كلمات في رثاء العلامة الشيخ محمد نذير حامد (2)

لما بلغني نبأ وفاة أستاذنا العالم المربي الشيخ محمد نذير حامد عن طريق تلميذه الفاضل الشيخ إبراهيم منصور، بادرت لنشر كلمة في رثائه على صفحتي .نشرتها في الحلقة الأول مع كلمة صديقه وتلميذه القديم وحفيد شيخه :الدكتور محمد فاروق النبهان . وننشر اليوم كلمتين لصهره الأول الأستاذ الداعية المربي الشاعر بحيح حاج يحيى، وكلمة أخرى مع قصيدة للداعية الشاعر جميل جانودي.

مجد مكي

كتب صهره الشاعر الأديب يحيى حاج يحيى

إنا لله وإنا إليه راجعون :

توفي ضحى الأربعاء العاشر من جمادى الاولى ١٤٤٠ ، شيخنا وأستاذنا محمد نذير حامد في مدينة حلب عن عمر قارب التسعين عاماً، قضاها في العلم والتعليم والدعوة إلى الله ، وقد تعرفت إليه عام ١٩٧٢ عن طريق عديله أستاذنا الشهيد إبراهيم عاصي - رحمه الله تعالى - الذي خطب لي ابنة الشيخ الكبرى ( زوجتي أم بشر ) فكان أباً رحيماً وأخاً كبيراً وصديقاً ناصحاً ، وقد حمل كثيراً من متاعبي في الثمانينيات ، فاحتضن بناتي الثلاث وأمهن لعامين تقريباً ، بعد إحراق بيوتنا في جسر الشغور ، والتسريح من الوظيفة ، والملاحقة !؟ 

ثم جمعنا الله تعالى بعد ذلك في المدينة المنورة في معاهد الجامعة الإسلامية ، ثم في مدارس الهيئة الملكية بينبع الصناعية ، وقد استقال ولم يبلغ الستين، متفرغاً للعمل في الموسوعة القرآنية التي بلغت ستين مجلداً، ولم يتيسر طبعها بعد ! 

رحم الله شيخنا الجليل عمنا الفاضل أبا بشير، وجزاه الله عنا كل خير، وأنزله منازل الأبرار الأخيار، وجمعنا به في مستقر رحمته، تحت لواء سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ! 

أبو بشر

يحيى حاج يحيى

 وكتب الأستاذ الشاعر جميل جانودي

كلمات في وفاة الشيخ الجليل نذير حامد....

حين كنت في المرحلة المتوسطة والثانوية من دراستي، كنت أسمع من أترابٍ لي كانوا يدرسون في دار المعلمين بحلب، أسمع اسمًا كثيرًا ما يرددونه.. إنه "نذير حامد"، كانوا معجبين به أيما إعجاب، يصفون هيأته وهو يدخل عليهم بهندامه الحسن، ولباسه الأنيق، يصفون دخوله للصف وخروجه منه، يصفون مواقفه من مشكلات العصر، والساعة الراهنة...وكنتُ، كلما تردد على سمعي ذلك، أتوق لرؤية هذا الرجل، ولأنتفع به عن قرب...ولكن الأمل شيء وتحققه شيء آخر...حتى قدَر الله لي أن أحظي بأنس مجالسته، حين نقل لي أخي وصديقي الأستاذ يحيى حاج يحي، وهو صهره، دعوته لي ولأسرتي لتناول طعام الغداء في بيته في المدينة المنورة... فلبيت شاكرًا ليس حبًا بطعام أو شراب لذاتهما ولكن بالداعي لهما...

وما حب الطعام غدا مرامي===ولكن حــــب داعيــني إلـيه

أجالسُه لأسمع منـــــــه درًا=== وأروي النفس من علم لديه

كانت جلسة ماتعة، ومؤنسة، لقيت فيها حفاوةً وتكريمًا، من أستاذ قدير، وشيخ كبير...وما كنت أحسب أنني بعد وداعي له سيبقى ذكري على لسانه وهو يسأل أبا بشر عني بين الفينة والفينة...

أنا لست هنا بمعرض الحديث عن الشيخ...ولكن من أقل ما له عليَّ من حق أن أقول ما قلت، شعرًا أو نثرًا، وأسأل الله أن يكون ذلك قربى لي عنده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

رحم الله الشيخ أبا بشير وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة...

يا فارس الشّهباء يا أملَ الغَـدِ:

يا فارس الشهبــــاء يا أملَ الغــدِ===حـلبٌ بكتك بحــرقـة وتجــــلّدِ

نظرت إلى مصباحها وقد انطفـا===لما قضى فيها نــــذير الحــامدِ

عرفتْه مذْ سبعين عامًا قد مضت===بالعــالِمِ النحرير أو بالعـــابــدِ

عرفتــْه في أرجائـــــها متلمّــسًا===حلقاتِ علمٍ أو رياضَ مساجــدِ

عرفتْه أستاذًا قديــرًا مُخلـــــصًا===بصروحها، وبطاحها والأنْجــد

وبكتْ أريحا ابْنًا لها قـــــد زادها===شرفًا بعلمٍ في الشّريعة رائـــدِ

كان الوفـــــــيّ لأهْـــلها ومحبّهم===يدعو لهم، ويبرهم، بفــــوائــدِ 

حتى إذا حلبٌ تصدّع ســـــورها===وغدت بقبضــة عابثٍ أو حاقدِ

وغدا المُقــام بهــــا مخاطرة ولم===تبق في أمنٍ لهجْــمــة فاســـــدِ

شدّ الرحالَ إلى جـوار المصطفى===أنْــعِمْ بِــه من زائــرٍ أو وافــدِ

يرِدُ المنـــاهل من معين محمـــدٍ===أكْرم بـــه ِمــن منهــلٍ أو وارد

ولمسجدِ المختـار كنْــتَ ملازمًا===في الحر أو في الزمهرير البارد

فصقلتَ روحَك من شذى أطيابه===حتى غــــدتْ أهـــلًا لذكرٍ خـالدِ

وإذا بخــالقــــها دعــــاها قــائلًا===هيـــا هَلُـمّي للإلـه الواحـــــــــدِ

لا يُظلمـــنّ لديــــه قــدرَ قُلامَـة===يا بُؤس منْ قـــد كان عنهُ بشاردِ

فأجبتَه وهــرعت نحــو رحابـِـه===ولديك فيضٌ من جــميل محـامـدِ

يا ربّ قد وافاك عـــبدُك راجـيًا===مستغفرًا فارحــم نـذير الحامــــد

الحلقة الأولى هــنا