيما أنه لا دليل عندكم يقطع بأنها سريانية أو عبرية، وأن الرسول أخذها منهم؟

ب‌- التفسير الثاني: لنفترض أيضاً أن العربية والسريانية عرفتا هذا الأسلوب، لأنهما من أسرة واحدة – كما ذكرنا -، وهي "الساميات" فهل هذا يعني أن العربية أخذت عن السريانية لأن السريانية أسبق؟ هذا ما يردده الجاهل رشيد دائماً، ولكن ليعلم أن الباحثين المشتغلين في هذا الجانب لا يؤيدونه أبداً، فالاشتراك اللغوي بين اللغات السامية لا يدل على أسبقية لغة على أخرى، قال الدكتور علي وافي: إن الأمور المشتركة لا تمثل أكثر من وجوه الشبه بين اللغات السامية في أقدم حالة أتيح للعلماء معرفتُها لقد اجتازت هذه اللغات مراحل كثيرة في التطور قبل أن تصل إلى هذه الحالة فبعُدتْ بذلك كل لغة عن الأصل القديم(15)، وختم حديثه مقرراً، أن "هذه الأمور المشتركة لا تمثل تمثيلا صادقا أقدم لسان تكلم به الساميون" (16) ونخلص من هذا إلى أن وقوع تشابه لا يعني أن المتأخر أخذ من المتقدم، ولا يعني أن المتقدم هو صاحب التراكيب اللغوية التي وُجدت عند المتأخر، ويعني هذا انتفاء تهمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها من السريانية لأنها أقدم وأسبق فتأمل يا جويهل.

(يتبع)

الحلقة الأولى هـــنا

 

1 - انظر فقه اللغة للدكتور علي عبد الواحد وافي 6

2 - فقه اللغة،15

3- المزهر 1/30وانظر الصاحبي 10

4- فقه اللغة،15لكن الدكتور وافي ينكر على كل من يدعي أن واحدة أسبق من الأخرى

5- انظر: في نشأة اللغة العربية "مقال للدكتور إبراهيم الشمسان، الجزيرة -15 مايو -2020 ومقال "أصل اللغات وتأثيل لفظ "مكة" للدكتور فهد الخلف جريدة الجزيرة ى20نوفمبر- 2020م ومقال "لغويون "العربية أصل اللغات " صحيفة الغد 5يناير-2021م

6- فقه اللغة 16

7- قال الدكتور محمد المبارك في كتابه فقه اللغة وخصائص العربية 291إن إطلاق كلمة التعريب للدلالة على الألفاظ الأجنبية التي دخلت لغة العرب استعمل عند أهل اللغات الأخرى للدلالة على المعنى نفسه بلفظ النقل والاستعارة،والتعبير العربي يفيد أن الكلمة جنست وأصبحت من جنس كلام العرب " يعني أن المراد في النهاية واحد، وإن اختلفت المصطلحات

8- المزهر 1/286

9- الصاحبي 44-47

10- فقه اللغة 293

11- فقه اللغة 296 بتصرف

12- الكشاف 293 وفتح القدير 2/47ولو تأملت يارشيد وصف القرآن للإنجيل بأنه مصدق لما بين يديه من التوراة لأدركت صدق قرآننا وصدق نبينا، فالكلام فيه صراحة ووضوح،إذ لو كان من عند رسولنا الذي تتهمه بتأليفه القرآن لقال غير ذلك ولأتي بكلام فيه طعن بالإنجيل ليصل من ورائه إلى تقضيل القرآن لكنه صلى الله عليه وسلم يبلغ بصدق ما أُنزل إليه فالإنجيل يصدق ما في التوراة كما أن القرآن يصدق ما قبله من الكتابين قبل تحريفهما، ثم يصحح ما حُرّف منهما، وهذا غرض من أغراض سورة الإخلاص فهي تصحح مفاهيم التوحيد الصحيح وهنا تكمن الجدة يارشيد الذي لاتمل من القول في حلقاتك إن محمداً لم يأت بجديد. وهل أتى إنجيلك إلا بالأباطيل وهل تحدثت توراتك إلا بالأكاذيب.

13- الصاحبي 44

14- الصاحبي 44

15- فقه اللغة 16 بتصرف يسير

16- فقه اللغة 16

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين