بين الصانع والمصنوع:كيف نحافظ على مؤسسة

قبل أن أدخل في تفاصيل مؤسسة "الزواج" على اعتبار أنها إطار إنساني يجمع بين شخصين مختلفَيْن تكويناً ووظيفة، وغير متطابقين خصائص وتخصّصاً، أودّ أن أُعرّج على قضية خطيرة، يتم التركيز عليها في كل محفل، والمناداة بها على كلّ منبر، بنيّة إشغال شبابنا وبناتنا بها، وإشعال فتيل "الحرب" الفكرية والحياتية بين الجنسين، وإبطال مساعي أهل الفطرة السليمة في التقريب بين "الجبهتين"!

قضية "التفاضل" ، أو قضية إثبات "الخيرية المطلقة" لأحد النوعين "فقط".. والنظر إلى كل المساحات الإنسانية التي يلتقي فيها الجنسان، وتفسيرها من زاوية واحدة.. إما من وجهة نظر "نسوية" أو من وجهة نظر "ذكورية".. وفي كليهما تطرّف، ليس وراءه إلا إفساد الطبيعة البشرية، وتعطيل الشراكة النبيلة بين بني آدم وبنات حواء، في مشروع استعمار الأرض..

هل سمع عاقلٌ منكم أحداً يفاضل بين الليل والنهار؟ أو يميّز بين الماء والهواء؟ أو يقف في صفّ الشمس معادياً القمر؟ أو يثني على البرّ مضطهداً البحر؟

هل يجوز في عرف "المصلحة العامة" أن يقول أحدهم أن ّ هذا أفضل من هذه؟ أو أن ذاك أجلّ قيمة من تلك؟ أو أن الحياة تستقيم بواحد منهما دون الآخر؟ 

وقياساً عليه، فهل يجوز منطقاً أن نطرح السؤال التالي: الرجل أفضل أم المرأة؟!

ثم نسأل: هل تستوي الحياة بالرجل فقط، أو بالمرأة فقط، وتصير "الحياة حلوة" عندما يستغني كلّ منهما عن الآخر، كما يشيع كثيرون من الشباب والبنات للهروب من فكرة الزواج؟

هل حقّاً يسعد الرجل المستغني عن "نكد المرأة" و"نكرانها"(وكأنها في نظره خلقت من أربعة عناصر: ماء وتراب و"نكد" و"نكران"!)؟

بل هل حقّاً تعيش المرأة أهنأ أيامها بعيداً عن تسلّط الرجل وأنانيته (هو أيضاً في نظرها مخلوق من أربعة عناصر: ماء وتراب و"تسلّط" و"أنانية"!)؟

فبالله عليكم، كيف ينظر أبناء هذا الجيل إلى مؤسسةٍ عمادها "نكدية ناكرة" و"متسلط أناني"؟! وهل نملك "معجزة " تجمع بين هذين العنصرين "القابلين للانفجار" تحت سقف واحد، دون أن يخلّفا دماراً نفسياً، وخراباً اجتماعياً؟!

إننا نملك حالياً - أبنائي وبناتي- أن نصحح النظرة، ونضبط قواعد التفكير بالالتفات إلى الموضوع من عدة زوايا، حتى نزيل عن أعيننا " نظارة التحامل"، ونلغي من نفوسنا "عقدة التفاضل"، ليصح لنا بعدها الحديث عن الشراكة الناجحة..

أبنائي وبناتي.. كلّ إنسان في الحياة يفضُلُ غيره بحسب ما يقدّمه للآخرين من خدمة؛ فالمعلّم أفضل من غيره في وظيفته، لكنه يحتاج إلى الخباز، واللحام، والسائق، والتاجر، وغيرها من الخدمات، وكلٌّ منهم يفضله في وظيفته..

وعلى هذا، فكلّ امرئ، رجلاً كان أو امرأة، فاضلٌ في نفسه، ومفضولٌ عليه، ومرفوع، ومرفوع عليه، ومحتاجٌ ومحتاج إليه.. كلّ واحد منّا فاضل في خدمته لغيره، ومفضول عليه في حاجته لغيره..

وصحيح أن الرجل والمرأة يختلفان في التكوين والمهام، لكن ذلك لا يؤثر مطلقاً على المكانة والمقام، ولا ينشأ عنه الخلاف والخصام.. فهما المتّحدان في الإنسانية من حيث المنشأ والمبدأ، والمتساويان في علاقتهما بالله من حيث التكليف والثواب والعقاب.. وهما المتكاملان وظيفة في إدارة مشروع " الإنتاج البشري"، المكمّلان لبعضهما "احتياجاً" وليس "نقصاً"، وهما المتعاونان في تنفيذ خطة "صناعة النوع الفاخر"، الذي سيضيف للحياة عناصر البناء والتقدّم..

إن المطلوب منّا الآن أن نقتلع بذور الفتنة بين الجنسين، ونرفع راية السلام بين النوعين، وأن نمهّد الطريق للاعتراف بفضل الإثنين، ونغرز أسس التوفيق لإنشاء "بيت الزوجين"..

فيا أيتها النساء، ما معنى الحياة إذا خلت من جدّ حنون، وأب رحيم، وأخ شفوق، وزوج ودود، وابن عطوف، وخال، وعمّ، وصديق، وزميل، ..؟!

ويا معشر الرجال، هل تراها تحلو الدنيا دون جدة حنونة، وأم رحيمة، وأخت شفوقة، وزوجة ودودة، وبنت عطوفة، وخالة، وعمة، وصديقة، وزميلة...؟!

نعم، نحن لسنا في معركة "ضدّ بعضنا"، بل نحن في معركة "بجانب بعضنا "، لنحافظ على نوعنا من أن تمسّه يد الانحراف، وتسرق منا أهم مقومات "صناعتنا الفريدة"، ألا وهي: "بيوتنا السعيدة".. وعلى هذا ننطلق على بركة الله..

من سيكون في منصب المدير في مؤسسة الزواج؟ ومن المسؤول عن ضمان جودة الإنتاج؟

نكمل حديثنا بإذن الله في المقالة القادمة..

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين