أهل البيت في الحديث النبوي(7) التعريف الاصطلاحي

ثانيًا: أدلة القائلين بأن أهل البيت هم: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه خاصة:

هؤلاء يحصرون مفهوم أهل البيت بزوجات النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.

ويستدلون على هذا الحصر بالقرآن الكريم، ذلك أن الخطاب في القرآن الكريم في الآيات السابقة والتالية للآية التي ورد فيها ذكر أهل البيت [الأحزاب:28-34] إنما هو للأزواج فقط، لم يَرِد ذكر غيرهن فيها، فجعْلُ هذه الآية خطابًا لمن ليس له ذِكْر في الآيات صرفٌ لها عن معناها الظاهر، وعن سبب نزولها، بدون داع أو مبرر لذلك، وهو يتنافى مع أسلوب القرآن الحكيم.([1])

قال المباركفوري يستدل لهم: ((قالوا: المراد بالبيت بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومساكن زوجاته، لقوله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب:34]، وأيضًا السياق في الزوجات من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ إلى قوله: ﴿لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب:28-34])).([2])

وقد استخدم القرآن الكريم نفس اللفظ (أهل البيت) في زوج إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم. فحين جاءت الملائكة إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه بالبشرى بأنها ستحمل وتلد بعد أن صارت عقيمًا وزوجها أصبح شيخًا كبيرًا، وتعجبتْ من هذا الأمر بهذا التوقيت وعلى هذه الكيفية، قال تعالى يقص ذلك: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ^ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ^ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ^ قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ^ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ^﴾ [هود:69-73] فالملائكة رسل الله سبحانه إلى إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه، وكما هو معلوم أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومع ذلك قالت الملائكة خطابًا لزوج إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ وهذا يدل على أنها وزوجها صلى الله عليه وآله وسلم هم أهل البيت.([3])

وحين خرج موسى صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أهله (زوجه) من مدين متوجهًا إلى مصر، وأضاع الطريق في الصحراء، ورأى نارًا... إلى آخر القصة، كما قال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى^ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى^﴾ [طه:9-10]، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لعلي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ^﴾ [القصص:29] فسمَّى الله تعالى زوج موسى صلى الله عليه وآله وسلم أهله، أو من أهله على أقل تقدير.([4])

وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة يصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه أو بعض نسائه بأنهن أهله وأهل بيته، ومن ذلك: دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حُجَر نسائه كلهن، لما بنى بزينب بنت جحش، وهو يقول: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله». وهن يقُلن: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك.([6])

وفي رواية: «سلام عليكم، كيف أنتم يا أهل البيت».([7])

وحين قال أهل الإفك ما قالوا عن عائشة رضي الله عنها، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليًّا وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامة فقال: أهلُك، ولا نعلم إلا خيرًا. وقالت بريرة: إنْ رأيت عليها أمرًا أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجِنُ فتأكله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن يعذرنا من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي، فواللهِ ما علمتُ من أهلي إلا خيرًا. ولقد ذكروا رجلًا ما علمتُ عليه إلا خيرًا».([10])

انظر الحلقة السادسة هنا

([1]) ابن كثير:6/410، التحرير:22/15

([2]) تحفة الأحوذي:9/48

([3]) البغوي:4/190، القرطبي:9/71، التحرير:22/14

([4]) الحاوي الكبير:4/250، البغوي:6/205، المحرر الوجيز:4/48، فتح القدير:3/357، التحرير:16/194

([6]) البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب:4/1799، رقم:4515

([7]) مسلم: كتاب النكاح، باب باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها:2/1046، رقم:1428

([10]) البخاري: كتاب الشهادات، باب إذا عدل رجل أحدًا فقال لا نعلم إلا خيرًا أو قال ما علمت إلا خيرًا:2/932، رقم:2494، مسلم: كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف:2/2129، رقم:2770

أغمصه: أعيبه. فتح الباري:1/163. والداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى. وقيل: هي كل ما يألف البيوت مطلقًا شاة أو طيرًا. فتح الباري:8/470رآن وعلى الذكر:4/2074، رقم:2699

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين