قصص الشيخ سعيد الطنطاوي عن العلماء وأقواله (2)

1- الشيخ أحمد الحارون وسهيل الخطيب 

- عرفت أن الشيخ سهيل الخطيب ،هو ابن خالة الشيخ سعيد رحمه الله تعالى ،وسمعت منه مراراً أن الشيخ أحمد الحارون أتى إلى الشيخ سهيل الخطيب وقال له :خذني إلى بيتكم ،فاستغرب الشيخ من هذا الطلب لكنه قال له :تفضل يا شيخنا، وحين وصلا إلى باب الدار ،قال له :ادع زوجتك "حورية"- والله أعلم - ولتكلمني من وراء باب الدار ،فامتثل الشيخ سهيل ودخل بيته فجاءت زوجته ووقفت وراء الباب ،فقال لها الشيخ أحمد :أنت حامل وسيأتيك ولد سمِّه "عبد العزيز " فتعجبت هي وزوجها الشيخ سهيل ،ورزقهم الله بعد ذلك بالشيخ عبد العزيز الخطيب المربي المشهور في دمشق ، شفاه الله من أوجاعه وبارك في حلقاته وطلابه ،والظاهر أنه حضر للحج أو العمرة وزار الشيخ سعيد في منزله كما علمت منه في إحدى زياراتي للشيخ .

2-الأستاذ أحمد ذو الغنى:

أخبرني صباح يوم السبت، العاشر من شهر ربيع الثاني سنة 1425هـ،في بيته بعد أن أوصلته بالسيارة من مسجد فقيه، أنه استأذن عميد كلية العلوم، لكي يأتي بزميل له يحبه كثيراً - اسمه أحمد ذو الغنى، من حي الميدان ،ليقدم الامتحان ،لأن موعد الامتحان تغير وأحمد صاحبه لا يعلم بذلك ،وقال للعميد :إن تأخرت فسجلوني غائباً عن الامتحان،فرضي العميد،واستقل الشيخ سيارة أجرة إلى الميدان وهو لايعرف بيته ،فرأى أحمد في الشارع العام معه خبز اشتراه لأهله ويسير بالقبقاب-المشهور -،فصاح به الشيخ وجذبه إلى السيارة ومعه الخبز ،ورجعا إلى الجامعة وأديا الامتحان ،ونجحا ،وأضاف قائلاً:كنت متردداً بين دخول كلية الآداب وكلية العلوم ،وفضّلت العلوم على الآداب لأنني أستطيع قراءة واستيعاب كل علوم العربية من غير أستاذ،أما العلوم فلابد من الجامعة ولابد من أساتذة مختصة ،وأنشد عدداً من الأبيات التقطت منها البيتين الآتيين:

أنا امرؤ سعي=د لأنني بعيد 

عن معهد الآد=اب ومرتع الذئاب

3 - أحمد راتب النفاخ 

أخبرني في 21/5/1421هـ قائلاً :زارني منذ مدة بعض الطلاب من جامعة الملك سعود ،وسألوني عن الأستاذ أحمد راتب النفاخ ،هل له شعر ،فأجبتهم :أعرف له بيتين نظمهما وهو في الصف الثامن الإعدادي ،هما :

لغتي الفصحى وقومي عرب=جلّتِ الفصحى وجلّ العربُ

وسماءُ العزِّ هل تعرفها=إن قومي في عُلاها الشهب ُ

4 - الشيخ أحمد صالح الشامي 

- سمعت منه أمام منزله مساء يوم الجمعة 4/5/1426هـ أنه رأى مفتي مدينة( دوما) الشيخ أحمد صالح الشامي وهو لا يعرفه،قال : من عادتي أنني إذا سمعت بعالم كنت أذهب إليه ،فتوجهت إلى الشيخ أحمد صالح الشامي واستقبلني وأجلسني في صدر الغرفة الكبيرة الواسعة ثم أحضر الشيخ أحمد كرسياً وجلس أمامي كأنه تلميذ لتواضعه ، وتعجب الشيخ سعيد كثيراً من أدب هذا الرجل ،وأضاف قائلاً: تناولنا أحاديث كثيرة، ومن عجائب هذا الرجل أنه حين يريد تقديم الضيافة يرجع من غير أن يدير ظهره للضيف مثله مثل الذين يودّعون الكعبة ، هذا رجل عالم صالح لم أر مثل أدبه .

5- الأستاذ جودت سعيد

- سمعت منه بعد صلاة العشاء5/3/1427هـ،أنه بعد انتهائه من الدرس في مسجد عفيف في دمشق –على ما أذكر-حيث كان يدرّس كتاب رياض الصالحين ،رأى الأستاذ جودت سعيد عند الباب ، فتوجه الشيخ إليه،فلما أحسَّ الأستاذ جودت به،أسرع إليه للقائه،وتوطدت العلاقة بينهما كثيراً.

وأضاف قائلاً:كنت في تدريسي لاأقتصر على الحديث فقط،بل كنت أطوف وأجول في قضايا كثيرة،وكان الدرس يغص بالحضور وأكثرهم من طلاب الجامعة .وقد رأيت -أنا كاتب هذه السطور - الأستاذ جودت سعيد عند الشيخ مروان حديد ،في غرفة مسجد الشيخ مروان في حي البارودية.

وفي زيارة أخرى للشيخ سعيد مساء يوم الأربعاء الموافق للواحد من ربيع الأول،سنة 1433هـ، حدثني أنه خرج مع جماعة التبليغ إلى العراق ومعهم جودت سعيد ، وشرط على الجماعة أن لايتقيد بهم ،فوافقوا على طلبه ،وأضاف لقد اختلفت مع الأستاذ جودت حول قوله تعالى" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) واستمر النقاش بينهما – كما قال - من بغداد إلى البصرة، ولم يشرح لي سرَّ الخلاف ، وأخبرني الأخ نور الدين عدي أنه في هذه الرحلة البغدادية نظم قصيدة منها :

أنا في الغربةِ أبكي=ما بكتْ عينُ غريبِ 

لم أكن يومَ فراقي=لبلادي بمصيبي 

عجباً لي ولتركي=بلداً فيه حبيبي 

رحمه الله وأسعده، كان يثني على هذه الجماعة لكنهم حرفيون جداً كما يقول.

6 - الشيخ بكري العطار 

-لاتخلو جلسات الشيخ من النكت الطريفة التي تدخل السرور على القلوب ،وتشيع الحبور في النفوس ،أخبرني بعد صلاة ظهر يوم الخميس 28/2/1426هـ وكان صائماً كعادته – أن الشيخ بكري العطار وهو من المشايخ المعروفين المرموقين في دمشق، كان يؤم الناس في الصلاة في مسجد بني أمية الكبير ،وحين أنهى قراءة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين )صاح رجل يعتقد الناس فيه الولاية ،اسمه عابدين بأعلى صوته : يُقصُف عمرك – يُقصد بها الدعاء عليه بالموت العاجل السريع - يا بكري العطار، فأمَّنَ الناس على كلامه بقولهم :آمين، وبصوت عالٍ طبعاً، وحين انتهى الشيخ بكري من الصلاة انفتل ونظر إلى الناس ووجهه متغير جداً، فما لبث غير يسير، فإذ به يموت بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أيام – والشك مني – وأضاف الشيخ السعيد قائلا: والشيخ عصام العطار من عائلة هذا الشيخ ،وهي أسرة عريقة في الشام أنجبت عدداً من العلماء ،أصلها من العراق ،وقد ساق الشيخ هذه القصة رداً على سؤالي إياه عن بعض من يزعمون الكشف والولاية، وبعد الانتهاء من هذه القصة الطريفة قال : هؤلاء في التاريخ كثيرون والعلماء أكثرهم لا ينكرون عليهم هذا بل يسألونهم الدعاء ،فليس في ذمهم أو مدحهم فائدة ،والعامة عموماً تعتقد بهؤلاء، ثم قال : مثل هذا ما نجده في كتب التفسير التي يقال :إنها إسرائيليات، بعض العلماء المتشددين يتركون هذه التفاسير بحجة أن فيها إسرائيليات وآخرون يأخذون منها على أن هذه الإسرائيليات لا تؤثر على أساس الدين فهي لا تقدم ولا تؤخر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال (( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج لا تصدقوهم ولا تكذبوهم))

7- الشيخ حسن حبنكه رحمه الله:

زرته مع الأخ نور الدين عدي مساء الأحد 16/3/1437هـ،في جدة ،فرأيته فاقد البصر تماماً ،هزيل الجسم ،لكنه حاد العقل ،قوي العزيمة حاضر البديهة ،حدثناه عن أخبار الأولاد طالبين منه الدعاء لهم ،وانتقل الحديث عن الشيخ حسن حبنكه رحمه الله رحمة واسعة ،قال الشيخ :هل تعرفون اسم أبيه :قلنا :لا:قال اسمه :مرزوق ،وأصلهم من مدينة حماة ،وحين جاء أبو الحسن الندوي إلى دمشق ،لفت انتباهه لفظة حبنكة،فقال على سبيل المزاح كنت أظنه "هبنَّقة"-أي يزيد بن ثروان يُضرب به المثل في الحمق ،يقولون: أحمق من هبنّقة" ،وأضاف الشيخ قائلاً :اشترى الشيخ حسن قطعة أرض في قرية بلس بالقرب من دمشق ،وكنت أخرج مع ابنه الشيخ عبد الرحمن إليها ونقضي الساعات الجميلة هناك ،ثم طلبت منه الدعاء لأهل سورية خاصة والمسلمين عامة ،فكرر البيت الذي ينشده كثيراً 

ليت شعري مَنْ على الشام دعا=بدعاء صادق قد سُمعا 

وقلت له :ياشيخي وقت الأزمات تحتاج الأمة إلى الدعاء، فقال :

كيف نرجو إجابةً لدعاء=قد سددنا أبوابها بالذنوب 

-أخبرته مرة أنني سمعت من الشيخ مروان حديد حين كان مختبئاً في دمشق أنه اتصل بالشيخ حسن حبنكة للتنسيق معه فأرسل إليه الشيخ حسن أنْ يا مروان العاصفة قوية و شديدة جداً، ولا مانع في مثل هذه الحال من التوقف عن أي عمل قد يعود بالمضرة ،وسبب إخبارنا بذلك هو أن بعض الإخوة من جماعة مروان اقترحوا على الشيخ مروان الاتصال بمشايخ الشام لتكون هناك ثورة عامة شاملة في كل سورية ،ولا أعلم هل اتصل الشيخ مروان بغيره من علماء ومشايخ الشام ،لاأعرف .

8- الدكتور حسن هيتو 

أخبرني في 21/5/1421هـ،أن مجموعة من الشبان الكويتيين القادمين للعمرة ،طرقوا باب بيته الساعة العاشرة مساء ،وكان يعاني من الحمى التي لاتكاد تفارقه منذ صغره ،ولذا كان يتمثل دائماً قصيدة المتنبي المشهورة المعروفة ،ويقول مكرراً:وباتت في عظامي ،قال :استقبلتهم ،وإذ هم من طلاب الدكتور حسن هيتو العالم المشهور ،المتخصص في أصول الفقه ،قال :ليتني كنت شاباً لأدعوهم إلى المزدلفة أو عرفات لتناول طعام العشاء ،لقد قدمت لهم من الطعام ما وجدته في بيتي ،وقلت له :الكل يعذرك .وأثنى على الدكتور حسن كثيراً، ولم أعد أذكر جمله وعباراته في مدح الدكتور حسن هيتو .

9- الأستاذ الدكتور حمزة الفعر ،عالم أصولي مشهور من أعلام جامعة أم القرى ،قال لي مرة بعد صلاة العصر في مسجد الفرقان في حي العوالي :ماأخبار الشيخ سعيد ؟فأخبرته عن شؤونه وأحواله الصحية ،قال :هذا الرجل كنزٌ لم نستفد منه ،كان يجب علينا في الجامعة أن نستفيد منه أكثر مما أفدنا ،قلت له: سبحان الله والله إن الدكتور راشد الراجح قال لي مثل ما قلت ،ثم قال لي :سأرسل لك قصيدة قالها في معهد البحث العلمي ،ومضت سنة كاملة لم يرسل لي القصيدة لكني في زياراتي للشيخ سعيد كنت أبلغه تحيات الدكتور حمزة ،فقال لي :بلّغه تحياتي هذا رجل فاضل ،ومنذ شهر أرسل لي –حفظه الله ورعاه – الأبيات التي عنده وهي بخط يد الشيخ سعيد – رحمه الله - ، جميلة في سبكها ،أنيقة في معانيها ، تدل على سليقته اللغوية الراقية ،أتى فيها على ذكر ومدح بعض الإخوة الذين كانوا يعملون في المعهد ، منهم الدكتور رويعي المطرفي والدكتور منير الغضبان ثم خص الدكتور حمزة فيها بأبيات تدل على منزلته عند الشيخ ،ومكانته العلمية المشهورة منها :

بمعهدِ البحث ترى فتيةً=قد حملوا العلمَ على ثِقلِه 

منهم رُويعي أتى حاملاً=فقهَ أبي حفص على رحلِه 

وقد مضى في بحثه مسرعا=وبعضُهم سار على مهلِه 

وذا منير كاتبٌ حاسبٌ =كمبيوتر ينمُّ عن فضلِه 

فبحثه في كتبه شعلة =وشغله بالبحث في حقلِه 

وحمزة الفعر ومَنْ مِثلُه=في فضله الوافي وفي نُبلِه 

وليس بِدْعاً مثلُ أخلاقه منه=وممن كان في شكلِه 

فإنه من عنصر طيبٍ=ويرجعُ الفرعُ إلى أصله 

وكتب الشيخ سعيد رحمه الله تحت هذا البيت :وهي طويلة اجتزأنا منها بهذا القدر.

10 - الشيخ رفيق السباعي وصلاح الدين الزعيم 

في شهر المحرم ، سنة 1422هـ ،زرته فحدثني عن شيخين دمشقيين يحبهما كثيراً ،الأول هو الشيخ رفيق السباعي والثاني هو صلاح الدين الزعيم ،أما الأول فكان آية في الفصاحة ويعتقد أن اللغة العربية هي لغة مقدسة،وإذا رأى ورقة على الأرض فيها كتابة باللغة العربية يلتقطها ثم يحرقها،وعلبة الكبريت دائماً معه في جيبه، وأما الثاني فكان من المشهورين بشجاعته ،يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم ،وكان يحب السياحة ،يسيح في قرى دمشق حتى يصل إلى قرى لبنانية،قال :كنت أخرج معه في تلك السياحات ،ومن أخباره أن أحد سائقي عربات البغال له شوارب طويلة وعضلات مفتولة ،ضرب بسوطه بغله ،ونطق بكلمة الكفر ،فزجره الشيخ الطاعن بالسن،فاستهزأ"العربجي"بالشيخ وأعاد لفظة الكفر مرة ثانية نكاية بالشيخ ،فضربه الشيخ ،ضربة قوية سريعة أدت إلى سقوط "العربجي"على الأرض ،من غير أن يشعركيف وصل الشيخ إليه وقام بضربه هذه الضربة الشديدة،ثم تأوه الشيخ سعيد حفظه الله واغرورقت عيناه بالدمع ،وأنشد :

ذهبَ الذين يُعاشُ في أكنافهم=وبقيت ُ في خلْف كجلد الأجرب ِ

11 - معالي الأستاذ الدكتور راشد الراجح ،

مدير جامعة أم القرى سابقاً،عالم مشهور ،تقي نقي ذو ذكاء حاد لماح ،وأفضاله على طلاب العلم والعلماء لاتُعدُّ ولا تحصى ، اختار الشيخ سعيداً مستشاراً ثقافياً له ،ومنذ ثلاث سنوات سكنت في حي العوالي فصرت أصلي في مسجده القريب من بيتي وبيته ، وفي مسجده هذا تعارفنا،وتوثقت الصلة بيننا في مسجده هذا، سألني مرة عن الشيخ سعيد ،هل تعرفه ؟ قلت له :نعم ورحت أخبره عن أحواله وشؤونه ،وصارأحياناً ينتظرني عند الباب لأخبره عن الشيخ سعيد وأطمئنه ،نبلٌ ومروءةٌ وشهامةٌ ، وفي يوم من الأيام أخبرت الدكتور راشد بأحوال الشيخ ،ثم قال لي :سأكتب له رسالة،وأنا في شوق إليه ،إنه رجل من خيارالعلماء الصالحين ،ولو بقيت في الجامعة ما تركته أبداً ،وقال لي في لقاء آخر ومعي الدكتور عوض الجميعي :هذا الرجل كنز – أو جوهرة – كان يجب أن نستفيد منه كثيراً ،لقد دخل عليَّ فرأيته أعجوبة ،وأمرت مباشرة بتوظيفه في الجامعة مستشاراً ثقافياً. وقال لي مرة أخرى :إن الشيخ سعيد أخي وصاحبي ورفيقي ،وكنت دائماً أتمنى أن يجلس عندي في المكتب .

وقال لي مرة :قل للشيخ :أخوك راشد يسلّم عليك ،ويرغب في زيارتك ، قلت له :سأبلغه ، ثم قال : الشيخ سعيد حيي جداً ربما لا يرغب أن يراه أحد ،قلت له :نعم والله ،قال لكن أنا في شوق إليه ،نذهب معاً ولا نطيل الزيارة ،وحين بلغت الشيخ سعيد ،قال :أقرئه السلام وقل له الشيخ في شوق إليكم لاتنسوه من الدعاء . وسبحان الله لم تتم هذه الزيارة لأن الشيخ راشد ثقلت عليه الأمراض واشتدت .

وفي مساء يوم الأربعاء 13/5/1439هـ علمت من الأخ نور الدين عدي أن الشيخ تدهورت حالته الصحية ،وتم نقله إلى مستشفى سليمان فقيه لإجراء فحوصات طبية،فتوجهت إلى المستشفى وزرته في غرفته ،وأمسكت يده وقبلتها بحرارة ومحبة إكباراً فبش ورحب أحسن ترحيب ،ومن عادتي أنني في مثل هذه الحالة أحدث الشيخ بما يُدخل السرور على قلبه ،فأبلغته تحيات الدكتور حمزة الفعر – الأستاذ في كلية الشريعة -،فأثنى الشيخ عليه دينه وعلمه وخلقه ، ثم بلغته تحيات عدد من الإخوة الذين كانوا يسكنون معه في السكن الجامعي في العزيزية كالدكتور صالح الزهراني والدكتور إبراهيم الغامدي والدكتور إبراهيم السهلي والدكتور محمد الدغريري قال لي بلغهم سلامي وشكري ثم قال: ما أخبار الدكتور راشد ، قلت له :يسلّم عليك وهو في شوق إليكم ، وهو الآن مريض جداً جداً لا يخرج من بيته نتيجة مرض ألم به ،لقد أوصى الأطباء ببقائه في البيت بعيداً عن الناس ، فتأثر الشيخ تأثراً شديداً قلت له: الظاهر أنه يعاني من "الزهايمر"،وأضفت قائلاً : ياشيخي هنيئاً لك ما أكثر المحبين لكم ،لقد أثنى عليكم الدكتور راشد الراجح حين كنا نصلي معاً قبل مرضه ،قال لي :إن الشيخ سعيد أخي، وهو جوهرة لم نستفد منها في جامعة أم القرى، وهذه العبارة سمعتها أيضاً من الدكتور حمزة الفعر – حفظه الله ورعاه - بعد سؤاله عنكم أيضاً ، فسبحان الله لقد اتفقت الآراء في ذلك ،سمع الشيخ سعيد مني ذلك ولم يعلق كعادته ،وحين غادرت طلبت منه الدعاء لنا وللشيخ راشد خاصة . 

12- الأستاذ سعيد الأفغاني 

كان رحمه الله تعالى محباً لأستاذه الشيخ سعيد الأفغاني- فرحه الله في دار إقامته - وكان الشيخ الأفغاني حين استقر في مكة يزوره كثيرا مع صهره الدكتور الفاضل فواز الفقير حفظه الله ،ومما ذكره لي عن الشيخ الأفغاني أنه تأخر في الزواج لأن له أختاً كان يرعاها فبعد أن تزوجت وأنجبت البنين واطمأن إلى استقرار حياتها ،تزوج وأنجب "بشرى" زوج الدكتور فواز _ رحمها الله تعالى - ،وليتني سجلت كل ما سمعت منه عن الشيخ الأفغاني رحم الله الجميع ومما أذكره أنه قال لي :عظمة الأفغاني تتجلى في لفظة الأفغاني أي أنه شيخ العربية في الشام وأصله ليس عربيا ،فهو من كشمير الإسلامية ،والشيخ الأفغاني أستاذ الشيخ سعيد رحمهما الله تعالى في دمشق ،وعتب عليَّ لتأخري في زيارته ،ثم تمت الزيارة وقضينا مع الأستاذ الكبير سعيد الأفغاني أجمل الأوقات وأحلى الذكريات ،وأذكر أننا بعد أن شيعناه إلى المعلاة ،نقلت للشيخ سعيد مراسم الدفن ،وحزن عليه حزناً شديداً وأطرق ساكتاً كعادته عند نزول الفواجع بأحبابه ,

