الفرق بين عقول العقلاء هو الفرق بين عوالمهم الخاصّة والعامّة

سأل شابّ ، أحد الفلاسفة العرب ، ما الفرق : بين الرجل العادي ، والفيلسوف ؟

صمت الفيلسوف ، برهة ، وقال: أجيبك ، بشرط أن تجيبني، على سؤال صغير، أطرحه عليك !

قال الشابّ : تفضّل !

قال الفيسلوف : ما الفرق ، بين الحيّ والميّت ؟

قال الشابّ : بسيطة ، الميّت هو: من فارقت روحُه جسدَه ، وصار جثّة ! أمّا الحيّ ، فهو: الذي ماتزال روحه في جسده ، ويعيش حياته !

قال الفيلسوف : ليست هذه إجابة كافية ، فهل لديك غيرُها ؟

قال الشابّ : لايخطر، على بالي ، سواها !

قال الفيلسوف : بل ثمّة إجابات كثيرة ، لو طلبتَ ، من كلّ فيلسوف ، إجابة واحدة ، لتجمّع ، لديك ، عدد وفير!

قال الشابّ : مثل ماذا ؟

قال الفيلسوف : اسمع !

الجواب الأول ، على السؤال ، عن الفرق ، بين الحيّ والميّت ، هو: الحيّ هو ميّت ؛ فلا فرق بينهما ! لأن كلمة : ميّت ، بتشديد الياء ، تعني : الحيّ الذي سيموت ! قال تعالى ، يخاطب نبيّه: إنّك ميّت وإنّهم ميّتون ، بتشديد الياء، في الكلمتين ! أمّا مَن مات ، فيُدعى ميْتاً، بلا تشديد للياء!

الجواب الثاني ، يأتي على صيغة سؤال : الفرقُ بين الحيّ والميت ، من حيث ماذا ؟ لأن ثمّة فروقاً كثيرة ، بينهما ؟

الجواب الثالث ، يأتي على صيغة سؤال ، أيضاً ، هو: هل المقصود بالميت ، هو من مات جسدُه ، أم قلبُه ، أم ذِكْره ؟

الجواب الرابع ، يأتي ، أيضاً ، على صيغة سؤال ، هو: هل الشهداء الأحياء ، الذين يُرزَقون عند ربّهم ، داخلون في السؤال ؟

الجواب الخامس ، هو: الحيّ مَن خلّفَ أحداً ، يَحمل اسمَه ، ويُبقي ذِكْره حيّاً ، بين الناس .. أمّا الميت ، فهو مَن لمْ يخلّف أحداً !

الجواب السادس ، ويأتي على صيغة سؤال ، أيضاً ، وهو: هل يدخل في السؤال ، قول المتنبّي:

ليس مَن مات ، فاستراحَ ، بميْتٍ = إنما المَيْتُ مَيّتُ الأحياء ! ؟

الجواب السالبع ..

قاطعه الشابّ ، قائلاً : حسبي .. حسبي ! لقد حرمتَني ، من إجابتك ، على سؤالي ، عن الفرق، بين الفيلسوف ، والإنسان العادي !

قال الفيلسوف: لمْ أحرمك ؛ فما سمعته ، من إجابات متنوّعة ، إذا وضعتَه ، إزاء أجابتك .. يوضح لك ، الفرق ، بين الفيلسوف ، الذي ينظر، إلى الأمر الواحد ، من وجوه ، شتّى .. وبين الرجل العادي ، الذي ينظر، إلى الأمر الواحد ، من وجه واحد ، وقد يقيس ، على هذا الأمر، أموراً عدّة ، من هذا الوجه ، وحدَه ، برغم الاختلافات الكثيرة ، بينها ، من وحوه أُخرى ! وبالمناسية : الإجابات التي سمعتها ، ليست فلسفية ؛ بل هي عادية ، ضرورية ، لتوضيح معنى السؤال نفسه .. وهي نوع من الاحتياط الواجب ، للعقل الفلسفي ، الذي يفرض على نفسه ، الدقة والاستقصاء !

قال الشابّ : هذا في الفلسفة ، ولكن الحياة ، ليست هكذا !

قال الفيلسوف : بل الحياة هكذا ، يابنيّ ! ودعني أتطفل ؛ فأسألك : أنت عَزبٌ ، أم متزوّج ؟

قال الشاب : متزوّج .

قال الفيلسوف : ألك بيت مستقلّ عن بيت والدك ؟

قال الشاب : نعم .

قال الفيلسوف : أتدير بيتك ، بالطريقة ، التي كان أبوك ، يُدير بيته بها ؟

قال الشابّ : لا ، لكلّ منّا طريقته ، والطريقتان تتشابهان ، في بعض النواحي ، وتختلفان في بعضها !

قال الفيلسوف : ولمَ الاختلافات ، بين الطريقتين ، وقد وُلدتَ ، ونشأتَ ، وتربّيت ، في بيته؟

قال الشاب : لأن عقلي ، يختلف ، عن عقل أبي !

قال الفيلسوف : هل تتابع ، سياسات بعض الحكومات ، في دُوَلها ؟

قال الشاب : نعم .

قال الفيلسوف : أهي متشابهة ، كلّها ، في سياساتها ، ومعالجة مشكلاتها .. أم بينها اختلافات ؟

قال الشابّ : بل بينها اختلافات كثيرة !

قال الفيلسوف : لو كنت ، أنت ، في موقع الرئيس فلان ، الذي ذبح شعبه ، ودمّر بلاده .. فهل تفعل فعله ؟

قال الشابّ : إذا كنت أدير البلاد ، بعقل كعقله ، فلا بدّ لي ، من أن أفعل فعله ! أمّا إذا أدرتها بعقلي ، فلا بدّ ، من اختلاف الطريقة !

قال الفيلسوف : إذا كنت بين بديلين هما : ذبح شعبك ، وترك السلطة .. فأيّهما تختار؟

قال الشابّ : أبحث عن البديل الثالث ، أو الرابع ، أو الخامس .. الذي يحفظ لي السلطة وشعبي معاً ! فإن عجزت عن جمعهما ، تركت السلطة ، وكسبت رضى شعبي ؛ إذ كيف أذبحه ، أو أشرّده ، وأحكمه ؟

قال الفيلسوف : فذلك هو اختلاف العقول ، المؤدّي إلى اختلاف السياسات ، واختلاف الأقوال والأفعال ، عند البشر! وإلاّ؛ فما الفرق ، ين لقمان ، مضرب المثل في الحكمة .. وهَبنّقة ، مضرب المثل في الحماقة !؟

قال الشابّ : كفيتَ ووفيتَ .. جزاك الله خيراً !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين