كلمات في رثاء الشيخ عدنان السقا (4)

 

كتب الدكتور المهندس عبد القادر الكتاني: 

ببالغ الحزن والأسى والتسليم وبمزيد من التسليم بقضاء الله وقدره ننعي إلى العالمين العربي والإسلامي فقيدنا الغالي وفقيد العلم والعلماء في العالم الإسلامي العالم الداعية المربي المصلح فضيلة الشيخ محمد عدنان السقا الحمصي الشامي الحجازي في تركيا، والذي انتقل لجوار ربه الكريم في مدينة اسطنبول بعد ظهر يوم السبت /٢٥/جمادى الأولى /١٤٤٢ الموافق ٩/كانون الثاني -يناير- /٢٠٢١ 

إثر معاناة مع المرض، وذلك عن عمر ناهز الثمانين، قضاها بتوفيق الله وفضله في التعليم والدعوة والسعي في حوائج الناس والإصلاح بينهم وترغيب الشباب والصغار والكبار ليستنشقوا عبير رسالة الإسلام فكان وقع هذا النبأ صاعقاً وأليما على قلوبنا وقلوب أهلنا وأهل العلم والعلماء وتلاميذهم وأنصارهم ، لما يتمتع به رحمه الله من مكارم الأخلاق النبيلة يحبه كل من عرفه نقي القلب طاهر النفس سليم الصدر، كان زميلاً عزيزاً جليلاً نادر المثال شاركنا التدريس بجامعة الفتح الإسلامي في دمشق الشام، يبذل كل ما يستطيع لوحدة الصف وجمع الكلمة، يفيض حكمة وحلماً، عزيز النفس شامخا بالحق ينطبق عليه قول البارئ عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. ونحن نرجو الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا الغالي بواسع رحمته ويجعله في أعلى مراتب الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وأن يسبل عليه شآبيب رحمته تنفيذا للوعد الإلهي الوارد في قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } ونشهد بأنه كان ممن أطاع الله والرسول ونشر العلم النبوي والفضيلة والتقوى والحكمة في بلاد الإسلام، وأن يلهمنا وجميع أهله وأحبابه وطلابه الصبر والسلوان، وأن يعوض الأمة الإسلامية خيراً، آملين أن يشملنا جميعاً قول البارئ عزوجل ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) صدق الله العظيم. 

عبد القادر المكي الكتاني الرباط المغرب

وكتب الشيخ الحسن بن علي الكتاني

إنا لله وإنا إليه راجعون

فجعت اليوم بخبر وفاة شيخنا العالم الصالح الرباني أبي فهمي عدنان بن فهمي السقا الحمصي رحمه الله تعالى رحمة واسعة وغفر الله له.

عرفته بمسجد الهدى في مدينة جدة بصوته الجميل وخشوعه في صلاته وخطبه المؤثرة. فتنت بحبه وانا في بداية شبابي فكنت أحرص على الصلاة خلفه وأتأثر بمواعظه المؤثرة. وكنا نصلي التراويح معه فيضج المسجد بالبكاء ونخرج بروح جديدة.

تتلمذ على مشايخ الشام ومنهم سيدنا الجد محمد المنتصر الكتاني رحمه الله وتربى على يد الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله.

فجع بوفاة ابنه صديقنا فهمي رحمه الله شابا في عز الشباب فصبر واحتسب.

وفي سنة 1414 زرت جدة فاستضافني في بيته وكان لوحده إذ سافر أهله للشام في الصيف فكان يصحبني معه اينما ذهب وينيبني عنه في بعض الصلوات عندما يغيب. واجالس ضيوفه من العلماء. فكان كالأب الحاني رقة واخلاقا. وكان ينوه بي امام ضيوفه ويقول: هذا حفيد شيخنا.

ولما زرت جدة بعد محنتي سنة 1433 لقيته في المسجد بعد ان عزل عن الإمامة فعرفني وجعل ينوه بي ويقول: إنني ابتليت في سبيل الله وكلاما مثل هذا.

لم أدرس عليه إلا شيئا من التجويد ولكنني حضرت مواعظه الربانية وتعلمت منه الأخلاق الرفيعة والابتسامة الصادقة والربانية.

وهو ابن عم زوج عمتي الدكتور عاطف السقا حفظه الله.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

رحمك الله شيخنا الحبيب وجعلك صحبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

كتب تلميذه الشيخ الدكتور عبد الجواد حمام: 

بقية المحبين..

