الضرب في آية القوامة.. آراء ومواقف (1)

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}، [النساء: 34].

يعتني هذا الموضوع بمفهوم الضرب في «آية القوامة»، هذه الآية التي دار فيها نقاش كبير وتفسيرات مختلفة، نقاش وصل إلى القول بأن القرآن الكريم انتقص من قيمة المرأة ومن إنسانيتها في هذه الآية حين أمر بعقوبة الضرب في «النشوز»، ووقف آخرون موقفا آخر ليس حياديا ولا طالبا للحق بل على النقيض تماما حين ابتدعوا تفاسير أخرى لمفهوم الضرب في الآية، وردوا بتفاسيرهم هذه الحكم القرآني وعطَّلوه، فأصبحوا بشكلٍ ما لا ينكرون القرآن ولكن يغلِّطون تفسير جمهور العلماء للآية وما أكدَّها من أحاديث نبوية شريفة.

مدخل

لقد كان الضرب ومازال نوعًا من أنواع التأديب في كثير من المجتمعات بينما منعته مجتمعات أخرى وصنفته من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، لكن لو ربطنا الضرب بسياق الأحوال الاجتماعية وعرضناه أمام نصوص من شرعنا الحنيف فلسوف نجد أنه مقبول اجتماعيًّا إلى حد ما، ففي صدر الإسلام وإلى عهد قريب كان لضرب الزوج زوجتَه أحيانًا ما يسوِّغُه، ولا يزال تأديب الآباء للأبناء بالضرب مقبولا، وهو مقبول في حدود ضيقة في بلدان الغرب، بل إن الذين منعوا الضرب التأديبي في المؤسسات التعليمية على الخصوص يجنون اليوم ويلات هذا القرار في بعض البلدان بما ظهر من جرائم ضد الأستاذ وقلة احترام وسوء الأخلاق داخل المؤسسات وخارجها، ناهيك عن الفوضى الأخلاقية وانعدام القيَم داخل الأسرة، وما زلنا في المجتمعات العربية نشهدُ ضرب الكبار للصغار أحيانًا ذكورًا كانوا أم إناثًا تأديبًا لهم ولا أحد يرفضه، فلم لا يقبل ضرب الزوجة تأديبًا في حالة النشوز ويُقبل الضربُ التأديبي للأبناء والبنات والأخوات أحيانًا؟

ونجد بعضًا ممن عرضوا لتفسير نصوص معينة يقرؤون الآية ويفسرون مفهوم الضرب بتفاسير أُخَرَ، بدعوى أن القول بحكم الضرب فيه انتقاص من قيمة المرأة في زمن أصبحت فيه المرأة مساوية للرجل ولا تحتاجُ قوامتَه كما يقولون. ولا يمكن الجزم بأن هذه التفاسير بريئة إذا نظرنا إلى خلفيات هؤلاء المفسرين الحداثيين ومرجعياتهم الغربية في قراءة النصوص الدينية وتفسيرها.

جدير بالذكر أنَّ ورود مفهوم الضرب في القرآن ليس الهدف منه الدعوة إلى الضرب في أوساطنا ولا التحريض عليه بالبتِّ المطلق، فالضرب وإن كان مشروعًا في التأديب بشروطٍ بينتها السنة فقد جُعل آخر خطوة، والرجل النبيل لا يصل إليه خاصة في زمننا هذا إذ أصبح ينظر إلى الضرب كأنه جريمة بعدما اختلفت العادات ودخلت على الناس أفكار وثقافات.

يتبع

المصدر: العدد العاشر من مجلة "مقاربات" الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين