وهبة الزحيلي - العالم الفقيه المفسر

 

ولادته ونشأته:

ولد وهبة مصطفى الزُّحيلي (أبو عبادة) في بلدة دير عطية من ريف دمشق عام 1351هـ-1932م لأبوين كريمين موصوفين بالصَّلاح والتَّقوى.

فوالده الحاج مصطفى الزُّحيلي(ت1395) كان حافظاً لكتاب الله تعالى، شديد التَّمسك بالسُّنة النَّبوية، كثير العبادة والصِّيام، ذا همَّةٍ عالية، وكان له الأثر الأكبر في توجيه أولاده لمتابعة التَّحصيل العلمي، وفي إطار الدِّراسات الشَّرعية بخاصَّة.

أما والدتُه (فاطمة سعدة) فسيدةٌ فاضلة، شديدة الورع، متمسِّكةٌ بالشَّريعة عاملةٌ بها(ت1404).

اتَّجه المترجَم في بداياته الأولى إلى تعلُّم القرآن الكريم، فأتقنه تجويداً في أحد كتاتيب البلدة عند امرأةٍ حافظةٍ صالحة، وأُدخل بعدها المدرسة الابتدائية الرَّسمية وأتَمَّها في بلدته أيضاً.

دراسته وشهاداته:

بعد أن أنهى دراستَه الابتدائية قدم المتَرجم مدينةَ دمشق سنة 1946 م وعمرُه 14 عاماً لمتابعة دراسته في معاهدها.

التحق في دمشق بالثانوية الشَّرعية التي كانت تُسمَّى الكلِّية الشَّرعية، وأمضى فيها ستَّ سنوات، نال بعدها شهادة الثانوية الشَّرعية عام 1952م وكان ترتيبه الأولَ على جميع المتقدِّمين.

توجَّه بعدها إلى مصر ليكمل مسيرته العلمية، وتحصيله العلمي العالي، فالتحق بعددٍ من الكلِّيات في آنٍ واحد، فقد درس في الجامعة الأزهرية في كلِّيتي الشَّريعة واللُّغة العربية، كما درس في كلِّية الحقوق بجامعة عين شمس، وكانت حصيلة تلك الدِّراسة أن نال الشَّهادات الآتية:

1- الشَّهادة العالية في الشَّريعة الإسلامية من كلية الشَّريعة بالأزهر بتقدير ممتاز عام 1956م.

2- إجازة التَّخصص بالتَّدريس من كلية اللُّغة العربية بالأزهر عام 1957م.

3- إجازة في الحقوق من جامعة عين شمس بتقدير جيد عام 1957م.

ولم يكن الأستاذ وهبة الزُّحيلي قد قضى نهمته في طلب العلم بعد، فتقدَّم إلى كلٍّ من جامعتي الأزهر والقاهرة للدِّراسات التَّخصصية العليا، وتابع دراسته في كلِّية الحقوق في جامعة القاهرة بقسم الشَّريعة، ونال سنة 1959م درجة الماجستير في الشَّريعة الإسلامية، وبعد ذلك سجل أطروحته في الدكتوراه في الكلية نفسها بعنوان (آثار الحرب في الفقه الإسلامي –دراسة مقارنة)، ومنحته لجنة المناقشة الدرجة العلمية مع مرتبة الشَّرف الأولى سنة 1963م.

أساتذته وشيوخه:

هيأ الله -عز وجل- للمترجَم مجموعةً من أساتذة العلم وشيوخه في الشَّام ومصر قلَّ نظيرُها، ويندر أن تجتمع لإنسانٍ واحد، فكان بعضُ أفراد هذه الطَّبقة من العلماء أساتذة جيل، كما أن بعضهم كان صاحب نهضةٍ علميةٍ مباركةٍ جدَّدت معالم الدِّين في بداية هذا القرن.

فمن أساتذته وشيوخه في الشَّام أذكر:

1- الشيخ محمد هاشم الخطيب الرِّفاعي (ت1378): خطيب الجامع الأموي، ومؤسِّس جمعية التَّهذيب والتَّعليم، وقد قرأ عليه المترجَم في الفقه، وتأثَّر به في التَّوجيه وتبيان المعايير الصحيحة للإسلام.

2- الشيخ عبد الرِّزاق الحمصي (ت1388): كان فقيهاً وتولى الإفتاء في الجمهورية السُّورية بين عامي 1963م - 1969م، وقد قرأ عليه الشيخ الزحيلي في الفقه.

3- الشيخ محمود ياسين (ت1367): أحد مؤسسي (جمعية النهضة الأدبية)، و(جمعية العلماء)، و(رابطة العلماء)، و(جمعية الهداية الإسلامية) التي تولَّى رئاستها، وله عنايةٌ خاصَّةٌ بعلوم اللُّغة، واشتغالٌ بالحديث النَّبوي وعلومه، وقرأ عليه في الحديث.

4- الشيخ حسن الشَّطِّي(ت1382): فقيهٌ حنبليٌّ فَرَضيُّ، كان أوَّلَ مديرٍ للكلِّية الشَّرعية بدمشق، تلقَّى عليه المترجَم علومَ الفرائض والأحوال الشَّخصية.

5- الشيخ حسن حبنَّكة الميداني(ت1398): أحد أفذاذ دمشق المعدودين، صاحب نهضةٍ علميةٍ متميِّزة، شارك بتأسيس (مدرسة الجمعية الغرَّاء)، و(المدرسة الرَّيحانية)، و(المعهد الشَّرعي)، و(جمعية التَّوجيه الإسلامي)، كما شارك في تأسيس (رابطة العالم الإسلامي ) في مكة المكرمة. حضر الأستاذ الزحيلي دروسه في التَّفسير.

6- الشيخ صادق حبنكة(ت1428): أخو الشيخ حسن حبنكة، وقد حضر الشيخ الزُّحيلي دروسه في التَّفسير.

7- الشيخ صالح الفرفور(ت1407): مؤسس (جمعية الفتح الإسلامي) ومعهدها، وهو من رجال التَّربية والتَّعليم البارزين، وقد قرأ عليه المترجَم في علوم اللغة العربية (البلاغة والأدب).

8- الشيخ محمد لطفي الفيومي(ت1411): فقيهٌ، حنفي، ومدرِّسٌ بارعٌ، قرأ عليه الزُّحيلي في أصول الفقه ومصطلح الحديث وعلم النحو .

9- الشيخ محمود الرنكوسي(ت1405): العالم العامل الفاضل، مدير (دار الحديث الأشرفية)، ورئيس رابطة العلماء، قرأ عليه الزُّحيلي في علوم العقائد والكلام.

ومن أساتذته وشيوخه في مصر أذكر:

1- الشيخ محمد أبو زهرة(ت1394): الفقيه الإمام وعلم العصر، ولعلَّ الأستاذ الزَّحيلي قد تأثَّر بأسلوبه في الكتابة.

2- الشيخ محمود شلتوت (ت1383): الفقيه المفسر ، عضو جماعة كبار العلماء بالأزهر.

3- الشيخ الدكتور عبد الرحمن التَّاج: شيخ الأزهر بين عامي 1954م – 1958م، وله بحوث متميَّزة.

4- الشيخ عيسى منّون(ت1376): درَّس في الأزهر، ونال عضوية جماعة كبار العلماء، عُيِّن عميداً لكلية أصول الدِّين، ثم شيخاً لكلية الشَّريعة.

5- الشيخ علي الخفيف(ت1398): أحد أعلام القضاء والفقه في مصر، خلَّف أكثر من عشرة كتب فقهية وأصولية وعدداً كبيراً من البحوث.

وفي ذكر مشايخه وأساتذته يقول الدكتور الزحيلي: "أخذت عن شيوخ مصر العلم، وتعلَّمت من شيوخ الشَّام العمل بالعلم والورع".

أعماله وومناصبه:

التَّدريس الجامعي: كان أول أعمال المترجَم بعد حصوله على درجة الدكتوراه، إذ عُيِّن مدرِّساً في كلية الشَّريعة بجامعة دمشق عام 1963م، ثم رقي إلى درجة أستاذ مساعد سنة 1969م، وأستاذاً عام 1975م.

وتنقَّل بعدها بين عددٍ من الجامعات العربية بصفة أستاذٍ زائر، فدرَّس في كلية الشَّريعة والقانون بجامعة بنغازي، وفي قسم الشَّريعة بجامعة الخرطوم بالسُّودان، والمركز العربي للدِّراسات الأمنية بالرِّياض، وأمضى خمس سنوات في جامعة الإمارات العربية في العين.

وبالإضافة إلى التدريس الجامعي فهو يقوم بالتدريس والخطابة، وهو يمارس الخطابة منذ عام 1370 ولكن ليس بشكل منتظم ودائم.

وتنقل بعض دروسه عبر قناة «الرسالة» الفضائية.

مناصبه الإدارية:

خلال السَّنوات السَّابقة -وما يزال- شغل الدكتور الزَّحيلي عدداً من المناصب الإدارية في الجامعات التي درَّس بها؛ فقد عُيِّن وكيلاً لكلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1967م، ثم عميداً للكلَّية بالنَّيابة بين عامي 1967م – 1969م.

وعُيِّن رئيساً لقسم الشَّريعة في كلية الشَّريعة والقانون في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ثمَّ عميداً للكلِّية بالنيابة حتى نهاية مدة إعارته سنة 1989م.

وشغل سابقاً منصب رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق منذ سنة 1989.

نشاطات أخرى:

وللأستاذ الدكتور الزُّحيلي عضويةٌ في عددٍ من المجامع العلمية والبحثية الإسلامية، ويرأس بعض الهيئات الشَّرعية الإسلامية، ومنها:

- عضوٌ خبيرٌ في كلٍّ من مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي بالهند والسودان وأمريكة.

- عضوٌ في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية –آل البيت- في الأردن.

- عضو الموسوعة العربية بدمشق.

- رئيس هيئة الرَّقابة الشَّرعية لشركة المضاربة والمقاصَّة الإسلامية في البحرين.

- رئيس هيئة الرَّقابة الشَّرعية للبنك الإسلامي الدَّولي في المؤسسة العربية المصرفية في البحرين.

- رئيس قسم الدِّراسات الشَّرعية في المجلس الشَّرعي للمصارف الإسلامية في البحرين.

- عضو هيئة الإفتاء الأعلى بالجمهورية العربية السورية.

- عضو الهيئة الاستشارية لموسوعة دار الفكر للحضارة الإسلامية.

- عضو لجنة البحوث والشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف السورية.

وله أيضاً مشاركاتٍ فاعلةٍ في المؤتمرات والنَّدوات الدَّولية الإسلامية التي تعقد في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية، ومنها:

- دورات مجمع الفقه الإسلامي التَّابع لمنظَّمة العمل الإسلامي.

- دورات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية –آل البيت- في عمَّان.

- ندوات هيئة الزكاة المعاصرة في الكويت والمنامة.

- النَّدوات الإسلامية الطِّبية التي تقيمها منظمة العلوم الإسلامية والطِّبية بالكويت.

- أسبوع الفقه الإسلامي في الرِّياض.

أوصافه وأخلاقه:

لقد حبا الله عز وجل الأستاذ الزُّحيلي بسطةً في العلم والجسم، فهو طويل القامة، حنطيُّ اللَّون، خفيف العارضين، سريع المشي والحركة، ذو همَّة عالية.

يمتاز بحسن الخلق وطيب المعاملة، وهو لطيف المعشر، دائم البِشْر، يألف ويُؤلف.

وهو محبٌّ لطلابه وإخوانه،حريصٌ على إفادتهم، نصوحٌ لهم، يؤثر خدمتهم، ويستجيب لدعواتهم، ويشاركهم في مناسباتهم بطيب خاطر.

وهو متواضعٌ في عزَّة، لا يرفعه علمه على الناس كبراً، ولا يضعه تواضعاً، بل هو مهيب محترم، يعرف للآخرين حقَّهم، كما يعرف حقَّ نفسه.

وهو وفيٌّ محبٌّ لأشياخه، لا يذكر أحداً منهم إلا بخير، ويكره التَّعصب المذهبي كرهاً شديداً.

ولعل من أبرز المواهب التي أفاضها الله عز وجل عليه حافظته القوية، وربما أتى إلى مناقشة بعض الرَّسائل الجامعية دون أن يصطحب معه المذكرة، ومع ذلك تراه يبرز محاسنها، ويشير إلى ملاحظاته عليها، ويملي ذلك على المناقش من ذاكرته محدداً له مواقع النَّقد من رسالته.

وقد أوتي من الصَّبر والجلد والمحافظة على الوقت وعدم إضاعته، ما يجعله في ذلك مثلاً يُحتذى.

وهو محبٌّ للسكينة والهدوء، سريع القراءة، ويعزو ذلك إلى صلته المستمرة بالكتاب، فهو لا يكاد يضيع دقيقةً واحدةً من غير قراءةً أو كتابة، وربما أمضى أكثر من ثلثي يومه بين الكتب دون أن يشعر بأدنى ملل.

أما حكمته التي تنتظم بها حياته فهي قول الله عز وجل: {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282]، ويقول في ذلك: "إن سرَّ النَّجاح في الحياة إحسان الصِّلة بالله عز وجل".

وأختم بذكر شهادة أحد أساتذته فيه، يقول الأستاذ الشيخ صادق حبنَّكة رحمه الله تعالى: "إن الشيخ وهبة الزُّحيلي –حفظه الله وزاده بالشُّكر من خير ما أعطاه- له في قلبي مكانة مكينة ملَّكه إياها –وهو أحقُّ بها- تواضعه بلا مذلة، واستقامته بغير انحراف، ودأبه على العلم الناصح والعمل الصَّالح، وما عملت يداه من الكتب المجيدة في المواضيع المفيدة".

مع فضيلة العلامة الفقيه الأصولي الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى
في مؤتمر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في 20/10/2008

تعريف بمؤلَّفاته:

يُعدُّ الأستاذ الدكتور وهبة الزُّحيلي من أغزر المعاصرين تأليفاً وأكثرهم إنتاجاً فكرياً، وهو يَعُد العمل بالتَّأليف بقصد نفع الآخرين وتبصيرهم بحقائق دينهم ودعوتهم إلى دين الله من آكد الواجبات، وأهم العبادات بعد أداء ما افترضه المولى عز وجلَّ.

وقد بلغت كتبه وبحوثه ومقالاته نحواً من خمس مئة، وله موقع على الشابكة يجيب فيه عن مختلف الأسئلة من بلدان العالم.

وأهمُّ مؤلفاته وآثاره:

أ- في مجال التأليف العلمي المتخصص:

للمترجَم في هذا الميدان إلى الآن أكثر من ثلاثين ومئة كتابٍ ورسالةٍ ظهرت إلى عالم الطِّباعة، أهمها:

1- آثار الحرب في الفقه الإسلامي.

2- الفقه الإسلامي وأدلته.

3- نظرية الضَّرورة الشَّرعية؛ دراسة مقارنة.

4- التَّفسير المنير في العقيدة والشَّريعة والمنهج.

5- التَّفسير الوجيز.

6- التَّفسير الوسيط.

7- الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد.

8- أصول الفقه الإسلامي.

9- الذَّرائع في السِّياسة الشَّرعية،والفقه الإسلامي.

10- العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث.

11- نظرية الضَّمان أو (حكم المسؤولية المدنية والجنائية) في الفقه الإسلامي.

12- نظام الإسلام - ثلاثة أقسام (نظام العقيدة، نظام الحكم والعلاقات الدولية، مشكلات العالم الإسلامي المعاصر).

ب- بعض البحوث التي تقدم بها إلى المؤتمرات الدولية والندوات العلمية والفكرية:

1- أثر الباعث والنية في العقود والفسوخ والتروك.

2- إسقاط الدين عن الزكاة.

3- إقليمية الشريعة والقضاء في ديار الإسلام.

4- أهمية الحفاظ على الحكومة الإسلامية.

5- زكاة الأسهم في الشركات.

6- السُّوق المالية.

7- الضرورة والحاجة وأثرهما في الأحكام الشَّرعية.

8- فلسفة العقوبة في الإسلام.

9- المصلحة المرسلة.

10- مصرف الزكاة.

11- نظام التوبة وأثرها في إسقاط العقوبات.& nbsp;

جـ - المقالات:

ناف عددُ المقالات التي نشرت للمترجم على المئة، معظمها توزَّع على ثلاث مجلاتٍ هي:

1- مجلَّة حضارة الإسلام الدِّمشقية، ونشرت للأستاذ ما بين سنتي 1963م – 1968م.

2- مجلَّة الوعي الإسلامي الكويتية، ونشرت للأستاذ ما بين سنتي 1966 م – 1981م.

3- مجلَّة نهج الإسلام الدِّمشقية، وتنشر للأستاذ منذ سنة 1981م وحتى الآن.

وفاته: 

توفي بدمشق يوم السبت 23 من شوال 1436هـ الموافق 8 من آب 2015 م عن 85 عاما هجريا رحمه الله تعالى وجزاه عن العلم والمسلمين خيرا . 

رثاؤه:

قال العلامة القرضاوي في رثاء صديقه الدكتور وهبة الزحيلي : " استقبلنا بأشجان القلوب، وعبرات الأعين، ثم رضا الأنفس بقضاء الله وقدره، يوم السبت الماضي 23 من شوال 1436ه الموافق 8 من أغسطس 2015 م نبأ وفاة أخينا العلامة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي المفسر الفقيه الأصولي، أحد أبرز علماء السنة في الشام، ومؤلف كتاب ( الفقه الإسلامي وأدلته)، عن عمر ناهز الـ 83 عامًا، قضاها في العلم والتعليم والبحث والتأليف، والتدريس في عددٍ من الجامعات العربية، واشتهر بكتبه العلمية في مجال الفقه الإسلامي وأصوله، والتفسير، كما وقف في وجه الفرق المنحرفة، والمذاهب الضالة، وكشف مخططاتهم، وأبطل شبهاتهم.

عرفته وعرفت عددا من إخوانه وزملائه وشيوخه، ممن درسوا في مصر، وتتلمذوا على أساتذتها في الأزهر ودار العلوم، كالشيخ السباعي، وأبي غدة، والشيخ محمد أديب الصالح، والشيخ عدنان زرزور، والشيخ عبد الرحمن الصابوني، والشيخ عبد الستار أبو غدة، وغيرهم.

تميز الدكتور وهبة الزحيلي، بتمكنه من الفقه الإسلامي دون غلو ولا تقصير، إذ كان يعرض لآراء الفقهاء المختلفة، ويوازن بينها حسب الأدلة، ويرجح ما يراه أرجح منها حسب موازينه، وهو غير متعصب لمذهب أو مدرسة؛ بل يحرص على أن يتبع الطريق الوسط، أو المنهج الوسطي. وقد تتلمذ في سورية على عدد من أعلام هذا المنهج الذين عرفوا به، ونسبوا إليه، أمثال الأستاذ الكبير مصطفى الزرقا، والأستاذ الدكتور الداعية الأول: مصطفى السباعي، والأستاذ الدكتور السياسي الأول: معروف الدواليبي أستاذ الأصول.

عاش الشيخ وهبة للعلم والاطلاع والكتابة في حياته كلها. وربما استكثر الناس ما صدر عنه من مؤلفات، ولكن من تفرغ للعلم، وانقطع لخدمته، صدر منه كل عجب. ومن أوائل ما ألفه كتابه ( آثار الحرب في الإسلام) وقد انتهى فيه إلى آراء جيدة، نقلها من كتب فقهنا الإسلامي الواسع، تدل على أنه بدأ مبكرا يفرق بين ما تحتاج إليه الأمة وما لا تحتاج إليه، فكان له اختيارات جيدة، نقلناها عنه في كتابنا "فقه الجهاد".

وقد اختار الإخوة من العلماء في العالم الإسلامي أخانا الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي معنا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضوا في الاتحاد، ممثلا لسوريا، ولكن الشيخ بحكم ظروفه، وبحكم وضعه، وحاجته إلى الاستئذان للسفر، وصعوبة ذلك، جعلته يكتب إليَّ معتذرا، عن الاشتراك في العضوية، مع عدم قدرته على المساهمة، ولو مرة واحدة. وقد اضطررنا أن نقبل معذرته، مقدرين ظروفه.

عمل رحمه الله في العديد من الجامعات العربية والإسلامية: في جامعة دمشق، وجامعة محمد بن علي السنوسي بمدينة البيضاء في ليبيا، وكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات، وجامعة الخرطوم، وجامعة أم درمان الإسلامية. كما أعير إلى قطر والكويت للدروس الرمضانية.

حاولت جماعة الأسد النصيرية والبعثية أن تجعله من أذنابها: يسير في ركابها، ويجري وراء سرابها، كما نجحت مع علماء آخرين من إخوانه، ولكن الله تعالى عصمه من كيدهم، ونجاه من براثنهم، حتى رحل إلى ربه مرضيا عنه.