علّامة صفاء القلوب وسلامة الود..

آية التواضع الحق.. بلا مجاملة ولا بهرجة..

ابتسامة محبة وإيمان لا تفارق محياه..

ودمعة هطالة عند ذكر الحب في الله وأهله..

قمر من أقمار حمص يودعنا.. وشمس من شموس بلاد الشام والأمة الإسلامية تغيب عنا..

================

من مدرسته في المحبة والتواضع..

كنت أهيئ نفسي وعائلتي للانتقال إلى طرابلس.. والتشرف بالعمل بجامعتها الغراء.. والخبر لم يخرج عن دائرة المعارف القريبة.. فإذا باتصال دولي من جُدَّة.. وإذا صوت شيخنا الحبيب.. فرحاً مسروراً يبارك لي.. ويدعو لي.. ويرفع معنوياتي.. ويأخذ على يدي.. فغمرتني كلماته.. وأزال بردها وصدقها ما كان من تردد وهموم في صدري.. وما زال جرس تلك الحروف والكلمات في أذني.. درساً في تواضع المربين والمعلمين.. ومشعلا في رفع الهمم والتواصي بالحق والتواصل الدائم على الود..

================

وما تزال صورة أخرى منطبعة في ذهني.. صورته رحمه الله.. يتأبط كتابه.. ويتقدم لحلقة العلم.. وهو ابن ستين أو يزيد.. في درس شيخنا صديقه وقرينه أستاذنا الشيخ إسماعيل المجذوب حفظه الله تعالى ونفع به.. بعد صلاة الفجر.. فيجلس الوقت الطويل بين طلبة العلم من طبقة أبنائه وأحفاده.. يستمع ويقرأ ويشارك.. بأدب طالب العلم المحب والمتواضع الحق.. فكان درساً في الأدب فوق درس العلم..

عليك رحمات الله شيخنا الحبيب.. ورفع مقامك في عليين.. وأخلف الله على الأمة الإسلامية مَن يدعون بحالهم قبل قالهم.. وبحبهم قبل علمهم.. وبتواضعهم قبل مناصبهم وشهاداتهم..

دعوة الناس بالحب:

من أجمل ما تتعلمه من الفقيد الشيخ عدنان السقا رحمه الله.. دعوة الناس بالحب.. وخوض الحياة بالحب.. وإدارة المشاكل بالحب.. فلا تكاد تعرف له شانئاً.. ولا تكاد تراه أبغض مسلما.. مع التواضع الحقيقي الجم.. 

ليت أكاديميات الإدارة يعلمون الإدارة بالحب.. والإدارة بالتواضع.. والإدارة بهضم النفس..

رحم الله علماءنا وأخلف على الأمة خيرا..

شيخان جليلان من حمص الحبيبة.. لم أسمع منهما غيبة لشخص قط.. حتى في المجالس الخاصة وفي الأحاديث الشخصية.. حتى لو كانت المسألة تدخل في الجرح والتعديل (كما يبرر ذلك بعض طلبة العلم).. وإنما تسمع منهما عدم الرضى عن الخطأ من دون إساءة.. والإشفاق البالغ على صاحبه.. والمبادرة للنصيحة بما أمكن.. وطلب الدعاء لمن يُظَنُّ به الخطأ.. 

هما شيخاي الحبيبان.. 

فضيلة الشيخ إسماعيل المجذوب حفظه الله تعالى وعمم النفع به.. 

وفضيلة الشيخ عدنان السقا رحمة الله رحمة واسعة.. 

نِعْمَ الشيخان العالمان.. تَخرَّجا على علماء حمص من أهل الصلاح والتقوى كما نحسبهم ... 

================

على النقيض تكثر في بعض مجالس طلبة العلم وأحاديثهم الخاصة الوقوع في الغيبة.. وبتبريرات شرعية كما يسوغونها.. كالنصيحة والجرح والتعديل وبيان الحق.. وهذا كله من تلبيسات إبليس.. نسأل الله العافية..

هنيئا لمن سَلِمَ قلبه ولسانه من أعراض إخوانه.. وخَرَج من الدنيا سليم الصدر.. وأَعْظِمْ بها من خصلة.. نسأل الله أن يحققنا بها.

الحلقة الثالثة هـــنا