أثر مناهج الأصوليّين في الاعتدال الفكري (2)

المبحث الثاني حمل النُّصوص على بعضها

أولا. حمل النصوص على بعضها في مسائل أصول الدِّين:

حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص والمتشابه على المحكم (1) من أبرز مناهج الأصوليين، وذلك أن القرآن استمر نزوله ما يقرب من ثلاث وعشرين سنة، وخلال هذه الفترة كانت تصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوال وأفعال وتقريرات كثيرة بحسب وقائع مختلفة باعتباره مشرّعًا، ولا يمكن أن نقف في إثبات الأحكام عند آية واحدة أو بضع آيات بمعزل عن الآيات الأخرى التي جاءت للحديث عن نفس المسألة، ولا عند بعض الآيات أو عند النصوص القرآنية بمعزل عن السنة النبوية، فالتشريع عبارة عن وحدة متكاملة، ومن الخطأ والحالُ هذه أنْ يقف المرء عند البعض متجاوزًا بقيّة النصوص .

وباختصار لابد من جمع النصوص- سواءً أكانت من القرآن نفسه أو من السنة أو من السنة والقرآن- التي تتحدث عن موضوع واحد ليتم التوفيق بينها، ضمن قواعد عدة من أبرزها حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص والمتشابه في ضوء المحكم.

هذه المناهج من أبرز مناهج الأصوليين في التنسيق بين النصوص، وعدم الأخذ بها والعمل بمقتضاها هو الذي جرَّ كثيرًا من أصحاب الفرق إلى أخطاءٍ شنيعة، وهذا الأمر هو رأس المشاكل في أيامنا هذه... 

إن جميع المسلمين يعلمون أن الدين يقوم على مصدرين أساسيين هما الكتاب والسنة ولا خلاف بينهم في ذلك! لكن المسألة كيف نفهم هذين المصدرين؟ وبمعنى آخر هل يحتاج فهم هذين المصدرين إلى آليات أخرى، أم يكفي للواحد منَّا أن يفهم هذين المصدرين بمجرد قراءتهما والاطِّلاع عليهما؟

وأذكر أنّ شابًّا أعرفه جيّدًا صعد المنبر وخطب في الناس قائلًا: لهم إنّ الدّرج الذي وضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما صنعوا له منبرًا كان ثلاث درجات، فالزيادة على ذلك ليست من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمثال هؤلاء الشباب عندما تعطيه دليلًا يسعى جاهدًا لفهمه من تلقاء نفسه بعيدًا عن شُرّاح الحديث ومناهج الأصوليّين وعلم اللغة. 

وقد يُعوِّل بعض هؤلاء على صحة حديث واحد بمعزل عما يتصل به من نصوص أخرى، فينسف بذلك كثيرًا من أسس الدين وأحكامه.

وهذا المنهج ليس صوابًا فالحديث قد لا يكون صحيحًا، وحتى لو كان صحيحًا ليس لنا أن نأخذ منه حكمًا من غير الرجوع إلى شُرَّاح الحديث وعلماء الفقه واللغة والأصول ومعرفة سبب وروده، لأن الحديث وإن صحَّ فقد يكون هناك سبب يمنعنا من الأخذ به، فقد يكون الحديث مخصوصًا وقد يكون مقيّدًا، وقد يكون منسوخًا وقد يكون شاذًّا...

ومن هنا نجد أن مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام من الحديث النبوي تختلف تمامًا عن مناهج المحدثين في الحكم على الحديث... فما هي جوانب الاختلاف بين كل من منهجيِّ المحدثين والفقهاء؟

إن المحدث ينظر إلى الشروط المتوافرة في الحديث فإذا ما كان الحديث صحيحًا بمعنى توفر الشروط الخمسة فيه، وهي: اتصال السند مع عدالة وضبط الراوي والسلامة من الشذوذ والعلة فالحديث عنده صحيح، من غير أن ينظر المحدث إلى جملة الأحاديث الأخرى الواردة في ذات السياق ومن غير أن ينظر إلى الآيات القرآنية التي تتناول المسألة نفسها... فالمحدث يحكم على الحديث انطلاقًا من الحديث ذاته بسنده ومتنه، بينما الفقيه لا يكتفي بالنظر إلى سند الحديث وألفاظه فقط، وإنما ينظر إلى مدلولات الحديث وضرورة انسجامها مع آيات القرآن الكريم ونصوص السنة الأخرى، فلا يتعارض مع حديثٍ أصح منه، ولا مع القواعد الكلية المتصلة بالعقيدة، فهو لا ينظر إلى حديثٍ بمفرده، وإنما ينظر إلى ضرورة توافق هذا الحديث مع جملة من الشروط من أبرزها التوافق مع نصوص القرآن الكريم والسنة المُطهَّرة.

ولو قام إنسان ما بالأخذ بظواهر بعض النصوص من غير العمل بقواعد الأصوليين في الجمع والتوفيق بينها لوقع في تناقض عجيب ثم قام بنسبة هذا النقص إلى الشريعة المطهرة عن كل عيب ونقصان، ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك:

المثال الأول:

روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال:" سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ))(2).

فلو أخذنا بظاهر هذا الحديث لقمنا بتكفير تارك الصلاة من غير أن نستفصل عن سبب الترك.

فالمعنى المتبادر إلى الذهن من ظاهر الحديث هو الحكم بكفر تارك الصلاة... وتكفيره يترتب عليه أمور عدة من ذلك عدم دفنه - لو مات على ذلك - في مقابر المسلمين وعدم الصلاة عليه وعدم التوارث، وربما يجر ذلك إلى اعتبار أمواله غنائم للمسلمين لكونه كافرًا .

فالقول بالتّكفير بشكل مطلق من غير النَّظر إلى النصوص الأخرى الواردة في هذه المسألة لا يمثِّل المنهج العام لعلماء الأمة في التعامل مع النصوص... ومن هنا لم يأخذ جماهير الأصوليين والفقهاء بظاهر هذا النص، يقول الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: (وأما تارك الصلاة فان كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدّةً يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان ترْكه تكاسلًا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب، وإلا قتلناه حدًّا كالزاني المحصن... وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو إحدى الروايتين عن أحمد ابن حنبل((3)) ... وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهما الله أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي ... واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وبقوله صلى الله عليه و سلم: ((من قال لا إله الا الله دخل الجنة)) ((من مات وهو يعلم أن لا إله الا الله دخل الجنة)) ((ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة)) ((حرم الله على النار من قال لا إله الا الله)) وغير ذلك وتأوّلوا قوله صلى الله عليه وسلم ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحِلِّ أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو أن فعله فعل الكفار والله أعلم)(4).

ومن البيِّن أننا لا نستخف بقول من قال بكفره وهي الرواية الأخرى عند الإمام أحمد رحمه الله، فليس هذا من مقصود البحث بل القصد أنَّ الحكم عليه بالتّكفير انطلاقًا من الحديث ذاته مع تجاهل النَّصوص الأخرى لا يمثِّل الوجهة العامة عند علماء المسلمين، ولذا لم يأخذ الجمهور بظاهره، والذي دعا الجمهور إلى عدم الأخذ بظاهر هذا الحديث هو ضرورة فهمه في ضوء نصوص الشرع الأخرى، ومنها قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: الآية 116].

وهذا الذي ذكره النوويُّ من عدم الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه من الكفار مالم يكن ارتكابه للذنب من باب الاستخفاف أو الإنكار لأصل المشروعية يمثل أصلًا من أصول أهل السنة... وقد عبَّر عن هذا الإمام النووي بقوله: (واعلم أن مذهب أهل السنة، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحِّدًا دخل الجنة قطعًا على كل حال، فإن كان سالمًا من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يُبتَلَ بمعصية أصلًا فكل هذا الصنف يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار أصلًا... وأما من كانت له معصية كبيرة، ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أَوَّلًا وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذى يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوصٌ تحصل العلم القطعي فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع)(5). 

وهذا المنهج الذي ذكره النووي رحمه الله لا يتفق مع منهج المعتزلة القائل: بأن صاحب الكبيرة إنْ مات عليها فهو في منزلة بين المنزلتين، وعليه فهو مخلد في نار جهنم لا يخرج منها أبدًا، ويستحق العقوبة على الدوام ولا ينال الشفاعة (6) - وإن كان عذابه أخف من عذاب الكفار- وهذا المنهج فيه غلو وعدم اعتدال .

وأساس ذلك عدم الاعتداد بمناهج الأصوليين وهو حمل الأحاديث والآيات التي يوهم ظاهرها كفرَ صاحبها على الآيات والأحاديث الأخرى كما هو منهج الأصوليين من أهل السنة .

بل نلحظ أن الآية القرآنية التي ذكرها النووي – آية النساء- والتي كانت أساسًا في حمل النصوص الأخرى عليها هي عند المعتزلة مصنفة مع الآيات المتشابهة(7) وجعْلها كذلك يعني أنها لا تفهم إلا في ضوء الآيات المحكمة عندهم، يقول القاضي: (واعلم أن مشايخنا رحمهم الله قالوا إن الآية مجملة مفتقرة إلى البيان، لأنه قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ولم يبين من الذي يَغفر له، فاحتمل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر، واحتمل أن يكون المراد به أصحاب الكبائر، فسقط احتجاجهم بالآية) (8).

وقول القاضي هذا فيه بُعدٌ وتكلّفٌ لأن القضية ليست هي تمييز الكبائر عن الصغائر، وإنما القضية هي أن ما دون الشرك تحت المشيئة، فهذا هو وجه دلالة الآية وما قاله بعيد عن سياقها ودلالتها، ويبدو أن القاضي شعر بركاكة الرد، فحاول أن يعضد دليله بدليل آخر فقال: (ووجه آخر وهو أن أكثر ما في الآية تجويز أن يغفر الله تعالى ما دون الشرك على ما هو مقرر في العقل، فلو خلينا وقضية العقل لكُنّا نجوز أن يغفر الله تعالى ما دون الشرك لمن يشاء إذا سمعنا هذه الآية، غير أنَّ عمومات الوعيد تنقلنا من التجويز إلى القطع على أن أصحاب الكبائر يفعل بهم ما يستحقونه، وأنه تعالى لا يغفر لهم إلا بالتوبة والإنابة، ومتى قيل فما تلك العمومات؟ قلنا: نحو قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: الآية 23] (9).

وإذ كانت هذه العمومات تنقل من التجويز إلى القطع فمؤدى هذا حمل الآية السابقة على هذه العمومات، وهذا هو التأويل بحيث تُحمل دلالتها من التجويز إلى القطع، وهذا التجويز هو الذي جعلها من المتشابه في نظر القاضي (10).

ولاشك أن المنهج الذي سار عليه المعتزلة في القول بأن أصحاب الكبائر في منزلة بين منزلتين، وأنهم لا ينالون الشفاعة فيه غلوٌّ فكريٌّ، وهو بعيد عن منهج الأصوليّين من أهل السنة الذين حملوا النصوص على بعضها ووفقوا بينهما، وكان المستند لهم في ذلك النصوص.

يقول الشاطبي: (قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية [النساء: 48] جامع للتخويف والترجية من حيث قيد غفران ما سوى الشرك بالمشيئة)(11) ويقول الباقلاني في الآية السابقة: (فاستثنى الله تعالى من المعاصي التي يجوز أن يغفرها الشرك، فألحقت الأمة به ما كان بمثابته من ضروب الكفر والشرك، وقال {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] فلم يخرج ذلك إلا الكفر والشرك)(12).

والذي حمل جمهور أهل السنة على ذلك نصوص كثيرة من أبرزها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَل))( )، يقول البيضاوي عن هذا الحديث: (فيه دليل على المعتزلة في مقامين أحدهما أن العصاة من أهل القبلة لا يخلدون في النار لعموم قوله من شهد)(13).

ومن ذلك حديث مسلم ((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ))( )، يقول بدر الدين العيني: (فيه حجة لأهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار وأنهم إن دخلوها خرجوا منها) (14).