وكان الشيخ يشارك كثيرا في مؤتمرات الفكر الإسلامي في الجزائر، التي حرصت عليها، منذ جاء وزيرا للأوقاف الشيخ عبد الرحمن بن شيبان. وكم التقينا في عدد من من البلاد العربية والإسلامية، في ندوات ومؤتمرات علمية وفقهية.

ومما يذكر للرجل كيف وقف في وجه الدكتور محمد علي آذرشب الأستاذ بجامعة طهران ورئيس مركز الدراسات الثقافية الإيرانية- العربية عندما هاجمني في إحدى جلسات مؤتمر الدوحة لحوار المذاهب الإسلامية عام 2007 عندما استعرضت عددا من النقاط التي تعوق التقارب بين السنة والشيعة. فاتهمني الدكتور آذر شب بالتحريض، بدلا عن التهدئة.

عندها استهجن الدكتور وهبة الزحيلي انتقادات آذرشب، مؤكدا أن كلمتي تعبر عن واقع قائم، وحقائق ملموسة".

وأضاف أنني تحدثت عما يجري في الشارع الإسلامي بعيداً عن التطرف والدعوة إلى التعصب المذهبي.

وأكد أنني أدعو إلى استئصال المشكلة من جذورها من خلال الدعوة إلى عدم سبِّ الصحابة، وأن يبتعد بعض رجال الدين الشيعة عن الطعن في أمهات المؤمنين، وتبرئتهن من التهم التي نسبوها إليهن.

رحم الله أخانا الشيخ وهبة الزحيلي رحمة واسعة، وجزاه خيرا على ما قدم لدينه وثقافته وأمته، وعظم الله أجرنا فيه، وألهم أهله ومحبيه جميل الصبر، ورزقهم وافر الأجر، وخلف الأمة فيه خيرا.

يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .

وكتب الدكتور عدنان زرزور كلمات رائعة في رثائه نقتطف منها هذه الكلمات:

لقد عاش الدكتور وهبة حياة طويلة حافلة بالإنتاج العلمي الغزير، وبالدفاع عن دين الله وحرماته في عصر ملتهب مُضْطرب سقط في شبهاته وشهواته - وسيفه وذهبه على حدِّ قول أحمد شوقي - كثير من أدعياء العلم والدين، ومن الصغار والمغفلين.

إن صراحة الدكتور وهبة المعهودة بين أقرانه وزملائه وفي المحافل والندوات، والتي كان يضيق بها بعض الناس بوصفها غير معهودة! تُوجَّت أو بلغت أوجها يوم صدع بكلمة الحق في التشيّع وغيرها في ظروف بالغة الشدَّة والصعوبة... أو حالكة السواد، وأذكر أنني سألته منذ زمن طويل في أحد العواصم الخليجية عن شيخ زميل لنا في جامعة دمشق: ما أخباره؟ فقال لي: إنه وضع قدمه في المنحدر، ولابدَّ أنه بالغٌ قاعه أو نهايته في وقت ليس ببعيد، وقد كان!! أما هو فقد حمد الله تعالى على أنه على حال إن لم يستطع فيها أن يجهر بالحق ، فإنه لن يقول كلمة الباطل بحال ، وقد كان.

ما قابلت الدكتور وهبة مرة إلا كان في عجلة من أمره، وكأنَّ منازعاً ينازعه أو يهيب به أن يمضي إذا فرغ ممَّا هو بشأنه ولا يضيع دقيقة من وقته، وكان يُخيَّل إليَّ أنه يسابق الزمن أو الحياة، أو يخشى أن يسرقه الزمن أو تسبقه الحياة، وكأنه لا وقت لديه للراحة والتأمل، وقد لا أرتاب في أن عنوان حياته كان قول الله تعالى: [فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ(7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8) ]. {الشرح}. فكان إذا فرغ من عمل شرع أو تعب في غيره يرحمه الله تعالى.

وتنظر تتمة كلمته الرائعة هنا

وتنظر :  ثلمة جديدة موت العلامة الزحيلي للاستاذ ياسر مصطفى يوسف هـــنا

المرجـع:

كتاب (وهبة الزحيلي، العالم الفقيه المفسِّر)، تأليف: الدكتور بديع السَّيد اللَّحام، وهو الكتاب رقم (12) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م.

 

تم نشر هذه الترجمة في 2008 وقد أعيد نشرها وتنسيقها اليوم 3/1/2019