أخبرني في 4/12/1429هـ،أن من صفات الشيخ سعيد الأفغاني أنه ينثر الفوائد اللغوية على من يستحقها،قال :كنت صغيراً حين قال لي :أعرب قوله تعالى (انفروا ثبات)وبعد الإعراب سألني عن معنى ثبات ،ثم أنشد بيتاً من الشعر يفيد أن الشيخ ينثر فوائده على من يتوسم فيه الخير، لم أستطع تسجيله.

13- الدكتور سامي الدروبي 

- زرته في جدة مع الأخ نور الدين عدي ليلة الأحد 26/5/1437هـ،فرأيته جالساًعلى الكرسي وقد هزُلَ جسمه ،واشتدت عليه أمراض الشيخوخة ،لكنه حاضر الذهن ،أخبرنا أن الدكتور سامي الدروبي مدرس مادة علم النفس التجريبي في جامعة دمشق ،كان يختبر طلابه بأن يريهم صوراً ،يطلب منهم أن يعبروا عنها ،ووضع يده على صورة كلب ينبح ،سائلاً الشيخ سعيد عن التعبير الذي يمكن أن يعبر عن هذه الصورة (صورة كلب ينبح)،وقبل أن ينهي الدكتور الدروبي سؤاله ،قال الشيخ سعيد :جمال عبد الناصر يخطب ،فارتبك الدكتور كثيراً ،وكان ذلك أيام الوحدة بين سورية ومصر،وبعد أن تناولنا أطراف الأحاديث ،قلت له :ياشيخي بلاد الشام في محنة شديدة ،فالدعاءَ الدعاءَ ،فقال :

كيف نرجو إجابةً لدعاء=قد سددنا أبوابها بالذنوبِ

14 - الشيخ شعيب الأرناؤط

- زرت الشيخ شعيب الأرناؤوط في منزله في حي المدينة الرياضية في عمان،بعد ظهر يوم الأحد الثاني من شهر ذي القعدة ، سنة 1435هـ،وقدمت له قطعة من سكريات النسكافة التي يقدمها الشيخ سعيد لأحبابه ،كان معي قطعتان واحدة للأخ مصطفى العبيسي ،المحب للشيخ سعيد كما أن الشيخ سعيد يحبه وله ذكريات طيبة معه في لبنان ،أرسلتها له عن طريق أحد أقربائه من عائلة المسدي الحموية ،والقطعة الثانية قلت :سأقدمها للشيخ شعيب الأرناؤوط وربما سمعت منه ما يفيد حول الشيخ سعيد،رحب الشيخ شعيب بنا ،ورأيت عنده طالب علم يقرأ على الشيخ جامع الترمذي، قال :كيف أخبار الشيخ ؟ قلت : هو بخير يدعو لكم ،ويأمل منكم الدعاء، لأنه مريض،قال :لي ذكريات كثيرة مع الشيخ في لبنان ،منها أنني سكنت معه ،فكان الشيخ،يربط المنبه على الساعة الثانية مساء لكي يستيقظ ،فكنت أغير موعد الاستيقاظ فأجعلها الساعة الرابعة،فكان الشيخ سعيد ينزعج ،ولا يعلم من هو الذي غير الموعد.

ومنها :أن الناصريين في لبنان عرفوا أن الشيخ يكره عبد الناصر كرهاً شديداً وينقده نقداً لاذعاً،فأضمروا له الكيد ،بل أراد بعضهم أن يغتال الشيخ،والشيخ سعيد لا يعلم بذلك ،فاصطحبته من المنطقة التي كنا فيها ،لأنها ممتلئة بالناصريين ،وسكنا في منطقة الحازمية ،وبقينا على هذا الحال إلى أن تعاقد مع السعودية ،وبعدها لم أره إلا مرة واحدة حين قدمت مكة معتمراً،ثم سألني :من يقوم بخدمته الآن ؟قلت :أنس عدي ابن أحد محبي الشيخ ،قال :منهج الشيخ صعب ،قلت :لكنه لايضر أحداً ،وهو صاحب منهج رباني محمدي لامثيل له اليوم ،فأدرك الشيخ شعيب بأني لاأسمح بنقد الشيخ سعيد ،وقلت له مستأذناً :سعدنا بلقائكم ،وسوف يُسَرُّالشيخ كثيراًحين سأحدثه عنكم وعن أخباركم ،وحاولت الانصراف فلم يأذن وأبى إلا بعد تفكيهي بالفاكهة – رحمه الله -.وحين زرت الشيخ سعيد بعد رجوعي من عمان أبلغته تحيات الشيخ شعيب،فسعد وأثنى عليه ،وقلت له :رأيته ما شاء الله يقرأ في سنن الترمذي من غير نظّارة -ورحمه الله رحمة واسعة 

15- الأستاذ عبد الحكيم عابدين 

أخبرني ليلة الأربعاء في 12/1/1431هـ،أن الشيخ عبد الحكيم عابدين عرض عليه حين كان في بيروت الزواج من فتاة عمرها أربعة عشر سنة ،وأمها ابنة الشهيد حسن البنا ،لكنه رفض قائلاً:هل أتزوج واحدة أنا بمنزلة أبيها ،وقال :إن عبد الحكيم عابدين أقام في لبنان لاعتقاده أن لبنان مكان رباط،وأضاف :وضعت مع الشيخ عبد الحكيم عابدين ، بعض المناهج في المملكة العربية السعودية ،على أن الشيخ من الشام وعابدين من مصر ،فيستفاد من تجربة البلدين،وفي هذه الجلسة أخبرني أيضاً أنه جمع أشعار المدن والبلدات ،وكثيراً من المعجزات والكرامات التي يمكن أن تكون كتاباً ،ثم اشتكى لي في هذه الليلة من الذهول الذي يعتريه في هذه الأيام ،مما يؤدي إلى النسيان ،لاسيما الأسماء ،وقال لي :إني خائف على محفوظاتي ،لذا أحاول الآن أن أتكلم عن كل شيء أعرفه مع أي شخص مهما كان مستواه- ليسترجع ما يظن أنه نسيه- أو سينساه -وقال لي :بعض الناس قد يملون مني ،ولكني أعذر نفسي خوفاً على ماأحفظه ،قلت له ياشيخي :والله إن ذاكرتك أقوى من ذاكرتي لاتخف ولا تفكر بهذا الأمر ،لاأسألك سؤالاً إلا وجوابك حاضر جاهز ، وراح يشجعني على التقاط فوائد من كتب الصوفية.

16 - الشيخ عبد الرحمن فقيه 

- حين سكن الشيخ عند آل العامودي ،اختار الصلاة في مسجد فقيه ،مع وجود مسجد آخر قريب من بيته وهو مسجد الأسود ، ولا أعرف سبب ذلك ،وصار من رواد مسجد فقيه ،وحين ساءت صحته صار رحمه الله بعد الصلاة يتكئ على خزانة المصاحف ليقف أو ليأخذ القرآن الكريم بعد صلاة الفجر ليقرأ فيه ،وفي الجانب الآخر كان الشيخ الفاضل عبد الرحمن فقيه التاجر الصالح الموفق صاحب الخير والفضائل والشمائل التي لاتخفى على أحد ،يقرأ القرآن بعد الفجر دائماً في الجانب الأيمن فكان يرمق الشيخ سعيد من مكانه ، فانتبه إلى معاناة الشيخ سعيد التي باتت ظاهرة لكل من يصلي في المسجد، فأتى إليه ،والشيخ سعيد يقرأ القرآن ،وسلَّم عليه ،وقال له :يا شيخي أنت بحاجة إلى دخول مستشفى لإجراء فحوص لك ،ما رأيك بمستشفى أخي سليمان فقيه في جدة ،قال له الشيخ سعيد :جزاك الله خيراً ،لكن صحتي لا بأس بها ،وأحب أن أعلمك بأن علب المناديل(المحارم) في المسجد عليها رسومات وصور لا تليق أن تكون في المسجد،أرجو منك أن تأمر المسؤول عن ذلك ليغير نوعها ،فتعجب الشيخ كثيراً من هذه اللفتة التي تصدر عن رجل اشتد عليه المرض ،قال له : أبشر ،لكن ما رأيك بالذهاب إلى المستشفى فأبى الشيخ سعيد وقال له :إذا احتاج الأمر فسأبلغك وشكره ،وفي اليوم الثاني رآه الشيخ عبد الرحمن منهَكاً جداً ،وعرض عليه ،سيارة تقله إلى جدة ،وبعد يومين ذهب إلى المستشفى ،واستقبله فريق من الأطباء لأن الشيخ عبد الرحمن فقيه أوصاهم بالشيخ سعيد ،وقام الأطباء ،بإجراء عدد من التحاليل والصور ،وبقي ما يقرب شهرين في المستشفى ،قام الأخ الفاضل عبد الرحمن الحجار بخدمته في المسشفى خدمة لامثيل لها ،وبعد تحسن حالته ،رجع إلى بيته ،ورأيته بعد صلاة الفجر ،وقراءة ورده القرآني ،ينهض ويتجه نحو الشيخ عبد الرحمن فقيه يشكره،وكأنه حاول أن يقبل يده ،عرفاناً ووفاء،حفظ الله الشيخ سعيد ،لقد جمع الفضائل والمناقب ،يرحم الصغير ويعرف شرف الكبير ،ومنذ ذلك الوقت صار يراجع المستشفى في جدة في نهاية كل شهر ،وكنا نتعاون جميعاً لتوصيله إلى المستشفى ،ولم يُرد أن يثقل على الشيخ عبد الرحمن فقيه الذي عرض عليه سيارة مع سائقها لأجل هذه الرحلة،(ألآ إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون )جزى الله الشيخ عبد الرحمن فقيه خيرالجزاء ،وجعل ذلك في صحائف أعماله .

17 - الشيخ عبد العزيز الرفاعي

كنا في زيارة للشيخ رحمه الله فحدثنا عن ن كتاب "الفنون "لابن عقيل الحنبلي ،قال :كتاب عظيم الفوائد ،اشترى لي الشيخ عبد العزيز الرفاعي جزأين منه من الرياض ،وشعرت بتعب الشيخ فودعته طالباً منه الدعاء .

18- الدكتور عبد الكريم اليافي 

- قال :لقد استضفت مرة الدكتور عبد الكريم اليافي إلى مسجد الجامعة ،وقدمت له بمقدمة شعرية رائعة،وسرد لي الشيخ منها أكثر من عشرين بيتاً لم أسجلها .

19 - فؤاد أفرام البستاني وأنطوان صالحاني اليسوعي 

زرته – رحمه الله تعالى - بعد صلاة العشاء مساء يوم الأحد4/3 /1432هـ فكان عنده الأخ أنس عدي وجاره أبو عبد الله الجارود، فمما حدثني به أنه استفاد من كتاب (الروائع )لأفرام البستاني فائدة لا ينساها ،وهي أن كلمة المولى تأتي بمعنى الصاحب وهو يعلم أن أشهر معانيها معنيان هما :السيد والعبد، قال : في هذا الكتاب أورد البستاني قصيدة النابغة التي تتضمن قصة الصيد :

لما رأى واشقٌ إقعاصَ صاحبهِ=ولا سبيلَ إلى عقلٍ ولا قوَدِ

قالت له النفسُ إني لا أرى طمعاً=وإن مولاكَ لم يسلمْ ولم يصِدِ 

فمولاك هنا لا يمكن أن تكون بمعنى السيد ولا بمعنى العبد ،فهي إذاً بمعنى الصاحب ،وأثنى على كتاب "الروائع "- وهو مجموعة بحوث في الأدب العربي ،وأضاف قائلا : ومما استفدت من هؤلاء ما كتبه أنطوان صالحاني اليسوعي في كتابه "رنات المثالث والمثاني من روايات الأغاني "قال : لقد اختار هذا الرجل أحسن ما في الأغاني من الأشعار والروايات الجميلة والمفيدة. 

يتبع

الحلقة السابقة هـــــنا