تعلموا العربية أيها الجهلة

رد على رشيد حمامي الجاهل بوظيفة ضمير الشأن في قوله تعالى "قل هو الله أحد" الحلقة (1)

لا يزال هذا المتنصِّرُ الضال يَنفث خبثه، ويشيع جهله مشككاً مفترياً متحامقاً فكأنه خُلق شبيهاً بهبنَّقة – الرجل الذي يضرب به المثل عند العرب في الحمق – لكنه جاء كما قالوا في الزمن الأخير، فلكل زمن أفاكوه ولكل عهد دجَّالوه. في حلقة تلفزيونية حول سورة الإخلاص وجدته –لا أرشده الله – يقول فيما معناه: لماذا قال: قل هو الله أحد؟ ولم يقل: قل الله أحد "منغير" "هو"! ثم بوقاحة يضيف قائلا: لماذا قال: أحد ولم يقل واحد؟ وما معنى الصمد ولماذا تعددت الآراء في تفسيرها ثم لماذا قال: لم يلد ولم يولد ولِمَ لم يَقل: لن يلد ولن يولد ؟وهكذا راح يشكك بحركات عينيه اللتين تشبهان عيون الخفافيش والنسانيس، وبوجه كالح لا ترى فيه مسحة من إشراق أو نور، ظلمات بعضها فوق بعض ونعوذ بالله من الضلالة والجهالة كما نسأل الله له الهداية، فأسرته كما قرأت أسرة مسلمة طيبة، لكن عملَ هذا العاق غير صالح، وأقول لك أيها الطالح: لقد ذكرتُ لك سابقا أني أجيبك من الميدان اللغوي الذي يسكتك وغيرَك من الناهقين، فأنت تُقِرُّ وتعترفُ بأن القرآن الكريم نزل بلغة العرب، لذا فالوقوف على معانيه وتراكيبه لا تُفهم إلا بفهم كلام العرب، وفقه أساليبهم وطرقهم، ومشكلتك أنت وأشياعك أنكم جهلة في علوم العربية، لذا فكل تفسيراتكم تقودكم إلى الخطل والزلل، وتهوي بكم في مستنقعات الضلال، رأيت كبيركم "شانت" مثلاً - وأنت معه - تخترعان قواعد عربية جديدة بينت لكم خطأها وعوارها، ولو تكلمتم وفق نظام اللغة العربية لما طمس الله بصائركم، ومع ذلك سأبين لإخواني الذين ربما سمعوا تشكيكاتكم، أن ما تتقيأنه عفن فاسد، فاسمع أيها الضال:

تستعمل العرب ضميراً أطلقوا عليه ضمير الشأن والقصة والأمر والحديث لبيان أن ما بعده أمر جدير بالاهتمام، فلجأوا إلى تشنيف أذن السامع لسماع ما سيلقى عليه، وكأنهم يريدون منه طرد كل الخواطر التي تمر بذهنه، والترقب لما سيقال له، وقالوا إن هذا الاستعمال الراقي ورد في سياقات تتصف كلها بأنها مهمة قال ابن يعيش: ولا يفعلون ذلك إلا في مواضع التفخيم والتعظيم (1)، وقال عنه ابن هشام: وفائدته الدلالة على تعظيم المخبر عنه وتفخيمه بأن يُذكر أولاً مبهماً ثم يُفسَّرُ" (2) فحين تقول: أيها الجاهل: قل الله أحد، من غير ضمير الشأن فأنت لا تطلب من السامع أن يتأهب لما سيلقى عليه، بل تريد فقط أن تخبره أن الله أحد فقط من غير أن تهتم بإثارة السامع وتشويقه ولفت انتباهه إلى الخطاب الموجه إليه بعد، أي لم ترد سوى الإخبار، أما حين تستعمل الضمير، فالمعنى أدق وأجمل وهو يناسب الموقف العام للخطاب، فالكلام يتعلق بقضية عقدية وهي "التوحيد" وهي جوهر الدين الإسلامي وبها تميز الإسلام عن غيره من الديانات، لذا استعمل القرآن هذا الضمير، وهو ضمير مبهم يُزال إبهامُه بالجمل التي بعده وهي هنا "الله أحد" وما بعدها، فهي فسرته وبينت المراد من "هو" فكل جملة بعده تفسر المراد منه يعني "الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"، فكلها مفسرة له على أنها أخبار مكررة عنه، فمدلوله هو مدلولها ومدلولاتها هي مدلوله كما قال النحاة (3) ولا شك أن هذا الرقي الأسلوبي يصعب على عقلك فهمه لأنه تكثَّف بالأباطيل، ويضيق به صدرك الذي لا يعرف إلا الأضاليل "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" – والضمير هنا ضمير شأن لتفسير أمرك ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، وحال هذا الضمير أيها الجاهل حال من يقود سيارة، ويدخل في نفق مظلم، فلا شعوريا يشعر المرء بحب للوصول إلى نهاية النفق ورؤية النور، لعلك فهمت يامن تتمرغ بالرماد، اقرأ أيها الجاهل ما قاله واحد من أكابر علماء العربية الإمام كمال الدين الزملكاني حول فائدة مجيء بضمير الشأن قال عنه: إن لضمير الشأن شأنا جميلا، يزداد به الكلام أبهة لا تكون له إذا هو فارق ظِلَّها وذلك ضمير الشأن والقصة كقوله تعالى "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (4)، فانظر إلى جمال استخدامه وروعة سياقه لعلك أيها الجويهل بعد تعليمك بقصة ضمير الشأن تؤوب إلى رشدك وتتوقف عن تشكيك وافترائك، وعيب أن تتكلم قبل أن تتعلم، لقد كبر جهلك بترهتك، وكثر خطلك في مسألتك .وسوف نبين لك في حلقة قادمة ما معنى "الصمد" فانتظر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا.

1 - شرح المفصل 3/114

2- الاتقان 4/1275 عن المغني

3- النحو الوافي 1/250

4- البرهان ،158بتصرف

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين