ذكرياتي مع سيدي الشيخ محمد نذير الحامد (6)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

إليكم اللوحة السادسة من ذكرياتي مع فضيلة الشيخ نذير الحامد رحمه الله وجزاه عنّا خير جزاء آمين .

لوحتنا اليوم تحتاج إلى تقديم لابدّ منه كما سترون فاعذروني

أيّها الإخوة الكرام: سبق أن نوّهت للحملة الشرسة التي كان ديننا يتعرّض لها، وكان مجتمعنا يحتوي على علماء عاملين تصدّوا لها بالأدلّة والعلم صابرين محتسبين، وشعر الأشرار أنّ أباطيلهم المظلمة تتلاشى أمام أنوار معرفة أولئك العلماء، فاعتقلوا فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة رحمه الله وزجّوه في السجن ، ظلما وعدوانا - لإرهاب العلماء وللإعلان عن نيّة الشرّ والتنكيل بمن سيتصدى لأباطيلهم - وكنّا نتتلمذ على دروسه وخطب الجمعة التي يؤديها في جامع الخسروية . فكان البديل الطبيعي عنه فضيلة الشيخ أحمد عزّالدين البيانوني رحمه الله، ثم فضيلة الشيخ طاهر خير الله رحمه الله أيضا فلمّا علم الناس بنوايا الأشرار كتب العلماء عريضة لرئيس الجمهورية يطالبون بإطلاق سراحه فورًا ووقّعوا عليها بأسمائهم وتناولوا الموضوع في خطب الجمعة . وبدون شرح وتفصيل أسفر الأمر عن تجريد نخبة من العلماء من وظائفهم لدى الأوقاف ومنعهم من خطبة الجمعة والإمامة تحت طائلة المسؤولية.

فخسرنا البقية الباقية من مشاعل النور في طريقنا .

ورحت أبحث عن خطيب إذا استمعت إليه يوم الجمعة أفادني . حتى وقعت على ضالّتي.

خطيب مفوّه وحافظ لكتاب الله لا يذكر آية إلّا ويعيّن السورة ورقم الآية وتابعته باهتمام وسعدت بوصولي إليه ولازمته لا أصلّي الجمعة إلاّ عنده .

ولم يمض طويل وقت حتّى تبيّن لي أنّه عاقّ لأمّه .أمّه أعرفها من صغري أصيبت بالشلل النصفي وقام ببرّها والعناية بها ابنها الآخر كان يعمل آذنا في دائرة النفوس.

وكان النساء كلّما التقين بها يسألنها : ألا تريدين الذهاب لابنك الشيخ ؟ وهي ترفض وتستنكر وتدعو عليه بلسانها المشلول علمت وتأكّدت أنّ ابنها الشيخ هو صاحب الخطب الرنّانة والحافظ لكتاب الله ...الخ فكرهته ونفر قلبي منه ولم أعد أستطع السماع له .

والآن السؤال الذي يطرح نفسه : ما الذي دعاك يا عاطف لهذا الحديث هنا ؟

نعم عندما ملأ علينا فضيلة الشيخ نذير الحامد السمع والبصر، جاءت الهواجس والوساوس : هل سأصاب بخيبة أمل كتلك ؟ من لي بمعرفة مستوى برّه بأمّه ؟ واستمرّت الهواجس تنتابني إلى أن حصل احتفال بالمولد النبويّ الشريف ، فانتهزت الفرصة، وطلبت من والدتي رحمها الله أن تذهب إلى ذلك الحفل وتتعرّف على أمّ الشيخ وتسألها عن مدى رضاها عنه وبصريح العبارة وذكرت لها أني أخاف أن يكون مثل ذلك الشيخ .

ذهبت رحمها الله إلى الحفل ، وأثناءه سألت عن أمّ الشيخ فدلّوها عليها فقابلتها وسلّمت عليها وتمّ التعارف بينهما لكنّ والدتي ذكرت اسم أسرتها ولم تذكر بيانوني لكي لا ينكشف أمرها .

وأثناء الحديث قالت لها : شلون أولادك إن شاء الله ملتزمين مطيعين ؟ فأجابتها : الحمد لله كلّهم ملتزمين.

قالت لها : وشلون رضاك عليهم ؟ فأثنت عليهم وأبدت رضاها عنهم كلّهم .

وكان في ذهن والدتي أن تسألها عن مستوى حظ كلّ منهم . لكنّ أمّ الشيخ رحمها الله بعد أن ذكرت رضاها عنهم جميعهم انطلقت بحماس منقطع النظير قائلة : لكن ابني الشيخ الله يرضى عليه والسما والعرش يحنّوعليه وراحت تدعو له وتدعو... قالت لي والدتي : والله يا ابني وقف شعر جسدي من دعائها . دعت له دعاء ما سمعت مثله في حياتي وتشعر أنّه صادر من قلب أمّ راضية فوق ما يتصوّر عقلك.

هنيئا له ماشاء الله عليه . بكت عيناي فرحا وتأثرًا وخفق قلبي وقلت لوالدتي : ( هادا اللي أبوس روحو ).

أيّها السادة: لقد تناسب علمه الذي شاهدناه مع رضا والدته تماما . رحمه الله تعالى ونفعنا بحبّه وجمعنا معه.آمين

اللوحة الخامسة هنا