العلامة المحقق الشيخ محمود العطار 

(۱۲۸۷ - ۱۳6۳هـ) 

كنت نشرت منذ سنوات ترجمة لشيخ شيوخنا العلامة الكبير الشيخ محمود رشيد العطار الدمشقي في موقع رابطة العلماء السوريين، ثم وقفت بعد ذلك على ترجمة ذاتية موسَّعة، أوردها مجيزنا الشيخ زكريا بيلا الجاوي المكي في كتابه "الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان" 1: 167- 172 لشيخه ومجيزه العلامة محمود العطار، وهي ترجمة ذاتية مأخوذة من خط يده، فسعيتُ لنشرها في موقع الرابطة الذي أشرف عليه، وصحَّحتها ووضعت عناوين جانبية لها، وبهذه الترجمة الذاتيَّة الوافية التي أنشرها وما ألحقت بها مع الترجمة السابقة التي نشرتها، تكتمل بعض ملامح من سيرة هذا العالم الجليل: 

ترجمة العلامة الشيخ محمود العطار منقولة من خطه بيده :

ولادته ونشأته :

(أقول: أنا الفقير إلى رحمة ربه الغفار، محمود بن المرحوم رشيد بن الشيخ محمد العطار، من أهالي دمشق الشام، ولادتي سنة ۱۲۸۷ هـ في دمشق في ثمن القنوات، ونشأت فيها حتى صار عمري ثمان، أو تسع سنين، وضعني والدي في المدرسة حتى ختمت القرآن والكتابة، فلما صار عمري نحو الأحد عشر سنة، أخدت في قراءة مقدمات العربية، والتجويد، والإملاء على الشيخ طاهر الجزائري ، ابن السيد صالح الجزائري الدمشقي المتوفى سنة ۱۳۳۸ بدمشق، مؤلف "توجيه النظر إلى علوم الأثر"، وهو مطبوع بمصر في المطبعة الجمالية سنة ۱۳۲۸ هـ، وغيره.

ثم طلبت العلم على الشيخ محمد الخطابي النابلسي الذي رحل أخيراً إلى الهند وتوفي بها سنة ۱۳۰۰هـ، وكذا على تلميذه الشيخ حسن اللحام بهاء الدين الشامي الذي رحل أيضاً إلى الهند، وسنكفورا [ سنغافورة ]، وحصل له الشهرة العظيمة وعلو القدر والجاه في العلم، والطريق، ثم رجع إلى الشام وتوفي بها سنة ۱۳۰۳ هـ.

سفره للحج وشيوخه بمكة والمدينة:

وسافرت إلى الحج مع أخي الأكبر سنًّا مني، وقد ناهزت الاحتلام والبلوغ، وقد بلغت سنة ۱۳۰۱هـ، وكانت الوقفة يوم الجمعة، وقد اجتمعت بمكة بالشيخ رحمة الله الهندي (وقد توفي يوم الجمعة في ۲۲ من رمضان سنة ۱۳۰۸هـ)، مؤلف "إظهار الحق"، بالمدرسة الصولتية، ودعا لي.

وجئت المدينة المنورة، واجتمعت ببعض العلماء الكبار من هنود وغيرهم : كالعلامة محمد أمين رضوان شيخ "دلائل الخيرات" بالمسجد النبوي المتوفى سنة ۱۳۲۹ هـ، والسيد أحمد ابن السيد إسماعيل البرزنجي مفتي الشافعية بالمدينة، المتوفى بدمشق الشام ليلة الأحد 3 / 4 سنة ۱۳۳۷ هـ، وحضرت دروسهم.

حفظه للقرآن وشيوخه في القراءات: 

ثم بعد سنة شرعت في حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وختمته في مدة سنة أو أقل، وأخذت بتجويده علی شیخ القراء بدمشق الشيخ أحمد الحلواني من أوَّله إلى سورة العنكبوت، ثم حفظت الشاطبية على الغيب، وجمعت القراءات السبعة على المحقّق الشيخ حسن موسی المصري الموظف بدمشق إلى سورة الرعد، وحصل مانع من الإكمال عنده، ثم حفظت الدُّرَّة تكملة القراءات العشرة، وجمعت العشرة من طريق الشاطبي على شیخ قراء زمانه الشيخ عبدالله الحمَوي، وأخذت الإجازة.

