الضرب في آية القوامة.. آراء ومواقف (2)

المطلب الأول: مفهوم القوامة

القوامة ولاية الزوج على الزوجة من حيث قيامه بمصالحها من حماية ورعاية ونفقة وإرشاد وتوجيه...، فهي تكليف رباني، فقد كُلِّفَ الرجل بأن يكفُل للمرأة جميع حقوقها المعنوية والمادية، وعليها أن تحفظه وتعمل على طاعته في كل ما هو حق له عليها بما يرضي اللهَ ورسولَه؛ مَا يعني أن القوامة في الآية ملازمة للحافظية، يقول رشيد كهوس: القوامة «أخت الحافظية، لا يمكن التفريق بينهما، فهما وجهان لعملة واحدة، بهما تتلاحم الأسرة وتسعد، فلا يمكن أن نفصل بينهما كما لا يمكن أن نفصل بين رأس الإنسان وقلبه»[1] والأصل في القوامة أنها للرجل على المرأة، وقد جاء اللفظ «بصيغة المبالغة في قوله: (قوَّامون) ليدل على أصالتهم في هذا الأمر»[2]، والوصف بأسلوب المبالغة دلالة على لصوق الصفة بالموصوف، وتثبت القوامة للرجل بهذه الآية من وجهين "وهبي وكسبي":

أما الأول فبقوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فالله عز وجل فضَّل الرجال على النساء من حيث القوة وكمال العقل والعبادات، والعزم والحزم وحسن التدبير واتخاذ القرار...، فالتفضيل ليس منوطا بالجنس من حيث الذكورة والأنوثة، بل يعود لأمور خَلْقية وعقلية ونفسية. وأما الثاني فبقوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فالرجل من هذه الزاوية مكلف بالإنفاق على زوجته ماديًّا وإن لم تكن بحاجة إلى ذلك كما هو مُطالَب بالإنفاق على جميع النساء ممن هن تحت رعايته.

إذًا إنَّ تخصيص الرجل بالقوامة تكليف له وتحميل إياه للمسؤولية من جهة، وتشريف للمرأة وتكريم لها في الإسلام من جهة ثانية، وليس في ذلك -كما يظن بعضهم- انتقاص من شأن المرأة، فجُلُّ ما تقوله الشريعة: «أنها تختلف عن الرجل، فالقضية هنا تقتصر على أوجه التباين بينهما، وهي لا تتعلق بتحديد من هو الأفضل بينهما»[3]، فهي فروق تكوينية نفسية لا ينكرها العقل، لكنها لا تحدد الأفضلية، فمن الظلم أن ينظر إليها نظرة سلبية.

ويضيف رشيد كهوس موضحًا ذلك: إن الشريعة الإسلامية في قوامة الرجل «لم تُلغ شخصية المرأة ولم تنتقص من كرامتها، بل بوَّأتها مكانة لائقة بها وبطبيعتها المرهفة الإحساس، وجعلتها في حماية الرجل يذود عنها ويسهر على راحتها، فإنها والله قمة الكرامة والرفعة»[4] ومن ثم تحدثت الآية عن صنفين من النساء في علاقتهن مع أزواجهن؛ هما صنف المطيعات الصالحات القانتات الحافظات للغيب كما تخبر عنهن الآية، وصنف الناشزات العاصيات، والناشز هي التي تعصي زوجها فلا تطيعه فيما وجب له من حقوق عليها، وقد أسهب المفسرون في بيان صور النشوز، وأُتبِع هذا التصنيف بتسلسلِ عقوبة الناشز بعد الوعظ من خلال الهجر ثم الضرب.

والذي نلاحظه من الآية الكريمة أن الله عز وجل لم يُقدِّم الضرب، بل جعله آخر حل بعد استيفاء القسمَين الأَوَّلين، فكانت الخطوة الأولى بالوعظ كتذكير المرأة بما لها وما عليها من حقوق وواجبات حتى تلين، فإن لم تلن وتطع انتقل إلى الخطوة الثانية المتمثلة بالهجر في الفراش، وهذا له تأثير كبير على نفسية المرأة، وإذا لم تستجب بالوعظ والهجر كان آخر العقوبات الضرب، «فالإسلام عالج نشوز الزوجة عبر مراحل حكيمة؛ فابتدأ من مرحلة العقل وذلك بالموعظة الحسنة والتذكير بالله وما أعدّه للطائعات الصالحات، والترهيب بعقوبة العاصيات الخارجات عن طاعة الأزواج، ثم بعد فشل هذه المرحلة انتقل إلى مرحلة العاطفة، وذلك بالهجر في الفراش وفي بيت النوم، وبعد فشل هذه المرحلة لم يبق إلا الضرب، لكنه بشروط وقيود لعل الزوجة تستجيب وتتراجع عن نشوزها، فلعل الذي لا يؤثر فيه العقل والعاطفة يؤثر فيه الضرب أو التخويف»[5] ولم يجعل الضرب آخر العقوبات إلا لكونه أثقل الحلول على الرجل وأمرَّها على المرأة وأبغضها إلى الله عز وجل ورسوله الكريم لولا أنها ضرورة.

يتبع

المصدر: العدد العاشر من مجلة "مقاربات" الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين