الشيخ الصالح حامد عسكر الصالح بأقلام محبيه وعارفيه (2)

 

الشيخ حامد رحمه الله ينزح الماء بالدلو من بئر الهجيم الأثرية النبوية بالمدينة المنورة عام ١٤٤٠ هجري

بلغني أمس الأحد 7 من صفر 1441 الموافق 6 تشرين الأول 2019 نبا وفاة الأخ العالم الصالح الزاهد المجاهد الشيح حامد عسكر الصالح، وكنت سمعت بعض أخباره، ولم أسعد بلقائه، وعلمت من محبيه أنه من خواص تلاميذ علامة حمص الشيخ محمود جنيد، وأنه كان مقربا من مشايخ حمص الكبار، ووقفت على مجموعة من الكلمات في رثائه ، ونشرت بعضها أمس ، ونتابع نشر بعض ما وقفت عليه من كلمات ومرثيات، وفي هذه الحلقة ننشر كلمة لأخص تلاميذه هو الأخ الشيخ محمد بلال الأبرش، وأتبعها بكلمة لتلميذ آخر هو الشيخ ماهر علوش، وكلمة ثالثة للأستاذ علاء البيطار، ونرجو أن نقوم بشيء من الوفاء لهذا العالم الصالح المجاهد..

بعض ما أعلمه عن سيدي الشيخ حامد عسكر الصالح رحمه الله تعالى :

بقلم تلميذه: محمد بلال عبد الحكيم الأبرش

ذهب الذين يعاش في أكنافهم .... وبقيت في خَلَف كجلد الأجرب

فَبَرى عظامي بَعدَ لحمي فقدُهم ....والدهرُ إن عاتبت ليس بمعتب

هو العالم الصالح التقي المجاهد الصابر المحتسب ، صاحب قول الحق ، حامد بن عسكر الصالح ..

ولد سنة 1385 للهجرة الموافق 1965 للميلاد .

اصطفى الله سيدي الشيخ لطلب العلم الشرعي في بداية العشرين من عمره .. وأول كتاب قرأه في فترة خدمته الإلزامية كتابُ الأذكار للإمام النووي رحمه الله تعالى ..

وما إن انتهى من خدمته الإلزامية إلا التحق بدرس شيخ حمص الشيخ العلامة محمود جنيد رحمه الله تعالى، ولازمه ملازمة لا نظير لها ... وهذا شأنه مع شيوخه ودروسه .. شديد الملازمة ، شديد الحرص ... ما ترك درس الشيخ محمود جنيد إلا لسفر أو عذر قاهر ... تأثر بهذا الشيخ تأثرا لا مثيل له ... حتى إذا رأيتَه رأيتَ فيه شيخَه الشيخ محمود جنيد بحاله وقاله، بل حتى في جسده الناعم الطري ... سمى ولده الكبير محمودا على اسم شيخه، وسمى ابنته الكبيرة باسم زوجة شيخه حبا وهياما بهذا الشيخ الفذ.

تولى مهمة القراءة على الشيخ محمود جنيد رحمه الله تعالى في تلك الكتب التي لا يفهم عبارتَها إلا الراسخون في العلم .. ولقد كان من شأنه التحضيرُ لتلك الدروس تحضيرا تظنه فيه أنه هو الذي سيلقي ذلك الدرس ...

وكان شأنُ كثيرٍ من إخوانه طلاب العلم آنذاك أن يتركوا الكتاب في جامع الشيخ كامل حيث الدرسُ وذلك خوفا من الأمن الظالم وأحيانا لقلة الحرص ... لكن شيخنا كتابُه بيده لا يفارقه يذهب به ويجيء ... حتى كنتُ معه مرة في رحلة والجميع منشغل بتلك الرحلة إلا هو كان انشغاله بتحضير الدرس واهتمامه في فهم العبارة ...

بعد درس الشيخ محمود رحمه الله وبعد صلاة العشاء كانت العادة أن يذهب الشيخ حامد إلى باب بيت شيخه هو وثلة من إخوانه يُودّعون الشيخ ويوزع لهم السكاكر ليلتقوا به في درس الفجر ...

الكتب التي قرأها على الشيخ محمود جنيد في دروسه : اللباب في شرح الكتاب، ومجمع الأنهر في الفقه الحنفي، والمجلد الأول من طرح التثريب في شرح أحاديث الأحكام ،للعراقي، ومختصر ابن أبي جمرة، وذلك في جامع الشيخ كامل بين المغرب والعشاء ايام السبت والأحد والاثنين والثلاثاء ... وكان يوم الأربعاء مخصصا لتلاوة القرآن الكريم ...

وأما درس الفجر فكان في الفقه الشافعي، وأدركت كتاب حاشية إعانة الطالبين

هذا فيما أذكر من الكتب حسب عمري آنذاك فقد توفي العلامة شيخ حمص محمود جنيد وأنا في الرابعة عشر من عمري، وأكرمني الله تعالى بحضور دروسه وملازمتها وخاصة بين المغرب والعشاء.

وكان للشيخ العلامة محمود درس عام يوم الجمعة بعد صلاتها في أحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في جامع سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه ... وكان شيخي الشيخ حامدٌ لايفارقه ...

توفي العلامة سيدي الشيخ محمود جنيد عام 1993 وكان الوقع كبيرا على طلابه خاصة وأهل حمص عامة، وكانت جنازته مهيبة مشهودة ...

وبعد وفاة الشيخ محمود جنيد وفي عام 1993 تزوج الشيخ حامد بزوجته الوفية المخلصة الصادقة أم محمود التي كانت بركة له في حياته وخير عون له في الهمة في طلب العلم ... بركة له في مهرها، وهكذا يغتنم أهل الفضل ....

وفي أثناء حياة الشيخ محمود جنيد رحمه الله تعالى التحق شيخي بالعلامة الشافعي الصغير القارئ الحافظ أبي السعود مسمار، فقرأ عليه القرآن الكريم ولازمه إلى وفاته رحمه الله تعالى ... وكان الشيخ أبو السعود قوَّالا للحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم، شديد الكره للنصيرية... وتأثر به شيخنا كثيرا في كل شيء حتى إنه اتبعه في العادات فما كان يشرب المتة لأنها عادة النصيرية، وما كان يأكل التين لأن أكثر التين في حمص يجلب من أراضي النصيرية .. وهكذا كان شيخه الشيخ أبو السعود رحمهما الله تعالى ...

ولما توفي الشيخ محمود جنيد رحمه الله تعالى التحق شيخي بركب الفقيه الشافعي النحوي الشيخ أحمد الكعكة تلميذ سيدي الشيخ أبي النصر خلف رحمهم الله تعالى ولازمه إلى وفاته سنة 1998 قرأ عليه في الفقه الشافعي في جامع الصحن بين المغرب والعشاء.. وأما صلاة الجمعة فكانت عند هذا الشيخ في جامع أبي ذر الغفاري رضي الله عنه تلك الخطبة القصيرة الجامعة المانعة، وكانت بعدها الجلسة الطيبة في ذكر الله تعالى ...

وفي هذه الأثناء ومن وفاة علامة حمص الشيخ محمود جنيد، توجهت أنظار طلاب العلم إلى علامتها الشيخ إسماعيل المجذوب حفظه الله تعالى وأطال في عمره مع الصحة والعافية .. وكان شيخه الشيخ أحمد الكعكة يرشد إلى مجالسه النافعة ...

وكان من جملة من توجه إليه الشيخ حامد، وأول درس حضره درس التسهيل في تفسير القرآن الكريم يوم الجمعة بين المغرب والعشاء في جامع المريجة ...

وبعدها وجد الشيخ حامد عند شيخه العلامة إسماعيل مبتغاه فلازمه ملازمة الروح للجسد، وأحبه حبا عجيبا، وتأثر به كثيرا ...

حضر عنده الدروس المتعددة في العلوم المتنوعة ... في الأصول وفقه الشافعية والنحو والتفسير والمصطلح والاحاديث وشروحها ... فممَّا قرأ عليه المجموع للنووي رضي الله عنه تسع مجلدات، ثم مختصره للشيخ إسماعيل حفظه الله تعالى وكذلك منهاج الطالبين .. والرسالة للإمام الشافعي، واللمع للشيرازي ... وطرح التثريب للعراقي ... وإرشاد طلاب الحقائق، ومختصر صحيح البخاري، ومختصر كتاب الإيمان وشرح النووي عليه باختصار شيخنا إسماعيل حفظه الله تعالى ... وكتب غيرها كثيرة طيلة ملازمة طويلة ...

ولما كان مرضه الأخير كلمت سيدي الشيخ إسماعيل المجذوب أن يخصه بدعوة فدعوة الوالد مستجابة وهو بمنزلة والده حدثني فقال : وهل أنساه هو حبيبنا

وبالعبارة قال : لا نقطع رجاءنا من الله ولا دعاءنا لأخ محبته في شغاف قلوبنا ...

لازم شيخي شيخَنا العلامةَ الفقيه الحنفي الأديب المفسر عبد الوكيل صافي رحمه الله تعالى، وكان يقرأ عليه يوم الجمعة بعد الفجر ... قرأ عليه علوما شتى وكتبا متنوعة ولم أوفق في حضور واحد منها ... وكان بعد هذا الدرس يذهب فيزور أهل المقابر ويخص منهم والدته، والشيخ سليم خلف، والشيخ أبا النصر خلف والشيخ أحمد الطوزقلي، وشيخنا محمود جنيد ، ومن ثم الشيخ أحمد الكعكة ، والشيخ ابو السعود رحمهم الله تعالى جميعا رحمة واسعة ...

وحضرت أكثر من مرة مجلس إعراب القرآن الكريم على الشيخ طه الدرة رحمه الله تعالى في مكتبة شيخي ...

أحبه كبار الشيوخ وتوجهت أنظارهم عليه ... واختير ليجلس في غرفة الجامع الكبير ... تلك الغرفة التي جلس فيها كبار شيوخ حمص للإفتاء ...

تأثر بالشيخ رحمه الله طلاب علم كثيرون، وكان لا يفتر من إعطاء الدروس ولا يمل.

حضرت دروسه ولله الحمد، ومما حضرته المنهاج القويم، وفتح الوهاب، وكفاية الأخيار، وكنز الراغبين، وتحفة الطلاب في الفقه الشافعي بعد الفجر في مكتبته المتواضعة في قبو منزله ومن ثم في جامع التقوى ... ورياض الصالحين، والشمائل المحمدية ، والرسول المعلم يوم الجمعة بعد العشاء ..وغيرها ولله الحمد ... وآخرها ولم نكمل ليفارقنا الحبيب إلى ديار الأحبة شرح ابن قاسم الغزي وترغيب المشتاق في مسائل الطلاق في جامع فاطمة في مدينة الباب ...

كما كانت له دروسه الممتعة في الفقه الحنفي وإبداعه المتميز فيه وكانت ملازمتي له في هذه الدروس أقل ...

كما أن له دروسا أخرى ....

وما زالت دروسه قائمة إلى أن أصيب بالإغماء الذي لم يستيقظ منه من حوالي ستة أيام ...

صحبته حضرا وسفرا وتتلمذت عليه .... أكرمني الله تعالى فحججت معه سنة 1998 تلك الحجة التي لا تنسى ... ما ترك سنَّة إلا وأتى بها ... لا يعرف فيه الراحة ... عرفني خلالها رحمه الله تعالى على الشيخ زكريا البخاري، والشيخ محمد الحجار رحمهما الله تعالى

ثم عام 2000 ذهبت معه إلى العمرة في رمضان فتعبنا وما تعب ...

اعتكفت معه أكثر من سنة العشر الأخير من رمضان فما كان يعرف للنوم طعما .... يقوم الليل ويختم القرآن في صلاته أكثر من مرة فترة العشر ...

يصوم يوما ويفطر يوما ... أكله لقيمات يقمن صلبه لا يجلس فيه إلا مفترشا ...

زاهد متعبد، يخشى الله ، ولا يخشى في الله أحدا ...

يقوم في الليل متهجدا ولما يقترب أذان الفجر يجلس قرب الهاتف ليتصل على إخوانه ليوقظهم بقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما ترك الجماعة حتى في أقسى الظروف ... إذا حضرت الصلاة ما يعرف أحدا يترك لذة المجالس ويحافظ على الجماعة ... وأيام القصف في الوعر لربما لا ترى أحدا في الطريق إلا هو ورفيق دربه الشيخ تمام مشارقة متوجهين إلى المسجد ...

محب لأكلة القرعة اليقطين، وأكرمني مرات عديدة في تلبية الدعوة لهذه الأكلة حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ...

في يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له دعوة لإخوانه ويضيفهم الحلوى ويزين بيته حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ...

يحيي ما بين المغرب والعشاء بالعبادة المتنوعة من درس علم أو تلاوة قرآن أو ذكر لله تعالى.

لا يترك صلاة الفجر جماعة ويحيي الوقت إلى صلاة الضحى

وغيره من الخير الكثير الكثير ...

وأما حياته في الثورة فهو من هو ...

فسل حمص الخالدية، وحمص القديمة ، والوعر وريفها والحصار ...

سل أخاه الشهيد البطل أبا علي، وأخاه الشهيد حج حميد ، وابنه الشهيد يحيى، وابن أخيه الشهيد وغيرهم ... رحمهم الله جميعا ...

في حيِّ الوعر أنشأنا رابطة طلاب العلم الأحرار، وكان شيخنا رئيسها، وممن استشهد من أبناء هذه الرابطة : الشيخ صفوان مشارقة ، والشيخ أمين هريسة رحمهما الله تعالى ...

ذاق الحصار في حمص القديمة ، ثم في الوعر، ثم في ريف حمص ...

هاجر في الله إلى أن استقر أخيرا في مدينة الباب ...

تعرف عليه طلاب العلم في هذه المدينة فعرفوا فضله ... حضر بعض الإخوة دروسه وانتفعوا به ...

مرض في آخر ثلاثة أشهر تقريبا ... واستمر به إلى زادت حدته منذ ستة أيام حتى نصاب اليوم على آذان الفجر بخبر موته الجلل ...

حضر جنازته خلق كثير، وفاضت العيون على فراق شيخ ما توقعت أني سأفارقه بهذه السرعة ...

كان وجهه مضيئا وهو مسجى بكفنه وكأنه نائم ...

رحمك الله سيدي الشيخ الحبيب الغالي حامدا ... بلغكم ربنا منازل الشهداء وحشرنا معكم برفقة حبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

توفي سيدي يوم الأحد 7 صفر 1441 الموافق 6 تشرين الأول 2019

ولم أنشر صورته وفاء له رحمه الله تعالى‘ لأنه كان على عهد شيخه الشيخ محمود جنيد رحمهما الله تعالى

وكتبه تلميذه المكلوم محمد بلال عبد الحكيم الأبرش

شيخنا التقي الورع حامد عسكر الصالح

بقلم تلميذه: ماهر علوش

▫ إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها.. بلغني اليوم وفاة شيخنا الفاضل الفقيه المجاهد العابد الزاهد التقي الورع شيخنا الشيخ حامد عسكر الصالح رحمه الله تعالى.. إنَّ العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، وإنا على فراقك يا شيخَنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون..

▫ ربما كثير ممن سمع عن الشيخ حامد رحمه الله تعالى لا يدرك معنى فقده.. ربما لا يدرك معنى فقده إلا من جلس إليه، واستفاد منه، وقرأ على يديه.. وكان قد شرفني الله تعالى بالجلوس إليه قرابة عشر سنوات.. أفدت منه فيها الكثير.. قرأت عليه، راجعت معه مئات المسائل، وقَرَّبَ إليَّ الكثير من كلام أهل العلم، وأرشدني إلى الشوارد والنوادر في بطون الكتب ممَّا لا يصل إليه الطالب بسهولة..

▫ جلست إليه كثيرا في غرفة الفتوى في الجامع الكبير.. وسمعت شيئا كثيرا من فتاواه للناس، وكنت أراه كيف يسمع السؤال، وكيف ينصت إليه، وكيف يستفسر عنه، وكيف يتفطن إلى ما وراءه، وكيف يجيب عنه جواب عارف بالسؤال، متقن للجواب.. فما رأيته خدع في سؤال، وكان إذا رأى في السؤال شيئا ذكر صاحبه بالحديث، "لعل بعضكم"، وبيَّن له أن فتواه لا تحلُّ حراما، ولا تحرِّم حلالا..

▫ صحبته سنوات طويلة.. في الحضر والسفر.. في الحج والعمرة.. في المسجد.. في الشارع.. في البيت.. وفي السوق.. ولا أعرفه إلا صائما قائما.. يصوم يوما ويفطر يوما.. معروف بالذكر وقراءة القرآن، حريص على إفشاء السلام.. لا يترك صلاة الجماعة مهما جاءه من عمل، ولا يدعها فكأنها فرضت عليه، حتى يعرف من أراد الوصول إليه كيف يجده، فالمسجد يكاد يكون بيته وسكنه..

▫ لا يخطأ السنةَ فيه من رآه.. ومن جلس إليه يرى بوضوح شدَّة تمسكه بالسنن والآثار، وسيرَه على نهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم.. فهو متخلق بأخلاقهم، متمسك بعاداتهم، عارف بسيرهم.. يتحرَّى أقوالهم وأفعالهم ما قام أو قعد.. أو نام أو رقد.. تعرف ذلك في طعامه وشرابه وثيابه.. في قلبه رقة ولطف، وفي نفسه تواضع ولين.. ولولا خشية الإطالة لذكرت من مناقبه أكثر من ذلك بكثير..

▫ أتقدم بخالص التعزية لأمتنا وعلمائنا في الشام بوفاة الشيخ رحمه الله تعالى، وأخص بالذكر علماءَ حمص ومشايخَها، وأحثهم على ذكره فمثله لا ينسى.. أعزي أسرةَ الشيخ رحمه الله تعالى.. وجميع أهله، وكل محبيه.. أقول لهم جميعا.. أعظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وغفر لميتكم..

إنا لله وإنا إليه راجعون.

وكتب الأستاذعلاء البيطار :

توفي اليوم في مهجره القسري أحد مشايخ حمص الشيخ حامد عسكر الصالح

رحمه الله .

ولد الشيخ في مدينة حمص عام ١٩٦٥م من أسرة تنتمي إلى قبيلة الفواعرة. 

في بداية شبابه كان مهتماً بالرياضة, فانتسب إلى أحد الأندية الخاصة بكرة القدم

وبعد الخدمة العسكرية أولى اهتمامه كلّه في طلب العلم الشرعي, ليلتزم دروسَ العلامة محمود جنيد, رحمه الله.

وكذلك مشايخ حمص الآخرين, كالأستاذ عبد الوكيل صافي والشيخ إسماعيل المجذوب وغيرهم.

فيما بعد كانت له دروس فقهية في مسجد التقوى بحي الخالدية, وكذلك في مكتبته الخاصة بنفس الحي.

ثم افتتح بجانب المسجد النوري الكبير مكتبةً علمية تحت اسم (الأنصار), وجلس فيها يفتي الناس ..

وقد أصبح مرجعيةً علمية واجتماعية لكل طلاب العلم في حمص.

- عبادته وتواضعه وزهده :

كانت السُنّةُ تظهر عليه في قوله وفعله وجميع أحواله, وكذلك يظهر عليه سَمتُ العلماء وهيبتهم..

اتصف بالزهد وكثرة العبادة, وعاش حياته يصوم يوماً ويفطر يوماً

وقبل الثورة كان يحج كل عام, ويعتمر مرتين, إحداها في العشر الآواخر من رمضان, رغبةً في الاعتكاف في المسجد الحرام.

كان دائم الذكر قليل الكلام, صاحب همة عالية وقوية, يكره التصوير والتصدّرَ في المجالس, يتواضع في لباسه ومأكله, يواظب على صلاة الجماعة ولا يحبّ السهر.

كان حريصاً على دعوة الناس وهدايتهم إلى ربهم, وبالتالي يصبر على أذى الخلق بما لا يثنيه عن هدفه..

انخرط في الثورة منذ بدايتها, وصار مرجعية الثوار..

خرج من حمص القديمة ولم يستطع العودة إليها, فدخل حي الوعر

ونتيجة التهجير الذي فرضته روسيا والنظام, انتقل إلى الريف الشمالي لحمص, ثم أخيراً مدينة الباب بريف حلب الشمالي

وفيها صارت له دروس علمية مشهودة, يحرص عليها طلاب العلم.

في الأيام الأخيرة عانى من بعض الأعراض المرضية, لكن سرعان ما اشتدت عليه, ليدخل في غيبوبة أدت إلى وفاته.

رحمه الله وتقبل جهده وجهاده

وكتب الدكتور الشيخ عبد المنعم زين الدين:

حضرنا جنازته اليوم برفقة الشيخ علي الشحود والشيخ عبد العزيز بكور في مدينة الباب، وكانت جنازة مهيبة ضمت المئات ، وقد زرع له الله القبول والمحبة بين الناس، وكانت كلمات المشايخ وشهاداتهم كلها متفقة على علمه وورعه وزهده وتواضعه.

كما كانت عيون الكثير من الحضور من ريف حمص الذين رافقوه الحصار والتهجير تفيض بالدموع.

منذ مدة لم أر جنازة بهذا الحضور والمهابة، نسأل الله أن تكون دليل قبول له في السماء كما الأرض وأن يغفر له ولكل موتى المسلمين، ويجمعنا به في مستقر رحمته.

الشهيد البطل يحيى حامد عسكر رحمه الله تعالى وتقبله في عباده المقربين

الحلقة السابقة هــنا