ملازمته للشيخ بدر الدين الحسني وعبد الحكيم الأفغاني:

ثم اشتغلت بطلب العلم بجد عند الشيخ بدر الدين، المحدِّث الشهير المعمَّر، المتوفي صباح يوم الجمعة في ۲۷ ربيع الأول سنة 1354هـ بعد (۸۷) سنة كان فيها نوره ساطعاً، لم يضعف فيها شعاعه؛ إذ كان تولده سنة ۱۲6۷ هـ. هكذا عن ترجمة رأيتها ألقيت في حفلة تأبين العلامة المذكور للعلامة الأستاذ عبد الرزاق نجم الدين الحمصي في مؤلفه "المنبر السيَّار"، ج(1)، وهذا كتاب جليل جدًا طبع بنفقة مكتبة إحياء العلوم العربية لصاحبها إسماعيل الصباغ، دمشق: شارع الحميدية، جارة قطنا، 1345هـ، مطبعة الترقي بدمشق ۱۳۵4 هـ، وقرأت عنده من جميع الفنون ما لا أحصيه، ثم قرأت على الشيخ عبدالحكيم الأفغان : الدر المختار فقه حنفي، وشرح المنار للعلائي، والشافية في الصرف، وغيرها . 

قراءاته على شيوخ دمشق : 

وقرأت على الشيخ عبد القادر الأسطواني: "الدر" من أوله إلى كتاب الحج، وشرح المنار .

وقرأت على الشيخ سليم العطار: البيضاوي مع بعض حاشية الخفاجي، وكذا متن البخاري، والجامع الصغير، وشرح البيقونية، وحاشية الأمير على عبد السلام، وغيرها .

وقرأت على أخيه الشيخ محمد العطار: الإظهار، والكافية، والأشموني وغير ذلك.

وقرأت على الشيخ بكري العطار: النحو، والمنطق، وكتاب امتحان الأذكياء للبرکوي، وهو كتاب تحقیق وتدقيق .

وقرأت على الشيخ محمد الخاني: جمع الجوامع، وحاشية الحضري على ابن عقيل، وحواشي السعد على العقائد ، والصبان على الملوي ( منطق ).

وقرأت على الشيخ أحمد الحلبي حفيد الشيخ سعيد الحلبي، وعلى الشيخ نجیب کیوان، ثم قرأت على السيد محمد جعفر الكتاني الجزء الأول من مسند الإمام أحمد، وبعض الثاني، ومع هذا ما قطعت القراءة على الشيخ بدر الدين، والشيخ عبد الحكيم.

واشتغلت في التعلم والتعليم والتدريس في مدرسة دار الحديث، وفي الجامع الأموي قبل أن يحرق، وقد حرق سنة ۱۳۱۱هـ.

رحلاته مع الشيخ بدر الدين الحسني وملازمته له في سفره وحضره: 

وسافرت مع الشيخ بدر الدين إلى بیروت، ويافا، والقدس، والخليل، وكنت ألازمه في سفره وحضره، ثم سافرت معه أيضاً إلى الحجّ من طريق البحر سنة ۱۳۱۸هـ، ورجعت معه من البر، ثم سافرت معه أيضاً إلى الحج سنة ۱۳۳۳ هـ، من طريق البر في سكة الحديد إلى المدينة المنورة، ثم إلى مكة أيام الشريف عون، وكان الشيخ شعيب المغربي يدَّرس في الحرم[ أي:العلامة الشيخ أبو شعيب الدكالي المولود 1295 هـ / 1878م - والمتوفي 1356 هـ / 1937]، واجتمعت مع الأستاذ [ بدر الدين ] بأكابر العلماء مثل : الشيخ أبي بكر شطا، وأمثاله.

وظائفه : 

وقد عيِّنت مفتياً ومدرساً في بلاد الكرك، والطَّفيلة مدة بالامتحان في علوم كثيرة، ثم تركت، وعيِّنت مدرسا رسمياً في مسجد بني أمية.

تدريسه في مدرسة الفلاح بجدة وسفره إلى الهند لإقراء المتخرجين فيها: 

وفي سنة ۱۳۳4 هـ ،قعدت في جُدة مدرساً للصنف العالي قريب سنة، ثم صار الحرب، ثم حَجَجْت مع ولدي محمد وأمه، واجتمعت بمحمد علي زينل منشئ، مدارس الفلاح، فأجبرني أن أقعد بجُدة مدرساً، فقعدت قریب سنة، ثم جئتها أيضاً وقعدت بها، وكنت أقرأ دروسًا خمسة في المدرسة، ودروساً أخرى في المساجد، وللطلبة، ثم طلبني محمد علي إلى الهند ببمبي مع الشيخ أمين سويد لإقراء المتخرجين من مدارس الفلاح عشرين من أهالي مكة وجدة ، منهم: السيد إسحاق عزوز، واللنقا، وجعفر فلمبان، والسيد محمد حسن كتبي، وأخوه السيد، أقرأ لهم البيضاوي ومسلماً، وعلوماً أخرى، قعدت قریب سنة، ثم رجعت إلى الشام ، ثم طلبني أيضاً إلى الهند ببمبي، فجئتها سنة ۱۳۶۷ هـ للتدريس لهؤلاء.

رجوعه للشام وتعيينه مدرسًا وخطيبا ووظائفه: 

ثم رجعت إلى الشام، وعيِّنت مدرساً، وخطيباً في جامع باب المصلى، وما زلت أقرئ الدروس من كل فنّ في المدرسة المذكورة إلى الآن.

ثم عيِّنت عضواً في جمعية العلماء بدمشق، وعضواً في الأوقاف للجنة الامتحان، وعيِّنت قبلها مدرساً للبنات الأيتام، واستعفیت، ثم عُيِّنت مدرساً بالمدرسة الكليَّة الشرعيِّة التي أحدثت من طرف حكومة الشيخ محمد تاج الدين باسم والده بدر الدين سنة ۱۳۵۹ هـ، وحججت -ولله الحمد -مرات كثيرة في أثناء القراءة، وسافرت إلى مصر مرات، وإلى العراق، والبصرة مرتين، وإلى الآن أنا في حجرتی بدار الحديث أقرئ ولله الحمد، وصار لي فيها قرب ستين سنة، وأسأله تعالى أن لا يقطعنا عن العلم والتعليم.

العلماء الذين اجتمع بهم في مصر: 

وقد اجتمعت بمصر بعلماء فحول، وحضرت دروسهم: كالشيخ البحراوي، والشيخ الشربيني، والشيخ الأشموني، والأنبابي، والرافعي، والشيخ محمد بخيت، ونجاتي، وأبو خطوة.

طباعة شرح كنز الدقائق لشيخه الأفغاني: 

وقد طبعت شرح الكنز للشيخ عبد الحكيم الأفغاني بمصر، وقعدت مدة ستة أشهر، واجتمعت بعلماء آخرين ولله الحمد والمن، تحدثاً بنعمة الله تعالی. 

ولي صحبة عميقة مع أحمد بك الحسيني العالم الشهير ذي التآليف المفيدة، وله شرح الأم في عشرين مجلداً.انتهى.

قال مجيزنا الشيخ زكريا بيلا: وقد اجتمعت بالعالم الجليل الشيخ سليمان الداراني المدرس حين قدومه لحجِّ بیت الله الحرام، وكان كثير التردد، وذلك في الأول من ذي الحجة سنة ۱۳۶۳هـ، وسألته عن العلامة الشيخ محمود العطار، فأفادني بأنه قد انتقل إلى جوار ربه في شهر شوال سنة ۱۳6۳ هـ فرحمة الله عليه وأسكنه الجنة ونعيمها.

ترجمة ذاتية أخرى مختصرة: 

قال مجيزنا الشيخ زكريا بيلا: وهذه ترجمة أخرى مختصرة وجدت في المخطوط، يبدو أنها بخط يد المترجم له : 

الفقير إلى الله تعالی محمود رشيد العطار، مولود في دمشق الشام سنة ۱۲۸۷ هـ موافقا لقوله تعالی : [عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا] {الإسراء:79} ،[ أي: بحساب الجُمَّل] ولم أزل بعد بلوغي السنة الثانية عشرة من عمري أقرأ في العلوم العربية وغيرها، أستفيد وأفيد في المعاهد العلمية المشهورة، ودرست في المسجد الأموي قبل أن يحترق، وذلك في سنة ۱۳۱۱هـ، ولازمت العلماء، وسافرت إلى مصر، وأخذت علی مشايخ کرام، وحضرت دروسهم؛ منهم:

الإمام الشيخ عبد الرحمن البحراوي الفقيه الحنفي، والشيخ عبدالرحمن الشربيني محشّي جمع الجوامع، والمطول، وكذا الشيخ عبدالقادر الرافعي الطرابلسي مفتي مصر، والشيخ بخيت المطيعي وغيرهم، وسافرت إلى الحجاز، وأخدت عن الشيخ أحمد البرزنجی مفتي المدينة المنورة، وسافرت أيضاً إلى بغداد، والعراق، والبصرة، وأخذت عن الإمام الشيخ إبراهيم الراوي، وإلى الهند بمبي، واجتمعت بعدة علماء يُرحل إليهم، وقعدت مدرساً في بمبي لمن تخرج في مدارس الفلاح بالحجاز، وعينت مفتيا زمن الانقلاب ببلاد ضواحي دمشق الطَّفيلة والكرك.

وبالجملة لا أزال أفيد وأستفيد إلى الآن، وعمري زاد على السبعين سنة، ونسأله تعالى أن لا يقطعنا عن تعلم العلم وتعليمه، مع النيَّة الصالحة، ونسأله تعالى الوفاة على ذلك، وعلى كلمة الشهادة، إنه تعالى ولي النعم كلها. والسلام. 

حرَّره بقلمه الفقير إلى الله تعالى: محمود العطار عفا الله عنه.

ومما أضيفه لما سبق نشره في ترجمته رحمه الله تعالى:

تصحَّح ولادته المنشورة في الموقع متابعة مني لكتاب" تاريخ علماء دمشق" من سنة 1284 إلى 1287 كما نصَّ على تاريخ مولده في ترجمته.

هذا وقد ترجم الزركلي للشيخ محمود العطار دون أن يذكر مولده، واقتصر على هذه الكلمات: 

(000 - 1362 هـ = 000 - 1944 م)

محمود بن رشيد العطار: متأدب دمشقي، كلفه أحمد تيمور باشا وضع ترجمة للشيخ بدر الدين (محمد بن يوسف) الحَسَني فصنف (ترجمة الحسني - خ) 18 ورقة في الظاهرية

(الرقم 8522). مخطوطات الظاهرية، التاريخ 2: 160.انتهى.

وقد تكلم شيخنا علي الطنطاوي في " الذكريات" عن الشيخ محمود عند حديثه عن الكليَّة الشرعية التي أسَّسها الشيخ كامل قصاب سنة 1937، وذكر من المدرسين فيها:الشيخ عبد القادر الإسكندراني، والشيخ محمود ياسين،والشيخ محمود العطار. وقال عنه: "وهو نموذج لعلماء تلك الأيام، وقد كانت قراءته على الشيخ بدر الدين. وهو متمكن من العلوم الإسلامية، مطّلع على كتبها، عارف بما حوت هذه الكتب، ولكنه لم يكن يجاوزها ولم يكن يبحث في غير ما جاء فيها، ولم يؤْتِه الله مع هذا العلم الكثير لساناً بليغاً فلم يكن خطيباً ولا محدّثاً". اهـ.

ومن تلاميذ الشيخ محمود النجباء القدامى سوى الذين تقدَّم ذكرهم من أمثال الشيخ أبي الخير الميداني، والشيخ إبراهيم الغلاييني، والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت، والشيخ محمد سعيد البرهاني، والشيخ تاج الدين الحسني، والشيخ حسن حبنكة الميداني، والشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمهم الله تعالى جميعاً. :

الشيخ محمد أبو الخير الطباع مؤسس وصاحب المدرسة الوطنية بدمشق المولود سنة 1298 والمتوفى في شوال سنة 1329عن 31 عاما رحمه الله تعالى.

والعلامة الشيخ صالح فرفور (1318 – 1407)، وشيخنا الصالح المهاجر أحمد رأفت أكبازلي زاده (1327- 1408)، والشيخ أحمد نصيب المحاميد (1330- 1421)، والعالم الفاضل الخطيب التاجر الصادق الشيخ محمد فؤاد شميس (1918ـ 1996) وقد حدَّثني ابنه الكريم الأستاذ أحمد: أن الشيخ محمود كان يعقد درسا في جامع التعديل يحضره والده الشيخ محمد فؤاد شميس ، وأبو الفرج الخطيب، وبشير الخجا، وعبد السلام قصيباتي، وعلي عمار. واستمر هذا الدرس بعد وفاة شيخهم إلى أن توفوا جميعا. 

وذكر لي أنه سمع من والده أنه رثى الشيخ محمود العطارعلى قبره. وقال: هذا اليوم ودعنا بفقد الشيخ محمود عالمين كبيرين جليلين، هما الشيخ عبد الحكيم الأفغاني ، والشيخ بدر الدين الحسني، لوثيق صلته بهما وطول ملازمته لهما.

وللشيخ مقالة علمية مفيدة عنوانها: (استحباب القيام عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام) نشرت في الجزء السادس من المجلد الثاني من مجلة (الحقائق) الدمشقية، ثم نشرت في رسالة مفردة.

تنظر ترجمة الشيخ المتقدمة هنا