هذه نظرة سريعة على قواعد الغلو عند المعتزلة، ولكن أكثر ما يبدو الغلوُّ الفكريُّ واضحًا وصريحًا عند الخوارج، وما ذاك إلا لبعدهم عن مناهج الأصوليين في حمل النصوص على بعضها وتفسيرها وفقا لذلك، إذ إنهم قد تمسكوا بظواهر بعض النصوص وتجاهل أخرى، وهذا التمسك هو الذي جرَّهم إلى فهم عجيب لنصوص الشريعة، حيث حملوا آيات الوعيد على ظاهرها من غير أن يجمعوا بين الآيات والأحاديث... ومن هؤلاء (المكْرَمية أصحاب مكرم بن عبد الله العجلي الذي كان من جملة الثعالبة وتفرد عنهم بأن قال: تارك الصلاة كافر لا من أجل ترك الصلاة ولكن من أجل جهله بالله تعالى وطرد هذا في كل كبيرة يرتكبها الإنسان، وقال: إنما يكفر لجهله بالله تعالى وذلك أن العارف بوحدانية الله تعالى وأنه المطلع على سره وعلانيته المجازي على طاعته ومعصيته لن يتصور منه الإقدام على المعصية والاجتراء على المخالفة ما لم يغفل عن هذه المعرفة ولا يبالي بالتكليف منه، وعن هذا قال النبي عليه الصلاة و السلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن))(15). 

يقول الشيخ الطاهر بن عاشور: (فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله، وقد اغترّ بعض الفرق بذلك، قال ابن سيرين في الخوارج: إنهم عمدوا إلى آيات الوعيد النازلة في المشركين فوضعوها على المسلمين فجاءوا ببدعة القول بالتكفير بالذنب)(16).

وهكذا بات من الواضح بعد ما ذكرناه ضرورة الرجوع إلى مناهج الأصوليّين في حمل النصوص على بعضها، لنصل إلى مراد الله وأحكامه.

الحلقة السابقة هـــنا

------------

(1)العام هو" اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد" كقولنا الرجال فإنه مستغرق لجميع ما يصلح له " الرازي ، المحصول، دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، الناشر: مؤسسة الرسالة،الطبعة: الثالثة، 1418 هـ - 1997 م: 2/ 513-514 ، اما المطلق فهو" اللفظ الدال على مدلول شائع في جنسه" الآمدي ، إحكام الأحكام، المحقق: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان :3/ 5-6 ، وعليه يكون المقيَّد " ما دلَّ لا على شائع في جنسه " الشوكاني، إرشاد الفحول، المحقق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا، قدم له: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، الناشر: دار الكتاب العربي، الطبعة: الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م: 443 ، أما عن الخاص والتخصيص فيقول الشيرازي في اللمع:" التخصيص تمييز بعض الجملة بالحكم من الجملة ولهذا القول خصًّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا ...وأما تخصيص العموم فهو بيان مالم يرد باللفظ العام " الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الطبعة الثانية 2003 م - 1424 هـ.ص. 77.

(2) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، بَابُ بَيَانِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ رقم: 134، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي. 

(3) انظر في مذهب الإمام أحمد :الكافي في فقه الإمام أحمد، ابن قدامة المقدسي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م، : 1/ 178. 

(4) النووي، شرح النووي على مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الثانية، 1392، 2/ 71. 

(5) شرح النووي على مسلم:1/ 217. 

(6) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة:666 

(7) القاضي عبد الجبار، متشابه القرآن:187.

(8) شرح الأصول الخمسة:678.

(9) شرح الأصول الخمسة:678.

(10) متشابه القرآن:187. 

(11) الموافقات، المؤلف: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي ،المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م. 4/ 175. ويقول في الاعتصام:" من مات على الكفر لا غفران له البتة وإنما يرجى الغفران لمن لم يخرجه عمله عن الإسلام لقول الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } الاعتصام:1/90. 

(12) الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 1/ 404. 

(13)اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: 1/ 12. 

(14)فيض القدير: 6/ 205. 

(15)صحيح مسلم، كتاب الإيمان، بَابُ مَنْ لَقِي اللهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّار، رقم: 43. 

(16) عمدة القاري شرح صحيح البخاري:12/ 120. 

(17)الشهرستاني، الملل والنحل:107، دار الفكر، دمشق، 2002. 

(18)التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية : 1/ 50.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين