أهل البيت في الحديث النبوي (11): التعريف الاصطلاحي

ثانيًا: الردود والاعتراضات على القائلين بأن أهل البيت هم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه فقط:

يَرِد عليهم الآتي: إنّ الخطاب في قصَّة إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم وإنْ كان لزوج إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا يدل على حصر أهل البيت فيها، بل غاية ما يدل عليه ظاهر اللفظ أنها من أهل البيت، ثم هو لمكان إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي قصة موسى صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا لا يدل ظاهر الآية على الحصر في الزوج، بل لم يرد لفظ البيت، وكون الزوج أهل الرجل أو من أهله لا يخالف فيه أحد. وقد ورد على لسان موسى صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ما يدفع استدلالهم بظاهر الآية، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا ربه، قائلًا: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي^ هَارُونَ أَخِي﴾ [طه:29-30] فقد جعل موسى صلى الله عليه وآله وسلم أخاه هارون صلى الله عليه وآله وسلم من أهله، وهو يردُّ حصر الأهل بالأزواج.

وتصريحهم بأن الآية نزلت فيهنَّ خاصة، لا يستلزم الحصر فيهن، لأنه من المعلوم أن خصوص سبب النزول لا يخصص اللفظ العام من جهة. ومن جهة أخرى فإن قول الراوي: إن آية كذا نزلت في كذا، قد يُحمِل على أنه سبب نزول، وقد يراد به أنه داخل في مدلول الآية، وقد يجري مجرى التفسير أيضًا.([1])

قال ابن كثير: ((وقال عكرمة: مَن شاء باهلتُه أنها نزلتْ في شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فإن كان المراد أنهنَّ كنَّ سبب النزول دون غيرهنَّ فصحيح، وإن أُريدَ أنهنَّ المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك)).([2])

وقد استخدم القرآن الكريم لفظة الأهل بما يدل قطعًا على عدم الحصر بالأزواج، كقوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه:132]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران:121]، وقوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود:45]، وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا^ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم:54-55]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء:35] ففي كل هذه الآيات لا ينحصر مفهوم الأهل بالأزواج. بل قُصد به الوالد والولد، والقريب البعيد النسب، بل والأجنبي، بالإضافة إلى الزوج.

والزوج في اللغة من الأهل بالتأكيد، ولكن أحدًا من أهل اللغة لم يقل: إنها كل الأهل، حتى لا يصح أن يُجْعَل غيرها من الأهل.

أضف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي صرَّحت بأن غير الأزواج هم من أهل البيت، وأنهم قطعًا بعض الأفراد المشمولين بهذا اللقب، كأصحاب الكساء، كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداةً، وعليه مِرْط مُرَحّل من شعر أسود. فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثمَّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: «﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾».([3])

وكما روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلَّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرًا».([4])

فهذا الحديث فيهم، وأمثاله في غيرهم، تجعلهم بالتأكيد من أهل البيت.

وذلك كله يجعل القول بحصر أهل البيت بالأزواج غير صحيح.

وغاية ما تفيده استدلالاتهم أنَّ الأزواج من أهل البيت، وهذا يدخل ضمن القول الرابع، كما سيأتي.

انظر الحلقة العاشرة هــنا

([1]) مجموع الفتاوى:11/340، الإتقان في علوم القرآن:1/93

([2]) ابن كثير:6/411

([3]) مسلم، سبق تخريجه.

([4]) الترمذي، سبق تخريجه.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين